Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Oct-2017

العالم يفقد بوصلته - د.ماهر عربيات

 الراي - أحداث جسيمة هزت العالم مع حلول القرن الجديد، حملت الرعب والكوارث الدولية والإقليمية، وتتزايد وتيرتها عاماً بعد عام، حتى أصبحنا أمام عالم يسير بلا إيقاع، تسوده الاضطرابات والتصدع والغموض أكثر من أي وقت مضى.

يعتقد الكثيرون أن مع تقدم الزمن، يصبح المجتمع الدولي أكثر أمناً وإدراكاً وتحضراً، وتجنباً للحروب
الطاحنة والقتل وسفك الدماء، التي انتفخ بها تاريخ الإنسانية. غير أن الواقع برهن على عدم صحة تلك الفرضية، بل ربما تقدم البشرية يقود إلى مزيد من الصراعات والحروب، فخلال العقد الأول من الألفية الثالثة، شهد العالم حجما كبيرا من الأحداث والنزاعات الدامية.
 
والقرن الجديد، عصر التكنولوجيا والاختراعات المذهلة، أعاد مجدداً مشاهد الحروب والدمار، لكن بكيفية وصور مختلفة تماماً عن الحروب التي عرفتها القرون السابقة، وربما تجاوزت البعد الأخلاقي والحواجز الإنسانية، وخرجت عن قواعدها وأعرافها، حتى أصبح الدمار والقتل وسفك الدماء والحروب شأناً مستساغا، طالما أن جحيمها يستعر بعيدا عن الدول المؤججة لها، والتي تتقنع بالديمقراطية وتتستر خلف أكذوبة حقوق الإنسان.
 
إن أخطر ما في تلك الحروب، التي نشبت في عدد من دول العالم لاسيما العربية، استناداً إلى إملاءات الدول الغربية، أنها لم تجعل من القتل والهدم والدمار جرائم حرب، بل تعاملت معها باعتبارها جراحةٌ تجميلية أريد منها إنتاج وجه جديد لشرق أوسط جديد، مما نتج عن تلك الحروب لجوء ونزوح ما يقرب من ستين مليون شخص على مستوى العالم، حسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وتتحمل الدول الفقيرة وحدها النسبة الكبيرة من تكاليف استضافتهم، وعلى الرغم من أن انطلاقة هذا القرن أفرزت طفرة واسعة للإنسان في المجالات العلمية والتقنية والإعلامية وكذا الاتصال والتواصل، غير أنها في الوقت نفسه أفقدته الأمن والاستقرار، واتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وأصبحت الفوضى قاعدة والاستقرار استثناء، على سطح كوكب بدأ فعلاً يفقد بوصلته.
 
لقد عُرف القرن السادس عشر بعصر النهضة، والقرن الثامن عشر شهد عصر التنوير، وإذا كان القرن العشرين قد وصف بعصر الحروب الاستعمارية، فان القرن الحادي والعشرين هو عصر الفوضى والحروب الدينية والطائفية، والأكثر دموية فيما عرف بمواجهة الإرهاب، التي بدأت مع أحداث الحادي عشر من أيلول، ومعها تغير العالم، بانطلاق حرب على الإرهاب أفرزت معارك طاحنة ونكبات كبيرة، لا يعلم أحد كيف ومتى تتوقف.
 
أحوال كوكبنا تغيرت، ولم تعد كما ألفناها، وعدم القدرة على فهم الواقع الراهن يعتبر جريمة، والقرن الجديد يحمل الكثير من الخفايا، التي ينبغي علينا قراءتها وإدراكها، وربما يتحتم على البشرية الانتظار طويلاً، حتى تسترد عافيتها من تداعيات المحن والنكبات التي خلفتها الحروب، ابتداءً من الحربين العالميتين، مروراً بغزو لبنان وحرب الخليج، وصولا إلى الحروب بالوكالة، التي اجتاحت عدداً من الدول العربية.
 
إن حال كوكبنا اليوم يشبه حال السفينة (تايتنك)، المتجهة في مياه الأطلسي بسرعة هائلة نحو الجبال الجليدية، ولا سبيل للسيطرة عليها وتجاوز الكارثة والمصير المنتظر، نتيجة غطرسة قيادتها، وجهل ركابها، دون تدارك الخطر الذي يداهمها. فالمرحلة لا تحتمل المزيد من التخبط، ولا بديل عن تغيير مسار السفينة، وإرغام ربانها بالعدول عن مجازفاتهم الحمقاء، ولا بديل عن عودة النخب في الشرق والغرب لتولي مسؤولياتها، إن أرادت تلافي المخاطر المحيطة بالسفينة من مختلف الاتجاهات.