Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Feb-2019

كل مولود فلسطيني كارثة صهيونية* برهوم جرايسي

 الغد

حقيقة عقلية الصهيونية الإرهابية، تبرز أكثر في نصوص أبحاثهم، ووثائقهم الداخلية، التي تبلور سياساتهم الاستراتيجية. فهذه النصوص تحركها غرائز دفينة، ونظرة عنصرية شرسة، تجاه العرب. وهذا برز مجددا في الأيام الأخيرة، في سلسلة مقالات وتقارير في الصحافة الإسرائيلية، استعرضت أبحاثا وتقارير دورية حول نسب التكاثر الطبيعي. ورغم الانخفاض الحاد في معدّلات الولادة لدى فلسطينيي 48، بفعل تطور المجتمع، إلا أن صيغة قراءة هذا التطور، نابعة من عقلية استعلاء وإرهاب، ولا أقل من هذا.
اللافت الأول، أن هذه التقارير نشرت في الصحافة الاقتصادية أساسا، وهي تتحدث عن أبحاث أكاديمية. والعنوان الصارخ لديها، أن نسبة التكاثر “في إسرائيل” بلغت في السنوات الأخيرة معدّل 2 % سنويا. وهذه نسب تعد “كارثية لإسرائيل”، بمفاهيمهم الاقتصادية، خاصة وأن معدّل التكاثر في الدول الأعضاء في منظمة التعاون OECD، في حدود 0,5 %. وهذه تحذيرات بدأت تجاهر فيها إسرائيل في السنوات القليلة الأخيرة، رغم أنها كانت واضحة لمن قرأ المستقبل جيدا، قبل سنوات أبعد.
ويرى الباحثون، وأطر التخطيط الاستراتيجي في الحُكم الصهيوني، أن المساحة الجغرافية، وبالذات الجغرافية الاقتصادية، ليس بمقدورها أن تستوعب وتيرة التكاثر هذه، إن كان على صعيد تمركز اليهود في وسط فلسطين التاريخية، في منطقة تل أبيب الكبرى، ومنطقة قلب الضفة المقابلة لها. كذلك فإن الموارد الطبيعية، والبنى التحتية لن تكون قادرة على استيعاب هذه الأعداد مستقبلا، خاصة وأن هذه التقارير تأخذ بالحسبان في هوامشها، أعداد الفلسطينيين في الضفة “على الأقل”، وغيرهم يضم قطاع غزة أيضا.
ونسبة التكاثر هذه ليست متساوية، إذ نسبة تكاثر فلسطينيي 48، انخفضت إلى 2,4 %، بينما نسبة تكاثر اليهود ارتفعت إلى 1,9 %. وهذا ناجم عن انخفاض حاد في معدّلات الولادة بين فلسطينيي 48 منذ مطلع سنوات التسعين من القرن الماضي، من حوالي 4,8 ولادة إلى 3,4 ولادة للأم الواحدة، ورغم ذلك يعتبرون المعدّل “مقلقا” لإسرائيل. بينما ارتفع معدّل الولادة للأم اليهودية إلى حدود 2,9 ولادة للأم. 
وبموجب قراءتهم العنصرية لفلسطينيي 48، فإن انخفاض معدّل الولادات يعود إلى انخفاض المخصصات الاجتماعية التي تتقاضاها كل عائلة، عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما. ويجري الحديث عن مخصص شهري بالمعدّل 47 دولارا، للولد الواحد، بينما معدّل كلفة المعيشة للفرد الواحد في العائلة، في الشرائح الوسطى الدنيا، يتجاوز 800 دولار شهريا، بمعنى يجري الحديث عن فتات لا يمكن أن يشكل دافعا لرفع أو خفض معدّلات الولادة، ولكن القصد من هذا، هو الصاق طابع التخلف المجتمعي بالعرب.
وفي المقابل، فإن “الباحثين” يقرأون ارتفاع معدّلات الولادة بصورة مغايرة، حينما يجري الحديث عن اليهود، خاصة حينما نعلم أن معدّل الولادات للأم الواحدة من المتدينات المتزمتات “الحريديم”، هو 7 ولادات، وأن نسبة تكاثر “الحريديم” وحدهم تصل إلى 3,8 %، تقريبا ثلاثة أضعاف نسبة تكاثر العلمانيين في منطقة تل أبيب. ولا يذكرون، مثلا، أن هذا الجمهور يتلقى مخصصات إضافية عدا مخصصات الأولاد، تشجعه على هذا التكاثر، رغم أن أكثر من 50 % من رجال الحريديم يمتنعون عن الانخراط في سوق العمل، كي لا “يتدنسوا” بالمجتمع المفتوح.
كذلك فإن ارتفاع الولادات نجده لدى التيار الديني الصهيوني، وهو التيار المسيطر سياسيا على المستوطنات، وبات 4,8 ولادة للأم الواحدة. ولا أحد يتطرق إلى حجم المخصصات التي تتلقاها هذه العائلات من الخزينة العامة، لتشجيعها على الولادة أكثر.
ورغم ذلك، فإن أطر التخطيط الاستراتيجي في الحُكم الصهيوني، تعرف تماما أن نسب التكاثر بين المتدينين، تضع كيانهم على خازوق، ويقود نحو مستقبل سوداوي للجمهور اليهودي العلماني، الذي هو عصب الإنتاج والاستهلاك. إذ سيجد نفسه محاصرا اجتماعيا، بأنظمة وقوانين الإكراه الديني من جهة؛ ومن جهة أخرى، سيكون مطالبا بدفع فاتورة المخصصات الاجتماعية للمتدينين، من خلال زيادة العبء الضريبي، في راتبه الشهري، إضافة إلى أنه سيكون محاصرا أكثر في مدن محددة، ليبتعد فيها عن الأكثرية المتدينة مستقبلا. 
وهذا كله، سيقود، بموجب ما أكده بحث واسع في جامعة حيفا قبل 9 سنوات، وتلته أبحاث مشابهة، إلى اتساع ظاهرة هروب العلمانيين، نحو أوطانهم، أو أوطان أهاليهم الأصلية.