Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Jun-2019

«الحكاية الثانية».. سرد عجائبي يرصد تشظي الذات ويدين الواقع

 الدستور-يعمد القاص المصري ممدوح عبدالستار، منذ أول أعماله القصصية «السمان يستريح في النهر» (الفائزة بجائزة سعاد الصباح 1988) وحتى أحدثها «الحكاية الثانية» (الدار الثقافية، تونس 2019) إلى التمرد على أشكال الكتابة القصصية السائدة، فيعمد إلى تقديم قصص تحفل بالعجائبي والغرائبي، مصورا للا مألوف في سياق المعتاد، فالعجائبية تكمن في انتفاء الألفة وتزداد حدتها حينما يمزج القاص بينها وبين الواقعي، مفترضا تعامل المتلقي لها باعتيادية، فالسرد العجائبي يكتسب طابعا إيهاميا فيبدو وكأنه أحداث تجري باعتيادية.

وكل من العجائبي والغرائبي يثير الدهشة والحيرة، وتظهر دلالته في الأثر النفسي الذي يتركه لدى القارىء تجاه تلك الظاهرة الغريبة، والتمييز بينهما يقوم على التردد الذي يحس به القارئ حيال تصديق نص حدث ما، ثم يحسم أمره؛ فإذا رأى أن قوانين الطّبيعة سليمة، وتسمح بتفسير الظواهر التي تصورها القصة، فالنص عندئذ يدخل ضمن السرد الغرائبي، بينما يدخل في السرد العجائبي إذا افترض وجود قوانين جديدة للطبيعة يمكنه أن يفسر الظواهر بواسطتها.
«تعود أن يرمي هدومه في أي ركن، بعيدا عن جسده، فيحس بارتياح، ويقفز كفراشة، ويحلق في غرفته، قافلا إياها حتى لا يقتحم عليه أحد خلوته، فيضطر لارتداء ملابسه مرة أخرى». 
هكذا تبدأ القصة الأولى «انتظار»، معتمدة على الخروج عن المألوف والمتوّقع بما يتلاقى مع المفارقة التي تطرح أمراً جديداً في إطار عادي مألوف، «وتقول شيئاً وهي تقصد العكس»، فهذا الشخص الذي يتعامل مع ملابسه باعتبارها سجنا، فينزعها ويرميها ليرتاح نراه يغلق على نفسه غرفته ليشعر بالحرية، وكأنه استسلم لسجنه وأصبح كل ما يعنيه أن يكون السجن أكثر اتساعا، ولما يتلصص عليه الراوي، يراه «يحك جلده ولحمه بقوة، فيظفر بهما، ويضعهما بجواره على السرير، أو أرض الغرفة، حتى بانت عظامه، واستراح في نوم عميق».
هكذا يكتشف المتلصص أن جاره الذي كان يتيه بجسده قد أصابه الجرب، يلفظه الناس فيهجرهم مستترا بجدران غرفته غير دارٍ بأنهم يتلصصون عليه، وبالرغم من تعقبهم له لا يشعر بوجودهم، فيسرف في التخفي لدرجة أنه حينما ينظر في مرآته «لم يجد إلا بقعا سوداء»، فكأن وجوده أصبح عدما، وحينما تفوح الرائحة النتنة لجثته يقومون بإشعال النار في الغرفة للتخلص من آثاره، عندئذ يتحدث الراوى بضمير الجمع نحن وليس أنا: «استرحنا قليلا وفرحنا، وقد بات لنا أن نكون غير خائفين هذه المرة، واستلقى كل منا عاريا تماما في غرفته، منتظرين النار التي أفرحتنا».
هكذا ينجح السرد الغرائبي في رصد استلاب الذات في مجتمع يهمشها، وينتهك خصوصيتها، على الرغم من إن معاناة ذلك المقصي لا تخصه وحده، فبذرة الداء كامنة في دواخل أولئك الذين فرحوا بالنار وهي مصيرهم.