Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-May-2019

أميركا وإيران وحرب قد تقع*حسن أبو هنية

 الراي-تصاعدت حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، التي أعلنت إرسال حاملة الطائرات «أبراهام لنكولن» إلى الخليج، لحماية مصالحها مما وصفته بـ «التهديدات الإيرانية»، حيث بدأت القاذفات الأميركية «الشبح» من طراز بي 52 الاستراتيجية والتي أمر بها البيت الأبيض بالانتشار في الخليج لمواجهة تهديدات إيران غير المحددة بضرب قواعد جوية أمريكية في المنطقة، وأظهرت الصور التي أصدرها سلاح الجو الأميركي قاذفات القنابل من طراز بي 52-إتش وهي تصل إلى قاعدة العديد الجوية في قطر، وقالت مصادر مطلعة إن طائرات وأسلحة جو أخرى تكون قد هبطت في مكان مجهول، ورغم هذه الحشود ثمة شكوك حول عزم ترمب خوض حرب ضد إيران، لكنه قد يذهب إلى قرار الحرب تحت تأثير مجموعة من مستشاريه الأكثر يمينية وتطرفا وقربا من إسرائيل.

 
منذ قدوم إدارة الرئيس الأميركي ترمب بات الحديث عن الخطر الإيراني حدثاً يومياً، وأصبحت التهديدات لازمة خطابية لأركان الإدارة الأميركية، انسجاما مع الرؤية الأميركية التقليدية، التي تدعي أن الجمهوية الإسلامية الإيرانية منذ تأسيسها 1979 تشكّل تحدياً شاملاً لمصالحها وتهديداً واسعاً لحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط، ولم تخل أي وثيقة للأمن القومي الأميركي منذ سقوط نظام الشاه وصعود دولة ولاية الفقيه من الحديث عن الخطر الإيراني واعتبار إيران دولة راعية للإرهاب، فضلاً عن كونها دولة مارقة، لكن وثيقة الأمن القومي التي وضعتها إدارة ترمب ذهبت أبعد من سابقاتها، فبحسب الوثيقة «على مدار عقود كان الحديث عن أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو المحور الأساسي الذي منع تحقيق السلام في المنطقة، إلا أن اليوم يتضح أن التطرف الإرهابي الآتي من إيران قادنا لندرك أن إسرائيل ليست مصدرا للنزاع في الشرق الأوسط، وأن دولا أظهرت إمكانيات التعاون المشترك مع إسرائيل لمواجهة التهديدات الإيرانية»، فالاستراتيجية الأميركية لفهم طبيعة المخاطر في الشرق الأوسط تشير إلى أن واشنطن ترى أن ثمة خطرين في المنطقة: الأول هو التنظيمات الإرهابية، والثاني هو إيران، وقد تخلت عن فكرة أن السبب الرئيسي للأزمات هو الصراع العربي الإسرائيلي.
 
لم تقتصر التهديدات الأميركية لإيران على الخطابات، بل إنها تسير في منحى من التصعيد يقود إلى الحربـ فقد تدرجت الإجراءات الأميركية إلى جملة من العقوبات الاقتصادية والإجراءات السياسية لعزل إيران وفق استراتيجية تقوم على مبدأ ممارسة «ضغوط قصوى»، تكللت بالانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018، لكن العقوبات التي ارتكزت على العامل الاقتصادي رغم قسوتها وتأثيراتها البالغة على الاقتصاد الإيراني، لم تدفع طهران لإعادة التفاوض للتوصل إلى اتفاق جديد وفقا لمعايير ترمب، التي ترغب بتوسيع الاتفاق ليشمل ملفات عديدة لا تقتصر على الملف النووي، بل برنامجها الصاروخي وأذرعها الخارجية، وذلك تأكيدا على الخطوط الأساسية للسياسة الأميركية في الشرق الأوس، والتي تقوم على الالتزام بأمن وحماية «إسرائيل» وضمان امدادات تدفق «النفط»، ويبدو أن مقاربة ترمب لتحقيق ذلك تتطلب علاقة صراعية وجودية مع إيران، كمحدد في بناء التحالفات تمهد لاستدخال إسرائيل في نسيج الشرق الأوسط.
 
في هذا السياق عكفت واشنطن منذ تدخلها في المنطقة في إطار بحثها عن حل إقليمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على حشد جبهة موحدة تضم إسرائيل والقوى العربية السنية في وجه إيران عدو واشنطن اللدود، الأمر الذي دفع بنيامين نتنياهو إلى تقديم اقتراح بـتبني «مقاربة إقليمية» لإنهاء صراع الشرق الأوسط، حيث أشاد بما وصفها «فرصة غير مسبوقة تتمثل في تخلي بعض الدول العربية عن اعتبار إسرائيل عدوا، بل صارت ترى فيها حليفا في مواجهة إيران و«داعش»، القوتين التوأمين في الإسلام /المتطرف/ واللتين تهددان الجميع».
 
لا جدال أن ترمب يتماهى مع الرؤية الإسرائيلية المتعلقة بإيران والمنطقة، فحسب مقالة الباحث في جامعة هارفارد، الأكاديمي ستيفن وولت، في مجلة «فورين بوليسي» فإن ترمب يقوم بالخروج من الاتفاقية بناء على رغبة بوضع إيران داخل (نقطة الجزاء)، ومنعها من إقامة علاقات طبيعية مع الغرب، والهدف هو توحيد إسرائيل، الجناح المتطرف من اللوبي الإسرائيلي (إيباك)، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، والصقور الذين يمثلهم مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، وهؤلاء يخافون مع حلفاء أمريكا في المنطقة من الاعتراف يوما ما بإيران، ومنحها مستوى من التأثير، فليست الهيمنة الإقليمية هي التي تريدها إيران، لكن الاعتراف بأن لها مصالح إقليمية يجب التعامل معها، وهذا أمر بغيض على الصقور، الذين يريدون الحفاظ على عزلة إيران ونبذها للأبد»، ويشير وولت إلى أن «الصقور يرون أن هناك طريقين لتغيير النظام، الأول من خلال ممارسة الضغط على إيران؛ أملا في حدوث انتفاضة شعبية تطيح بحكم الملالي. أما الثاني، فهو دفع إيران لاستئناف برامجها النووية، وهو ما يعطي واشنطن المبرر لشن هجوم عسكري عليها».
 
تشير مسارات العلاقة المتوترة بين أمريكا وإيرن عقب تولي ترمب إلى تنامي إمكانية الصدام والحرب، خدمة لأمن إسرائيل أكثر من خدمتها للأمن القومي الأميركي، وعندما زار ترمب المنطقة والتي افتتحها بزيارة الرياض في 21 مايو 2017، هاجم الرئيس الأميركي خلال خطابه أمام قادة عدد من الدول العربية والإسلامية النظام الإيراني بشدة، داعيا «كل الدول التي تملك ضميرا، إلى العمل على عزل إيران» وأكد ترمب أن «إيران تمول الإرهابيين وتنشر الدمار والفوضى في المنطقة»، وعندما توجه إلى إسرائيل في اليوم التالي قال: إن القلق المتزايد من إيران في المنطقة «قرّب» الدول العربية من إسرائيل، وأضاف ترمب الذي كان يقف إلى جانب الرئيس الإسرائيلي، ريئوفين ريفلين بأنه «لمس شعوراً جيداً جداً حيال إسرائيل» خلال زيارته للسعودية، وأكد ترمب أن الشعور المشترك بالقلق من إيران يقرب بين إسرائيل ومحيطها العربي والخليجي على وجه التحديد.
 
لقد استثمرت إدارة ترمب بهذا الشعور المشترك بالقلق من إيران، فمنذ فترة وبهدوء تعمل إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، على إنشاء تحالف أمني من ست دول خليجية،وهي السعودية والإمارت والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين، إضافة لمصر والأردن، ويعرف هذا التحالف بشكل غير رسمي باسم «الناتو العربي»، كما يحمل أيضا أسماء مثل «ميسا» و«تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي».
 
تبدو السياسات الخليجية سائرة خلف إدارة ترمب، وهي على مدى عقود لم تقم باجراءات فعالة في التعامل مع إيران، واستسلمت لأطر اللعبة الطائفية الباردة، والتي أسفرت عن تمدد إيران وزيادة نفوذها، وارتهنت لمواضعات اللعبة الأميركية، الأمر الذي جعل إيران قوة مهيمنة في عدد من الدول ونافذة في دول أخرى، وحسب معهد ستراتفور فإن العلاقات بين السنّة والشيعة في دول الخليج كانت سلمية حتى عقب الثورة الإيرانية 1979، ولم يكن قادة الدول الخليجية يرون الشيعة في بلادهم تقسيمًا طائفيًا يهدّد استقرار البلاد.وبالنسبة للدول ذات العدد الكبير من السكّان الشيعة، مثل البحرين والكويت والسعودية، ومع تراجع مداخيل النفط والدخول في حزمة من الإصلاحات الشاقة، فقد تكون الإصلاحات سببًا في تفاقم التوتّرات بين السنّة والشيعة في هذه البلاد، الأمر الذي يعطي لإيران الفرصة لكسب نفوذ جديد في المنطقة. والآن، في حين تسعى دول مجلس التعاون الخليجي للإصلاح، قد تستغل إيران الفرصة لتجديد روابطها بالشيعة في المنطقة.
 
أحد ركائز فشل السياسات الخليجية في التعامل مع إيران أنها دفعت مواطنيها الشيعة إلى إعادة النظر في الروابط الأيديولوجية وتعزيز علاقاتها مع إيران، رغم أنّ الشيعة في دول الخليج تاريخيا منحازون إلى معاداة نظرية ولاية الفقيه، وهم يلتزمون بتعاليم المرجع العراقي «آية الله علي السيستاني» بدلًا من تعاليم المرجع الإيراني «آية الله الخميني»، بل إن الفرع الزيدي (الحوثيون) من الشيعة في اليمن كان معاديا للشيعة الإثنى العشرية عموما والإيرانية خصوصا، وقد وجدوا أنفسهم مؤخرا في حضن إيران.
 
بلغت سياسة الضغوط القصوى الأميركية ضد إيران ذروتها حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثامن من إبريل 2019 في خطوة غير مسبوقة إدراج «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية، في إطار تدشين مرحلة ثانية من استراتيجية الضغوط القصوى، وهي خطوة لا سابق لها في التاريخ الأميركي والدولي، حين تطبق فيها واشنطن هذا التصنيف على مؤسسات حكومية رسمية لدولة أخرى، وهي خطوة لم تتجاوز قواعد اللعبة الاستراتيجية طوال تاريخ الصراع الأميركي ـ الإيراني على مدى الأربعين عاما الماضية منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
 
خلاصة القول أن الخطوات الأميركية قد تدفع باتجاه الحرب مع إيران، لكن إيران ترد بطرائق عدة، فقد غرد حشمت الله فلاحت بيشة وهو رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني بتاريخ 24 إبريل الماضي على تويتر قائلا: «المستقبل سيثبت أن مصادر النفط في الإمارات والسعودية ستكون الأقل استقراراً على مستوى العالم»، وعقب عشرون يوماً، مع وقوع حادثة ميناء الفجيرة عاد فلاحت بيشة ووصف الانفجارات بأنها دليل على أن «أمن جنوب الخليج هش كالزجاج»، وبعد حادثة الفجيرة بيومين تم استهداف منشآت لأرامكو في السعودية بواسطة طائرات مسيّرة، والذي تبنته «أنصار الله» الحوثية اليمنية، على خلاف عملية أرامكو لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الفجيرة، تلك رسائل بسيطة عن كلف الحرب مع إيران.