Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Jan-2018

حروب الشرق الأوسط التي لا تنتهي - حسن أبو هنية

الراي - دخلت بلدان عربية عديدة منذ 2011 دينامية معقدة من النزاع والصراع والحروب عقب تنامي الحراكات الاحتجاجية وتحولها إلى أشكال مختلفة من العسكرة، إذ تنوعت أنماط العنف والحرب على أسس سياسية ودينية وهوياتية وطائفية، ودخلت المنطقة سياقات الحروب الأهلية وحروب الوكالة الدولية والإقليمية بطرائق كارثية، فقد خلفت الحروب نتائج كارثية وأكلافا باهظة، إذ بلغت الخسائر الذي خلّفتها الحروب في سوريا واليمن وليبيا والعراق ما يقارب 600 ألف شخص لقوا حتفهم، ومن بينهم على الأرجح أكثر من نصف مليون سوري، و17 مليون شخص نزحوا من ديارهم، ومن الأردن إلى لبنان فتونس وغيرها من البلدان، أدّت تدفقات اللاجئين إلى استنزاف الميزانيات وتسببت بتأجيج السياسات المحلية.

 
منذ عسكرة ثورات الربيع العربي والانقلاب على حراكاتها الاحتجاجية السلمية اختزلت حالة المنطقة بـ»الإرهاب»، وهي ظاهرة لا شك في خطورتها، لكن المؤكد أن «الإرهاب» يستند في إيديولوجيته ومبررات وجوده وقدرته على الاستقطاب والتجنيد إلى أسباب موضوعية سياسية واقتصادية وغيرها، لكن تسليط الضوء على الإرهاب لم يكن سوى حجاب كثيف لاخفاء الحقيقة لتمرير أجندة سياسية محلية دكتاتورية وإقليمية توسعية ودولية إمبريالية، فقد أصرت الأنظمة السلطوية في المنطقة أنها تقوم بمحارية الإرهاب للتهرب من المسؤولية السياسية والاخلاقية، بينما حقيقة الحرب تتمثل بالصراع على السلطة.
 
رغم الإعلان عن هزيمة «الإرهاب» وخسارة الحركات الجهادية لأماكن السيطرة الحضرية، إلا أن ذلك لن يشكل نقطة تحول في تصورات مشاكل المنطقة، إذ سوف تبقى مسألة حرب الإرهاب الموضوعة الأساسية والذريعة الرئيسية لاستدامة العنف والإرهاب، ذلك أن الاستراتيجية الدولية والإقليمية والمحلية في الحرب على الإرهاب استندت إلى مقاربة عسكرية لطرد التنظيمات الإرهابوية من مناطق سيطرتها على المدن والبلدات الحضرية، دون معالجة الأسباب الموضوعية العميقة، وإذا كان العام الماضي مثل نهاية حرب السيطرة المكانية وحرب المدن فإنه كذلك دشن ولادة حرب العصابات.
 
من المنتظر أن يشكل العام الحالي نقطة تحول بإعادة الهيكلة للجهادية العالمية، وسوف نشهد هجمات خارجية منفردة، وربما نشهد مع منتصف العام القادم بعض الهجمات المنسقة، ولذلك تعمل الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية على نهج الإبقاء على تشديد الضغط على الحركات الجهادية وعدم السماح لها بالتقاط الأنفاس وتوجيه ضربات في الخارج، لكن ذلك لن يمنع من هجمات «الذئاب المنفردة»، وفي العالم العربي الذي يتجه إلى مزيد من الانسداد السياسي والتردي الاقتصادي وينزلق ببطء ولكن بثبات من العجز إلى الفشل، فسوف تتنامى الهجمات الجهادية الانتقامية.
 
أحد أهم الأسباب التي تدفع إلى التشاؤم أن ثمة حالة من الإجماع لدى الخبراء والباحثين على أن الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أدت إلى عودة الجهادية العالمية عموما وتنظيم الدولة خصوصا لا تزال ذاتها لم تتغير، بل تفاقمت الأزمات بطرائق عديدة، فقد ازدهر تنظيم الدولة وتنامى بصورة لافتة عام 2013 في ظل عدة عوامل أساسية وهي: انسحاب الولايات المتحدة من العراق في كانون أوّل/ديسمبر 2011 ،وصعود النفوذ الشيعي بهيمنة إيرانية، وتفاقم الأزمة السنية وضعف قوات الجيش والأمن العراقية، وبروز الحركات الاحتجاجية العربية السلمية وقمعها وعسكرتها في سوريا، واختلاف الاجندة الدولية والإقليمية.
 
إن الأسباب التي أدت إلى بروز تنظيم الدولة الإسلامية وعودة انبعاث تنظيم القاعدة، لا تزال على حالها، فبحسب هارون ي. زيلين هناك خمسة عوامل أساسية ساهمت في معاودة ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» عام 2013 ،وهي: انسحاب الولايات المتحدة من العراق والضعف المتلازم لقوات الأمن العراقية، ومشاركة التنظيم المتواصلة في أعمال إجرامية محلية وقدرته على استغلال مظالم العراقيين السنّة ضدّ الحكومة المركزية ذات الغالبية الشيعية، وعمليات الهروب الجماعية من السجون من قِبَل رفاق تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، واندلاع الحرب في سوريا، الأمر الذي حثّ على تعبئة غير مسبوقة للمقاتلين الأجانب. وبالتالي، يتعيّن على الولايات المتحدة وحلفائها التركيز على الفهم الكلّي لهذا السياق المتغيّر تماماً، وليس على إعادة خوض المعركة السابقة.
 
لقد أدت الاختلالات العديدة إلى تنامي قدرات الحركات الجهادية بشن هجمات خارجية، ففي الوقت الذي نفذ تنظيم «الدولة الإسلامية» أكثر من ألفي هجوم انتحاري محلي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وصل متوسط عدد الهجمات الإرهابية الانتحارية حول العالم حسب بيري كاماك إلى 478 خلال السنوات الخمس الماضية، بالمقارنة مع 374 في السنوات الخمس التي سبقت العام 2011 ،وقد حال على ما يبدو تنامي السلطوية وتعميق التنافس الإقليمي، في أعقاب هذه الحروب، دون الاستجابة المنسقة للتحديات الإقليمية العاجلة، على غرار تغيّر المناخ، وندرة الغذاء والمياه، والاحتياجات المتزايدة في مجالي العمالة والتنمية.
 
يشير بيري كاماك إلى أن هذه الحقبة الجديدة من نزاعات الشرق الأوسط تتزامن مع تفكّك النظام العالمي. ففي مرحلة «ما بعد بعد الحرب الباردة» التي نعيشها اليوم، لم يعد المجتمع الدولي مستعدّاً أو قادراً على الاستجابة بشكلٍ فعّال للنزاعات الدولية، ناهيك عن أن أيّاً من بعثات الأمم المتحدة الأربعة لحفظ السلام التي أُنشئت منذ العام 2012 لم تعد عاملة في الوقت الراهن في أيٍّ من الحروب الأهلية الاثنتي عشرة التي يشهدها العالم، والحصيلة هي أنه حتى عندما تُبرم تسويات سياسية لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، ثمة احتمال كبير في أن تندلع مجدّداً إذا لم تترافق هذه التسويات مع آليات دولية لتنفيذها، مثل قوات حفظ السلام.
 
ونظراً إلى غياب التوافق بين الدول الكبرى بشأن حروب الشرق الأوسط، والاختلال السائد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ثمة حاجة للنظر في الآليات الممكنة لدعم التسويات في الشرق الأوسط، مع الأخذ في الاعتبار صعوبة عمليات حفظ السلام في خضم المخاطر الإرهابية الكبيرة المُحدقة.
 
خلاصة القول أن الشرق الأوسط متخم بحالة من العنف البنيوي الذي يعمل على استدامة العنف وتنامي الظاهرة الإرهابوية، ورغم نجاح المقاربة العسكرية والأمنية في الحرب على الإرهاب على المدى القصير، فإن فشلها محتوم على المدى البعيد، فبالمقارنة بين حالة الحركات الجهادية بعد أحداث سبتمبر يمكن القول أنها اليوم باتت بتلوناتها المختلفة تتصدر المشهد في بلدان عديدة، كما أن إيديولوجيتها الخطابية أصبحت أكثر جاذبية، فالاعتماد على المقاربة الأمنية العسكرية الصلبة، وإهمال الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أنتجت الظاهرة الإرهابوية، وغياب الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أدى إلى نتائج كارثية، وعلى الرغم من وجود شبه إجماع على أن الفساد والاستبداد وغياب العدالة والإنصاف هي الروافع الأساسية لتمرد البشر والنزوع العنيف والتلبس بالإرهاب، إلا أن سياسات «الحرب على الإرهاب» العالمية المستنسخة محليا وإقليميا، لا زالت تصر على علاج الأعراض واعتبار العنف «الإرهابوي» اعتباطيا عبثيا عدميا، الأمر الذي يجعل من العنف سيد الأحكام في الشرق الأوسط.