Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Feb-2021

إغواء الرفاهية: لماذا يمتلك معظم الناس أشياء لا يحتاجونها؟

 الغد-باول بلوم*

 
ترجمة: موفق ملكاوي
 
لماذا يلجأ شخص إلى إنفاق آلاف الدولارات لشراء حقيبة يد ماركة “برادا”، أو بدلة “آرماني” أو ساعة “روليكس”؟ إذا كنت حقا تريد معرفة الوقت، اشتر ساعة “تايمكس” الرخيصة أو، ببساطة، أنظر إلى هاتفك الشخصي، وتبرع بالمال الذي كنت ستصرفه إلى منظمة “أكسفام”. إن سلوكيات معينة للمستهلك تبدو غير منطقية وتبذيرية، وحتى شريرة.
ما الذي يدفع الناس لامتلاك أكثر بكثير مما يحتاجون؟
ربما لديهم ذوق راق. في كتابها الرائع الذي أصدرته العام 2003 “جوهر الأناقة”، ترى فرجينيا بوستريل أن رد فعلنا على العديد من المواد الاستهلاكية هو “آني، حسي، وعاطفي”. نريد تلك الأشياء بسبب المتعة التي نحصل عليها من النظر إليها والتفاعل مع منتجات ذات جودة عالية، وهو أمر لا عيب فيه. وتقول “الديكور والزينة ليسا أعلى ولا أدنى من الحياة الحقيقية. إنهما جزء منها.”
بوستريل تستمر في دحضها لواحدة من أكثر النظريات تهكما، والتي جاءت على يد العديد من المنظرين في علم الاجتماع والاقتصاد والتطور. بالبناء على وجهات نظر ثورستين فيبلين، يجادلون في أننا نشتري تلك الأشياء كـ”رموز لحالة”. ورغم أننا في كثير من الأحيان لا نكون على علم بتلك الحالة، وربما ننكرها بغضب، إلا أننا نكون منقادين إلى التباهي بمراكمة البضائع لإثارة إعجاب الآخرين.
عالم التطور النفسي جيفري ميلر تبنى النظرية ومنحها بعدا آخر حين جادل أن الجوع لهذه السلع الفاخرة هو التعبير الحديث لتطور الرغبة في التأشير إلى الصفات الجاذبة – مثل الذكاء، الطموح والقوة – لجذب الرفاق: الانتقاء الجنسي لدى تشارلز داروين يلتقي بالاستهلاك الجلي لدى فيبلين.
“التأشير” هي نظرية لها نطاق واسع – تم تطبيقها على كل شيء من سلوك تشويه الذات إلى حقيقة أن أفضل المدارس الخاصة تعلم اللغات الميتة – ولكنها الأكثر وضوحا في عالم المستهلك. الإعلانات غالبا ما تكون تأشيرا خالصا على النزوات. جيرانكم يتنهدون عندما تمر سيارتكم في الجوار؛ الغريب الجذاب في المقهى يثار من خلال اختيارك لنوع المشروب. زوجتك وأولادك يحبونك لأنك اشتريت النوع الصحيح من البيتزا المجمدة. واتساقا مع ذلك، فإن دراسات علم الأعصاب تكشف أنه عندما ينظر الناس في المنتجات، فإنهم محكومون بـ”الهدوء”، وأن مناطق الدماغ المرتبطة بالثناء والاستحسان الاجتماعي تكون مفعّلة.
إذا كانت تلك المشتريات مدفوعة بتعزيز الحالة، فإنها تصبح سلعا موضعية: يتم تحديد قيمتها من خلال ما يملكه أشخاص آخرون. هذا يوحي بنقد شديد للنزعة الاستهلاكية. الحالة هي لعبة محصلتها صفر، وتماما مثل بلد في سباق تسلح فعلي يتوجب عليه الاقتطاع من موارده الحيوية للترفيه. وسباق التسلح المجازي الذي سماه الاقتصادي روبرت إتش. فرانك “حمى الترف” يقتطع من الأفراد المستهلكين أموالا سيكون من الأفضل إنفاقها على سلع أكثر حيوية، مثل التنشئة الاجتماعية والسفر. من الصعب على الناس الانتقاء، فالقول إن الفرد يمكنه ببساطة رفض المشاركة، هو مثل القول إن البلدان الواقعة في سباق فعلي للتسلح يمكن أن تختار وقف شراء جميع الطائرات المقاتلة ووضع المال في وجبات الغداء المدرسية ومسرح شكسبير. بالتأكيد إنها تستطيع – إذا كانت لا تمانع في أن يتم غزوها. إذا كان الجميع يشترون الثياب الفاخرة لمقابلات العمل، عندها أغامر بالبقاء في صفوف العاطلين عن العمل باختيار عدم الانجرار لـ”حمى الترف”.
سنكون أفضل حالا، عندها، إذا أجبرنا طاغوت ما على نزع سلاحنا. ميلر وفرانك وآخرون يرون أن على الحكومة أن تتدخل، فسياسة تهدف إلى كبح التسوق الفاخر قد تنطوي على هامش أعلى لمعدلات الضرائب، أو، باعتباره تدخلا استهدافيا أكبر، ضريبة استهلاك. حين يصبح من الصعب تحمل شراء “رولكس”، فإن الناس سوف يكرسون المزيد من المال للمتع التي تهم حقا. هدر أقل، سعادة أكبر.
وحدها البرجوازية الصغيرة “غير المثقفة” يمكن أن تنكر وجهة نظر بوستريل في أن أذواق بعض المستهلكين جمالية، وحتى حسية. والساذج وحده يمكن أن لا يقتنع بأن بعض الناس يقدمون على شراء سلع مترفة لإثارة إعجاب الزملاء والمنافسين والأزواج والعشاق.
ربما يمكننا تقسيم عالم المستهلك. إن تقدير الجمال يوضح بعض المتع الاستهلاكية العالمية سهلة المنال – بوستريل تبدأ كتابها في كابول بعد سقوط طالبان، واصفة كيف أن النساء هناك يظهرن حريتهن من خلال امتلاك البراقع الملونة وطلاء الأظافر – بينما تنطبق نظرية “التأشير” على شراء الحاجيات الباهظة جدا. البرقع القرمزي؟ جمالي. ساعة بقيمة 30 ألف دولار؟ “تأشير”. اختيار ارسطو أوناسيس تنجيد مقاعد البار في يخته بجلد قلفة الحيتان؟ قطعا “تأشير”.
لا أعتقد أن أيا من هذه الأمور خطأ، ولكنها غير مكتملة بطريقة خطيرة. هناك تفسير آخر لحبنا لهذه السلع، والتي تستمد واحدة من الأفكار الأكثر إثارة للاهتمام في العلوم المعرفية: أن البشر، أصلا، ليسوا مخلوقات حسية. إلى حد ما، نحن نستجيب لما نعتقد أنها الخصائص الأكثر عمقا للأشياء، بما في ذلك تاريخها. الخصائص الحسية ذات صلة، وهي “تأشير”، ولكن المتعة التي نتحصل عليها من النوع التاريخي الصحيح يفسر الكثير من إغواء عناصر الرفاهية – ومن الكثير من المواد الاستهلاكية الدنيوية كذلك.
إذن، الجدل في علم النفس والسياسة حول السلع غير النافعة ليس مجرد أهواء لأصحاب الملايين، فكل شخص لديه شهية لأشياء غير نافعة، ومعظم الناس يمتلكون أشياء لا يحتاجونها بالفعل. من المفيد أن نتساءل لماذا.
بوستريل تقتبس جيمس تويتشيل، في “عِشْها” (2002)، في حديثه عن زيارة قام بها إلى محلات “آرماني” في بيفرلي هيلز مع ابنته التي كانت في سن الجامعة. وهو يصف كيف أن الزبائن يهجمون على الملابس، وكيف أن ابنته، التي كانت متشككة في البداية، وجدت نفسها مفتونة بالبضائع. تويتشيل يرى أن جاذبية السلع متجذرة في الصورة الشخصية والتطابق مع الذات، ولكن بالنسبة إلى بوستريل الأمر أبسط من ذلك: “الناس يستظرفون ملابس آرماني لأن الأقمشة تشعرهم بحالة جيدة جدا. تلك الملابس تجذبنا كمخلوقات مرئية وملموسة، وليس لأنها (غنية بالمعنى) ولكن لأنها غنية بالمتعة”. فتنت ابنة تويتشيل “ليس بسبب أنها تريد إثارة إعجاب أحدهم، أو تشعره بأنها متابعة للعلامات التجارية المرموقة. إنها تريد هذه الملابس المترفة لأنها جذابة من الناحية الجمالية، وبكلمة واحدة، جميلة”.
إن متع هذه الأشياء يتم استشعارها بشكل فوري وبطريقة حسية. ولكن بوستريل سريعة جدا في رفض ادعاءات تويتشيل حول المعنى، فالمتسوقون يعرفون، في النهاية، أنهم يداعبون بضائع أرماني، فهل يتفاعلون بالطريقة نفسها إذا وصلوا إلى قسم الخصومات في “مارشال” الذي يقدم التجربة الحسية نفسها؟ على الاغلب لا. إذا كانت المتعة تمت من خلال خواص مادية لما ننظر إليه أو نلمسه، عندها فإنه من غير المهم ما نفكر به تجاهها. بالنسبة إلى الغالبية، فإن أرماني يستحق أكثر من التقليد، حتى لو كان الفرق غير مرئي للحواس.
أو النظر في رولكس، ففي كتابه “المستهلك: الجنس والتطور وسلوك المستهلك” (2009)، يشير ميلر إلى أن الشخص الذي لا يريد أن يدفع 30 ألف دولار ثمنا لساعة رولكس أصلية، فبإمكانه التسوق عبر الإنترنت للحصول على ساعة رولكس مقلدة بشكل ممتاز، وبقيمة 1200 دولار فقط، ووحده الخبير يستطيع أن يكشف الفرق. (ويسرد ما تشترك فيه الساعتان من الصفات: “محمية ضد الماء، مقاومة للصدمات بخمسة وعشرين جوهرة سويسرية تاج صغير محفور بالليزر حسب الطلب، علبة مطلية بالذهب، واق من الكريستال الياقوتي اللون ضد الخدش، مكبر لمستطيل اليوم والتاريخ، أرقام تسلسلية فريدة ونموذجية، علامات تمييزية واضحة لمواقع إشارات الوقت، قفل أسود بختم دائري على أنبوب تاجي متعرج، وملصق العلامة التجارية لرولكس بصورة ثلاثية الأبعاد”) لا شك أن رولكس تخسر بعض المبيعات لأن الناس يفضلون التقليد، ولكن بما أن الشركة ما تزال في مجال الأعمال التجارية، فهناك على ما يبدو ما يكفي من المتسوقين الذين يدفعون ثمنا إضافيا من حوالي 29 ألف دولار لأصالة لا فرق ملموسا بينها وبين التقليد.
عدم كفاية نموذج الرولكس الزائف هو إحراج للنظريات الحسية، وهو أيضا مثير للقلق بالنسبة لتفسيرات التأشير. إذا كانت ساعات رولكس المقلدة لا يمكن تمييزها عن تلك الحقيقية، فإنها يمكن لها أن تحقق الهدف نفسه في إثارة انطباع الآخرين.
المدافع عن نظرية التأشير، قد يقول إننا لا نريد فقط إشارة، فنحن نريد أن نشير بصراحة، أو ربما، رغم أن هذا يؤدي إلى امتداد نظرية التأشير بشكل لا بأس به، نود أن نشير إلى أنفسنا، وأن ننظر إلى معاصمنا لنعرف أننا شخصيات مهمة. أو ربما أن الناس لا يعتقدون أن الرولكس المقلدة تتصف بالمتانة والديمومة كالرولكس الحقيقية.
رغم ذلك، فإنه من الواضح أننا يمكن لنا أن نتأثر بتاريخ الشيء حتى عندما لا يكون له علاقة مع حالة التواصل أو مع وجود اختلافات في الجودة. أحد الأمثلة على ذلك هو تأثير الهبة أو المنحة – أنت تقدر الشيء، مثل كوب شرب القهوة، أكثر إذا كنت تملكه. أنت أيضا تقدر الشيء أكثر إذا كنت أنت من اخترته عن قصد، وليس كما لو أنه تم تسليمه لك فقط. وسوف تقدره أقل إذا كنت قد رفضته من قبل. أنت تستمتع بشيء بدرجة أكبر إذا كان عليك العمل للحصول عليه، وهي الظاهرة التي قد تكون لها آثار خطيرة على الحياة الحديثة: شبكة الإنترنت جعلت من السهل الاستماع إلى أغنية أو مشاهدة فيلم أو شراء كتاب، ويمكن القول إن هذا يؤدي إلى انخفاض في متعة الاستماع والمشاهدة والقراءة. الدراسات المختبرية تشير إلى أنك تحب الشيء أكثر إذا صنعته – “تأثير أيكيا”. دراسات أخرى تجد أن الناس يوافقون على دفع المزيد للحصول على لوحة، ويحبونها أكثر، إذا كانوا يعتقدون أن الرسام استغرق وقتا طويلا في إنجازها.
قد تكون بعض هذه الآثار نتاج العيش في مجتمع استهلاكي، ولكن تلك لا يمكن أن تكون القصة كلها. على سبيل المثال، فإن الاستنتاج أن الأفراد يقدرون الشيء أقل إذا كانوا قد رفضوه في وقت سابق لا ينطبق فقط على المستهلكين المدركين للسوق، فكما وجدت أنا وزملائي، فإنه ينطبق أيضا على الذين بلغوا الرابعة من عمرهم، وعلى فصيلة “قرود الراهب”. والشيء نفسه ينطبق على تأثير الهبة، التي وجدت في الأطفال والقرود والشمبانزي.
وهكذا، فإن تاريخ الشيء مهم في المتعة التي نحصل عليها منه. وواحد من أنواع الفضول للاهتمام بالتاريخ هو هوية من لمس هذا الشيء في الماضي، فالمستهلكون أكثر عرضة لشراء شيء ما تم لمسه أو تجريبه من قبل شخص جذاب. المشاهير، خصوصا، يمتلكون “اللمسة” – وهو السبب الوحيد الذي يجعل الناس يريدون الأشياء التي كان لها بعض الاتصال معهم. بمزاد في العام 1996، بيعت معدات للعب الجولف للرئيس جون إف كينيدي بحوالي 775 ألف دولار، وشريط قياس لأسرة كينيدي بيع بأكثر من 875 دولارا. وكانت هناك مزادات من “إيباي” لإفطار باراك أوباما نصف المأكول، وعلكة بريتني سبيرز الممضوغة.
في الواقع، يمكن للمؤسسات الخيرية كسب المال عن طريق المزادات العلنية للملابس التي يرتديها الممثلون. واحدة من هذه المؤسسات الخيرية تم استخدامها لتقديم خدمة التنظيف للملابس، لكنها توقفت بعد أن عرض بعض التجار شراء الملابس كما هي. أراد الناس الملابس كما كانت عندما ارتداها الممثلون، بما تحمله من عرق وغيره. مع زميليّ الطبيبين النفسيين جورج نيومان وجيل دييسيندراك، أجرينا سلسلة من التجارب لاستكشاف “ظاهرة هبة المشاهير”. طلبنا من الحالات تسمية شخص على قيد الحياة، مشهور ويعجبهم. (شملت الإجابات باراك أوباما وجورج كلوني). سألنا مقدار ما سيدفعونه لغرض معين، مثل سترة، كان يملكها واستخدمها ذلك الشخص. وعندما أخبرنا عينات الدراسة أن الغرض سوف يتم تعقيمه جيدا قبل أن يحصلوا عليه، لجأوا إلى تخفيض عروضهم بمقدار الثلث.
أغراض المشاهير ليست مجرد هاجس حديث، فلعدة قرون، بجّل المسيحيون أغراضا شتى، مثل عظام القديسين أو شظايا من الصليب الحقيقي. وكذلك ما وصفته الباحثة الأدبية جوديث باسكو، لمشهد ما بعد وفاة شكسبير، فإن المعجبين قاموا بقطع الأشجار حول منزله للحصول على أخشابها، زاعمين أنها أخشاب منيعة لصنع أثاث مرتفع الثمن. كما تم قطع الأشجار المحيطة بمقبرة نابليون أيضا، وتم أخذ قطع مختلفة من منزله كتذكارات.
إن مثالي المفضل المعاصر على هذا النوع هو ما جمعه الكاتب جوناثان سافران فوير، فقد بدأ الأمر عندما بعث له صديق بأوراق غير مستخدمة من الآلة الكاتبة لإسحق باشيفيز سينغر، والتي ألهمته في الاتصال بمؤلفين، ليلطلب منهم صفحات فارغة كانوا في طريقهم للكتابة عليها. حصل على صفحات عديدة من ريتشارد باورز، سوزان سونتاغ، بول أوستر، ديفيد فوستر والاس، زادي سميث، جون أبدايك، جويس كارول أوتس، وغيرهم. حتى أنه أقنع مدير متحف فرويد في لندن بتسليمه ورقة من كومة من الورق الفارغ في مكتب سيغموند فرويد. هواية فوير غير العادية، توضح بقوة كيف أن الأشياء الأكثر دنيوية تحقق القيمة من خلال تاريخها.
 
أستاذ علم النفس والعلوم المعرفية في جامعة ييل ومؤلف كتاب “مجرد أطفال: أصول الخير والشر”. bostonreview.net