Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Feb-2019

الدولة*عبدالهادي راجي المجالي

 الراي

سأتحدث عن قضية الدخان ...وما رافقها من نشر لتفاصيل صادمة .
 
قضية الدخان تشبه قضيتي تماما حين كنت فتى صاخبا متمردا, فلقد اجتمعت النسوة في الحارة ذات يوم على رصيف منزلنا لبحث سوء سلوك الأبناء , وأكدت لهن أمي أني طفل مهذب وبريء لكن رفقة السوء هم من قاموا بإغوائي ...في تحويل عيدان الملوخية (المتيبسة ) إلى سجائر ..وتدخينها , وأمي أكدت أنها علمتني احترام بنات الجيران وغض النظر , حين يعبرن من باب منزلنا ...وأكدت لهن أيضا , أن عبدالهادي لم يأخذ أطفال الحارة في رحلة ..إلى ياجوز ويتركهم هناك ثم يغادر لأن ياجوز , منطقة بعيدة ..وأنا أصلا لا أعرفها .
 
مازلت أتذكر الإجتماع , ومازلت أتذكر أن أمي كانت تعطي الأولوية في الحديث للأرامل ...وكانت تدير الجلسة بإتقان , وأتذكر أنها زجرت (أرملة) ..حين ادعت بأني قلت لابنتها (يابطة) ...وحين طرح موضوع قيامي , بإقناع ( حسونه) وهو فرد (أهبل) من الحارة ..إقناعه بالسباحة في خزان منزلهم , نفت ذلك فورا ..وقالت : (عبدالهادي لايصعد على أسطح الجيران ) ....المهم أن أرامل الحارة استسلمن جميعا وانتهى الإجتماع ..من دون توصيات , وتم تحويل الموضوع في النهاية , للحديث عن المحاشي ..والأرز بالشعيرية .
 
أبي كان يجلس في المطبخ ويعد قهوته , ويستمع لأحاديثهن ويرمقني بنظرة تؤكد تورطي ...ولكنه لم يكن يجادل
 
والحقيقة ..أني تورطت في كل شيء , فقد أخذت أطفال الحارة في رحلة وتركتهم في ياجوز , ولم يعرفوا طريق العودة , وعلمتهم الحب ...وأقنعت حسونة بالسباحة في خزان منزلهم..وقلت لبنت الجيران (يابطة) ...لكني لم أقم بتأسيس هذا الخراب فقد كانت الأرضية جاهزة تماما ..
 
القصة ليست في عوني مطيع القصة في خراب البيروقراط الأردني , فحين يكون مدير مؤسسة خطيرة ومهمة , جاهزا وقابلا للرشوة ...هنا تكمن الفاجعة , وحين يقوم وزير سابق بتسهيل مهمات الإعتداء على حقوق الدولة ..هنا تكون الكارثة , على الحكومة أن لا تفرح كثيرا من قيامها بإلقاء القبض على عوني , بل عليها أن تلطم لأنها ورثت بيروقراطا مهترئا ..قابلا للرشوة , والقصة ليست في عوني مطيع فقط..بل في القضايا الأخرى التي مرت , وطوي ملفها ...ولم يطلع عليها الشارع .
 
الحكومات مثل أمي فقط تدافع عن أولادها.. والجهات الرقابية مثل أبي يعرف الحقيقة كاملة , ولكنه يغض الطرف ويمضي في شرب القهوة ...لم تطرح الحكومة قصة نزاهة البيروقراط , لم تطرح قصة تحصين المؤسسات , لم تطرح أبدا ..قصة الإنهيار التام لقيم الوظيفة العامة ..وشرف الخدمة والمسؤولية , بل احتفلت بعودة عوني مطيع ...وكان علينا بدلا من تأسيس المنصات الحكومية , وتأسيس الخطاب الشفاف ..ودولة النهضة والثورة الصناعية الرابعة , أن ننجز قانونا يغلظ العقوبات على كل مسؤول يخون شرف الوظيفة ويعتدي على نزاهة الخدمة العامة ...كان علينا أن ننظر إلى البيروقراط المتاكل في الدولة ...فهذا الأمر فيه اغتيال كامل للوطن , لكننا للأسف تطرقنا لاغتيال الشخصية ونسينا أن من يرتشي هو كمن يغتال وطنا .
 
رحم الله أمي , ورحم الله بيروقراط دولة ..كانت نزاهته مثالا يحتذى به في العالم كله .