Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Feb-2019

المفكر، والسياسي، ومستقبل المنطقة..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد

في حوار ممتع مع الدبلوماسي المصري المعروف عمرو موسى في “الغد” أول من أمس، أشار إلى أننا “لم ندرس مستقبل الشرق الأوسط”. وذكر أن المراكز الفكرية في الغرب تدرس منطقتنا وتضع تصورات لوجهاتها يستخدمها صانع القرار في الغرب، في حين لا نقوم –نحن العرب- بجهد مماثل. وفي المقابل، يغلب أن تكون القوى الإقليمية المنافسة قد أجرت دراساتها ووضعت خططها وتقوم بتطبيقها. لذلك تمارس أدواراً إقليمية واضحة تغري الخارجيين المعنيين بتوجيه مستقبل المنطقة بالتحاور معها بدلا عن العرب، الذين ليسوا طرفا واحدا يمكن التحدث إليه.
علاقة المراكز الفكرية بصناعة القرار والسياسات الاستراتيجية نقطة مهمة. ويلقي عليها ضوءا بحث للأستاذين الأستراليين، بيرت فراوسن ودارين هالبين، فيكتبان: “تتطلب تحديات السياسة -سواء كانت كبيرة أو صغيرة- أن يسعى واضعو السياسات إلى الحصول على مدخلات من أصحاب حصص خارجين مثل مجموعات المصالح، والمراكز الفكرية، والشركات، والخبراء (الأكاديميين). وحتى تكون شريكا قيما في صنع السياسة، فإن هذه الجهات الخارجية تحتاج، بالإضافة إلى المعرفة الكافية، إلى التمتع بعقلية استراتيجية أيضا”.
يحدد الباحثان المراكز الفكرية باعتبارها الأفضل تأهيلا للعب دور الشركاء الاستراتيجيين في صنع السياسات. ويعرفان هذه المراكز بأنها “منظمات مستقلة غير قائمة على المصالح، وغير ربحية، والتي تنتج وتعتمد بشكل أساسي على الخبرات والأفكار للحصول على الدعم وللتأثير في عملية صنع السياسة”.
يذكر الباحثان ثلاث سمات أساسية للمنظمة التي يمكن أن تلعب دور الشريك الاستراتيجي في صنع السياسة: “أولاً، تحتاج هذه المنظمات إلى مستوى عال من الاستقلالية، مع وجود مساحة كافية لاختيار موضوع تركيزها السياسي. ثانياً، يجب أن تتمتع هذه المنظمات بقدرات بحث كافية. وليست الخبرة الداخلية الكبيرة ضرورية لتوضيح ما الذي ينبغي أن يحدث فحسب، وإنما كيف يمكن أن يحدث أيضا، مع اقتراح إجراءات سياسية محددة ضمن السيناريو السياسي الراهن. ويتعلق العنصر الثالث بأفق بعيد المدى، والذي يسمح للمنظمة بالتركيز على تحديات وقضايا السياسة المستقبلية التي قد لا تجد حاليا ما يكفي من الانتباه”.
لعل هذه المراكز الفكرية الموصوفة متطلب ضروري لإنجاز العمل المهمل هنا: تحليل الواقع العربي الراهن، والخروج بخلاصات وتوصيات من منطلق الحياد، من دون التزام بإسماع أحد الإجابات التي يحب أن يسمعها. ويتطلب ذلك شرط الاستقلالية والإفلات من فخ الاستقطاب، لغاية وحيدة هي استكشاف الطرق إلى مستقبل أفضل للمكون العربي في الإقليم. وينبغي أن يكون قد اتضح للعرب أن البحث عن الخلاص الفردي –الطائفي أو القبلي أو القطري- ليس خيارا. أولاً، لأن الآخرين يتعاملون مع العرب كوحدة، ويشتغلون على إخضاع الكل باستهداف الأجزاء. وثانياً، لأن أي قطر عربي مفرد لم –ولن يستطيع أن يشكل ثقلا موازنا للوحدات الإقليمية المنافسة التي تعمل على أساس استنهاض قومياتها لمنافسة العرب كقومية منطوية على الإمكانيات النظرية للتفوق الواضح في الإقليم، إذا ما قيض لهذه الإمكانيات أن تتحقق.
ينبغي أن نكون قد مررنا بما يكفي لإدراك أن خلاص العرب –أنظمة وشعوباً- في إقليم –وعالم- لا يرحمان الضعفاء، هو العودة إلى فكرة العمل العربي المشترك. وثمة كيان قائم ليكون إطارا لتنسيق وتخطيط هذا العمل، هو الجامعة العربية، بنجاحاتها وإخفاقاتها. ويختصر وجود “الجامعة” جهد البناء من الصفر، بحيث يلزم الاجتراء على عملية ترميم كثيف لهذه المنظمة وصلاحياتها وإجراءاتها والعمل فيها بغير الأنانية المدمرة وطلب النفوذ بإضفاف الشركاء.
بعد ذلك، سيكون من الضروري التخلي عن فوقية السياس واعتقاده المغثي بالعصمة، وإشراك المفكر، من خلال مراكز فكرية يتاح لها أن تنشأ وتعمل باستقلالية في دراسة الوضع العربي والإقليمي، والاقتراح على الجامعة العربية –وليس الحكومات المفردة- سيناريوهات للعمل في اتجاه خروج الجميع من المأزق الذي وضعنا فيه التنافس الداخلي العدواني غير المبرر، الذي ترك كل هذه الفراغات التي يملؤها الآخرون بطيب خاطر.
ليس العمل العربي المشترك فكرة عصبوية أو محكومة بقدر الفشل الحتمي، كما يحاول أن يصوره البعض، وإنما متطلب موضوعي حاسم له أسسه المنطقية والبراغماتية. وتبقى الإشارة المهمة إلى أن العرب بهذا المعنى، هم العرب بكل تكويناتهم الفرعية -الطائفية والدينية والجغرافية. وأن الغاية –إن تحققت- هي ترميم الأعضاء وسد الفجوات التي يتنافس على ملئها المنافسون في الإقليم –وأبعد.