Sunday 22nd of December 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Nov-2024

نظرات في رواية «شروق غزة» لأمل الزعبي

 الدستور-الناقد محمد رمضان الجبور

«شروق غزة» رواية صادرة حديثاً للروائية والكاتبة أمل الزعبي، التي كان لها العديد من الإصدارات قبل هذه الرواية، فقد صدر لها على سبيل المثال لا الحصر، «دموع الصمت «رواية اجتماعية، «حلم قبل الغروب» رواية اجتماعية سياسية، «صور» مجموعة قصصية، «أشواق عابرة» ديوان شعر...وغيرها من الأعمال.
الكاتبة والروائية أمل الزعبي أحد الأسماء البارزة في مجال الأدب المعاصر، بفضل قدرتها الفائقة على توثيق أحداث الواقع وتحويلها إلى أعمال أدبية تحمل طابعها الخاص. تسعى أمل من خلال أعمالها إلى تقديم نظرة عميقة ومؤثرة على ما يحدث حولها من تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية، محولةً تلك اللحظات إلى نصوص تُثري التجربة الإنسانية، والرواية التي بين أيدينا « شروق غزة، والرواية التي سبقتها «كوفيد 19»، خير دليل على ما تفضلنا به.
وقبل الخوض في سبر أغوار هذه الرواية لا بد لنا من الوقوف قليلاً عند العتبات الأولى لهذا العمل الأدبي الذي عنونته الكاتبة بـ»شروق غزة»، ومن هذا العنوان يلمح المتلقي بأن الروائية قد اختارت الحديث عن غزة ومعركة 7 أكتوبر، ومفردة شروق تحمل دلالات متعددة وعميقة تتجاوز مجرد كونها عنوانًا لعمل أدبي، فالعنوان يشير إلى مجموعة من المعاني الرمزية التي قد تتداخل مع محتوى الرواية وسياقها، فمفردة «شروق» ترتبط عادةً بفجر جديد وبداية جديدة، من خلال استخدام هذا المصطلح في عنوان الرواية، تشير الكاتبة إلى أمل في تجدد الأوضاع وتحسن المستقبل في غزة، التي مرت بظروف صعبة وصراعات، ويمكن أن يكون العنوان تعبيرًا عن الأمل في تحسن الأوضاع والفرص الجديدة التي قد تطرأ بعد فترة من الصعوبات، كما أن الشروق هو عملية تحدث كل يوم، وهو أيضًا رمز للتحولات الكبيرة في الحياة. فالعنوان يوحي بأن الرواية تتناول فترة من التحول في حياة الناس في غزة، سواء كان هذا التحول اجتماعيًا أو سياسيًا أو ثقافيًا، وكيف أن غزة تتغير وتتحول من خلال التحديات والفرص التي تواجهها.
بالإضافة للعتبة الأخرى أقصد غلاف الرواية الذي جاء باللون الأصفر وهناك صورة لفتاة ترفع يديها للسماء وقد ظهرت صورة لفلسطين ومسجد القبة وحمامة رمزا للسلام، كل هذه العتبات فيها دلالات هامة تبيّن وتشرح للمتلقي ما يوجد في متن الرواية.
«شروق غزة» رواية تستشرف المستقبل وتستعرض أحداثًا لم تحدث بعد فهي تعد مجالاً خصبًا لاستكشاف التحديات والفرص التي قد يواجها المجتمع، وهي إحدى الروايات التي نجحت في هذا الصدد.
تروي الكاتبة أمل الزعبي في هذه الرواية أحداثًا متخيلة حول مدينة غزة بعد سبع سنوات من حرب 7 أكتوبر 2023، مستشرفة كيف يمكن أن تتشكل الحياة في القطاع في المستقبل القريب.
والرواية باختصار تتحدث عن طبيبة تدعى شروق، كانت الناجية الوحيدة من عائلتها في الحرب التي شنّها العدو الصهيوني على غزة وقتل من أهلها أكثر من أربعين ألفٍ ويزيد وما زالت آلة القتل والدمار تعمل، شروق تعمل في مستشفى الشفاء، تنشأ علاقة حب واستلطاف بينها وبين مراسل صحفي يُدعى أحمد وتتطور العلاقة ويتزوج الاثنان وينجبان فتاة، ويتفق الاثنان على تسمية المولودة الجديدة غزة، ونرجو أن تولد غزة من جديد كما استشرفت الروائية أمل الزعبي.
رواية «شروق غزة» تنفتح على أبعاد متعددة تتجاوز السرد التقليدي لتشمل أبعاداً دينية واجتماعية ونفسية، ويظلّ البعد الديني من الأبعاد البارزة في الرواية، فلا يخلو فصل من فصول الرواية إلا وتذكرنا الروائية بالوضوء والصلاة وقراءة القرآن، فشخصية الطبيبة شروق، شخصية تتمتع بالصفات والسمات الحسنة سواء في عملها في المستشفى لإنقاذ المصابين في حوادث ما، وسهرها في تأدية واجبها نحو المرضى، إلى حياتها المنزلية وتمسكها بصلاتها وقرآنها، البعد الديني في الرواية ليس مجرد عنصر زينة بل هو قوة دافعة تؤثر بشكل عميق على نفسية المتلقي، وتسهم الرواية في تحفيز الفكر والعاطفة وتوسيع آفاق الفهم الشخصي. لذا، فإن التناول الديني في الرواية يمكن أن يكون له تأثير ملهم وقوي، يدعو إلى التأمل والتغيير الشخصي، وقد يدفع البعد الديني في الرواية المتلقي إلى مراجعة سلوكياته وأفكاره، مما قد يؤدي إلى تغييرات إيجابية في حياته الشخصية.
تظل الرواية، كنوع أدبي، تعد مرآة تعكس تفاصيل الحياة الاجتماعية وتعكس تطور الشخصيات ضمن سياقات اجتماعية محددة فالبعد الاجتماعي في الرواية يلعب دورًا محوريًا في تشكيل ديناميات الشخصيات وسلوكياتها، حيث يسلط الضوء على تأثير العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية على الأفراد وبتتبع البعد الاجتماعي، يمكننا فهم كيف تؤثر البيئة الاجتماعية على تشكيل الهوية والتفاعلات الشخصية، فالعادات والتقاليد تشكل جزءاً أساسياً من سياق الرواية.
فقد تناولت الروائية أمل الزعبي الكثير من العادات والتقاليد سواء في ذكرها لطقوس الزواج، أو في ذكر بعض الأكلات الشعبية الغزاوية، وهذا مما يزيد في قوة وواقعية العمل الأدبي، ويشعر المتلقي بأنه جزء من أبطال الرواية.
الرواية ليست مجرد قصة تروى، بل هي نافذة على أبعاد متعددة من التجربة البشرية، من خلال استكشاف الأبعاد الدينية والاجتماعية والنفسية، تتيح الرواية للقارئ والمتلقي فهم أعقد جوانب الحياة والتجربة الإنسانية، مما يعزز من قدرتنا على التفاعل مع العالم من حولنا بشكل أعمق وأشمل.
السمات الفنية في الرواية:
رواية «شروق غزة» للكاتبة أمل الزعبي عمل أدبي بارز يتناول تأثير الأزمات والحروب على حياة الأفراد والمجتمعات وتتسم الرواية بمجموعة من السمات الفنية التي تجعلها تجربة مميزة ومؤثرة. ولا شك أنه من خلال تحليل هذه السمات، يمكننا أن نفهم كيف يساهم الأسلوب الفني في نقل الرسائل العميقة للرواية وتعزيز تأثيرها على القارئ.
فالرواية تستخدم أسلوباً سردياً يدمج بين الواقعية والرمزية، مما يعزز من قوة السرد ويساعد في بناء تجربة قرائية مؤثرة، فالكاتبة تقوم بتوظيف السرد العاطفي والتفصيلي لتصوير الأثر العميق للأحداث الدرامية على الشخصيات كما أن الأسلوب السردي الشخصي يعطي القارئ فرصة للتفاعل بشكل مباشر مع تجارب الشخصيات ومعاناتها، لغة الرواية غنية بالتفاصيل والتوصيفات التي تعكس الواقع المرير في غزة، فالكاتبة تستخدم لغة تصويرية قوية لخلق مشاهد حية تساهم في إضفاء الواقعية على النص فالوصف الدقيق للأماكن والأحداث يساعد في تجسيد الأوضاع الصعبة التي تعاني منها الشخصية الرئيسية «شروق» وشخصيات الرواية، مما يعزز من قوة التجربة القرائية، وتعتبر الشخصيات في «شروق غزة» محورية لتطوير الحبكة وتعزيز الرسائل التي تحملها الرواية. فقد تم بناء الشخصيات بعمق، حيث يتم تقديم خلفياتهم النفسية والاجتماعية بشكل مفصل، كما أن تطور الشخصيات يعكس التحديات والصراعات التي تواجهها، مما يعزز من التعاطف والارتباط بين القارئ والشخصيات.
تتسم الرواية بتنوع في استخدام البنية الزمنية، حيث يتم التلاعب بالزمن بين الحاضر والماضي، هذا التلاعب يساعد في توضيح تأثير الأحداث السابقة على الحالة النفسية للشخصيات الحالية بالانتقال بين الزمنين، يخلق الكاتب تعقيداً درامياً يعزز من فهم القارئ للأحداث وكيفية تأثيرها على تطور الشخصيات، فالزمن في الرواية يُشكّل المحور الأساسي التي تدور حوله الأحداث فالكاتبة كما سبق وأن أوضحنا تستشرف المستقبل وتحكي عن غزة عام 2030.