Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jun-2018

معركة (الحديدة) كمنعرج لإنهاء الحرب في اليمن - حسن أبو هنية

الراي -  تشهد مدينة الحديدة معركة على درجة كبيرة من الأهمية في تحديد مستقبل اليمن،حيث أعلن في 13 حزيران الماضي عن بدء المعركة بين قوات الشرعية بدعم إماراتي سعودي وقوات جماعة أنصار االله الحوثية المدعومة من إيران التي سيطرت على المدينة نهاية عام 2014 ،وقد أعلنت القوات الحكومية الشرعية في 20 حزيران الماضي سيطرتها على ميناء الحديدة بعد أن دخلت مجمع مطار المدينة عقب أسبوع من المعارك عند أطرافه، لكن قياديا في جماعة «أنصار االله» الحوثية أكد أن معركة الحديدة أوسع من السيطرة على مطار المدينة، نافيا سيطرة التحالف الكاملة عليه، وذلك بعد يوم واحد من إعلان قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي، المدعومة من التحالف بقيادة السعودية السيطرة عليه.

تتمتع معركة استعادة الحديدة بأهمية استراتيجية قد تشكل منعرجا في مسار الأزمة اليمنية قد تدفع أطراف النزاع إلى الدخول في سكة الحل السياسي، لكنها لا تعني نهاية قريبة للمأساة اليمنية، فالبلد الأفقر في العالم العربي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية بنيوية عميقة ومتجذرة، وقد ساهمت الحرب في تغذيتها وتأجيجها، وضاعفت من تجذر الأسباب والشروط والظروف العميقة لتنامي ظاهرة «الإرهاب» في اليمن والتي ترتكز الجهود الأميركية على محاربته، وقد أدت المقاربات الخاطئة لحرب الإرهاب في اليمن إلى تأجيج الصراع الطائفي وساهمت بتفكيك بنى الدولة، دون المساعدة في بناء جيش وطني موحد قوي، وإعادة تأهيل المؤسسة العسكرية والأمنية، ودون تقديم مساعدة كافية لبناء مؤسسات الدولة اليمنية السياسية، كمؤسسة القضاء ومؤسسات المجتمع المدني.
تكمن أهمية معركة الحديدة باعتبارها أكبر موانئ اليمن، ويبلغ عدد سكان المدينة 700 ألف نسمة، وهي تشكل «بوابة العبور» الرئيسية للبلاد، ووفقاً لـ «مركز إسناد العمليات الانسانية الشاملة في اليمن» استوردت
البلاد 47 في المئة من المواد الغذائية التي دخلت اليمن في الربع الأول من عام 2018 .وتعدّ الحديدة المصدر
الرئيس لدخل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، ومع تقدم قوات الرئيس هادي المدعومة من الإمارات بصورة أساسية، ثمة خشية من اندلاع معركة طويلة ومدمرة، فالمساعي الدبلوماسية لإقناع الحوثيين بمغادرة الميناء طواعية قد فشلت، وفي غضون ذلك، وصل الموفد الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث إلى صنعاء لإجراء محادثات حول الحديدة. ولم يدل بأي تصريح وتوجه فوراً للاجتماع بقادة الحوثيين، وأفادت مصادر بأنه سيحاول إقناعهم بتسليم مدينة الحديدة، وتحذيرهم من أي أعمال انتقامية تضر بمينائها، وكان غريفيث أكد لدى بدء الهجوم في الساحل الغربي، أن «المفاوضات مستمرة لتجنب مواجهات دموية في الحديدة»، وحذرت الأمم المتحدة من أن معارك الحديدة قد تسفر عن أزمات إنسانية، وحسب بيان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في اليمن، فر ما يقدر بنحو 5200 أسرة من القتال منذ الأول من حزيران الماضي، وتتضارب الاحصائيات حول عدد القتلى والجرحى التي تجاوزت المئات.
كسائر الأزمات في العالم عموما والعالم العربي خصوصا بدأت الأزمة اليمنية كنزاع داخلي سرعان ما تحول
إلى نزاع دولي وإقليمي، فمنذ سيطرة جماعة أنصار االله الحوثية على صنعاء في 21 أيلول 2014 ،تحولت أسس المعركة في اليمن إلى حرب وكالة، وانحرفت إلى مسارات هوياتية مذهبية، فما حدث في اليمن من اختطاف جماعة «أنصار االله» الحوثية لمؤسسات الدولة يشير إلى انهيار كامل لبنية الدولة ويلخص النتائج الكارثية لقطع مسار الثورات في العالم العربي، ويبرهن على بؤس سياسات «حرب الإرهاب»، والتي أصبحت مطية لكل طامح بالسلطة في المنطقة، فالتحايل على فعاليات الثورة اليمنية السلمية التي خرجت في 11 شباط 2011 بهدف التخلص من منظومة الحكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية البائسة التي قادت البلاد إلى حافة الهاوية وأدخلته في حدود الفشل التام، عبر المبادرة الخليجية في 3 نيسان 2011المدعومة أمميا عن طريق ترتيب انتقال سلطات رئاسة علي صالح قانونا إلى نائبه عبد ربه منصور هادي مقابل منح صالح وأسرته الحصانة من الملاحقة القضائية، أسفرت عن تمزق اليمن.
سيطرت جماعة أنصار االله الحوثية المدعومة من إبران، أدت إلى تدخل تحالف عربي في حقيقته كان سعوديا
إماراتيا، حيث بدأت السعودية عملية عسكرية جوية في 26 آذار 2015 باسم «عاصفة الحزم»، وانتهت في 21
نيسان 2015 لتبدأ عملية جديدة باسم «إعادة الأمل»، وفي سياق عاصفة الحزم تبنى مجلس الأمن الدولي في 14 نيسان 2015 مشروع القرار العربي بشأن اليمن تحت الفصل السابع والذي ينص على توسيع العقوبات ضد الحوثيين وفرض الحظر على تزويدهم بالأسلحة والمعدات الحربية، وقد أيد 14 من أعضاء المجلس القرار الذي حمل رقم 2216 ،فيما امتنعت روسيا عن التصويت.
من وجهة نظر العالم، حسب مايكل نايتس اختار التحالف الذي تقوده السعودية وضع ميناء الحديدة «خارج
الخدمة» لبعض الوقت، وهي مخاطرة كبيرة للغاية. فالإمارات هي المسؤولة عموماً بشكل مباشر عن نجاح
حملة الحديدة واستئناف التدفقات الإنسانية عبر الحديدة وسليف، الميناء القريب الآخر، وتتمتع الإمارات «بخبرة
واسعة في هذا المجال». فهناك حوالي 1500 جندي إماراتي فضلاً عن قوات جوية ومدفعية إماراتية بشكل
رئيسي تدعم القوات اليمنية التي يصل عدد أفرادها إلى 25 ألف جندي والتي تتحرك لتحرير الميناء. وفي 13
حزيران/يونيو، قُتل أربعة جنود إماراتيين في هجوم نفذه الحوثيون ضد سفينة بحرية، وما يعجز معظم
المراقبين عن فهمه، بعد توجيه الأنظار حديثاً نحو الحديدة، هو أن الإمارات وشركاءها اليمنيين كانوا
يستعدون لتحرير الميناء منذ عام 2016 من أجل إضعاف الحوثيين، ومنح المفاوضين ميزةً، والحدّ من قدرة
المتمردين على استيراد أسلحة إيرانية، وإعادة الميناء إلى طاقته الاستيعابية الكاملة كمركز استيراد
إنساني. ولكن لسوء الحظ، حالت الاحتجاجات المتتالية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة ووكالات
الإغاثة دون تحرير الحديدة، مما ترك شمالي اليمن يعاني نقصاً حاداً في المواد الغذائية. وفي حين كانت
العملية أساساً غزواً برمائياً، فقد كان من الضروري الحصول على المساعدة الأميركية للحماية من الصواريخ
المضادة للسفن، والألغام، والمراكب الموجهة عن بعد. والآن، مع تقدّم القوات نحو الحديدة من الجنوب، لم
يعد الدعم الأميركي ضرورياً. فقد بدأت العملية تحرز تقدماً أخيراً.
لا جدال أن السيطرة العسكرية على الحديدة تشكل منعرجا هاما في مسار الأزمة اليمنية، لكنها لا تضع حدا
لنهاية قصة اليمن المعقدة، وتكمن الخشية الدولية في سوء الإدارة الانتقالية فضلا عن الخسائر والأثمان
الباهظة البشرية والمادية، ففي حال ضمان إدارة ناجعة إعادة واردات المواد الغذائية والوقود إلى مستوى
أكبر مما كانت عليه قبل المعركة، فسوف تتفاقم الأزمة وتتعمق الكارثة والانقسامات والخلافات الموجودة
أصلا، وتعتبر مهمة المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، صعبةً وشاقة، فهو
يحاول إرساء التوازن بين احتياجات الحوثيين والقوات اليمنية المدعومة من الإمارات في الحديدة، في الوقت
نفسه الذي كان يحاول فيه إعادة جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات، وحسب نايتس بعد تحرير الحديدة،
على الائتلاف أن يكون واقعياً، ويجب أن تكون النتيجة الاستراتيجية من تحرير الحديدة طيّ المرحلة الأولى،
والأمل بأن تكون الأخيرة، من حرب اليمن،فالحديدة هي آخر المدن الكبيرة التي يسيطر عليها الحوثيون خارج
المناطق الجبلية في اليمن، والتي سيدافعون عنها بشراسة أكبر، وبهذا فإن معركة الحديدة تشكل منعرجا في مسار الأزمة اليمنية تحاه الحل السياسي، لكن الفشل السياسي قد يشكل منعرجا أكثر خطورة يؤسس لصراعات وحروب أكثر خطورة.