Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Jan-2020

ما سر «الهوس» العربي بـ«حكومات التكنوقراط»؟*محمد خروب

 الراي

ترتفع الأصوات في ساحات وميادين ثلاث دول عربية (على الأقل) الداعية لتشكيل حكومات «تكنوقراط» بديلاً من حكومات سياسية، يرى مُطلقوها انها «فاشِلة» لم تستطِع حلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً المعيشية التي تعصف بهم، بسبب فساد تلك الحكومات والتي جاء معظمها عبر «مُحاصصات» ذات أبعاد طائِفية ومَذهبية وعِرقيّة.
 
يحدث هذا في لبنان كذلك في العراق وتونس، رغم ان الاخيرة لم تكن ذات يوم نتاج «تصميم» إستعمارِيّ لهياكلها السياسية والادارية وِفق أُسس طائفية ومذهبية؟, كما لبنان منذ العام 1943 والعراق بعد العام 2003.
 
هنا يحضر السؤال عن «سِرّ» تزامن (غير البريء في ما نحسب) تلك الدعوات التي تستبطن ضمن امور اخرى، نفياً للسياسة وانجذاباً غير مُبرّر وغير مبني على حقائق وأرقام ومعطيات ميدانية, تدعم الزعم بان التكنوقراط/الاختصاصيين/الكفاءات كما يُصنّفون في الساحات العربية الثلاث، لا يُدرِكهم الفساد ولا يتورطون فيه, أو ان لديهم وحدهم الخِبرة والقدرة على اجتراح الحلول لمشكلات بنيوية عميقة, تكاد تكون تجذّرت في تلك البلدان (وغيرها) وباتت ثقافة سائِدة, حوّلت علاقات الحكومات المُتعاقِبة مع شعوبها الى علاقات «زبائنية» مشوّهة ومشبوهة? وأطاحت مفهوم الدولة والعقد الاجتماعي وطبيعة «الوظيفة» التي يتولاّها السياسيون بتفويض شعبي عبر انتخابات حُرة ونزيهة, ينْظمها قانون انتخاب عصري يلحظ تمثيلاً مُنصفاً للمواطنين, وينهض على ثقافة المواطَنة والمساواة. التي يضمنهما قضاء عادل ومستقل وغير تابع للسلطة التنفيذية.
 
وإذا كان من البديهي الإقرار بأن المنصب الوزاري هو منصب «سياسي» بالدرجة الاولى، فإن «حكاية» التكنوقراط تبدو طارئة وخارجة على النصّ الدستوري الذي ينظم علاقة الحكومات/الدول بالشعوب, وبالتالي فإن «السياسي» تولّى موقعه ضمن قائمة حزبية, مُتسلحاً ببرنامج «شامِل» بأبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أُوكِل اليه تنفيذها، سيكون للجمهور «حقّ» الحكم عليه نجاحاً او فشلاً عبر صناديق الاقتراع..لاحقاً، او من خلال سحب الثقة به/بحكومته داخل البرلمان، الذي تدور في اروقته لعبة التحالفات والإصطفافات وخصوصاً الصراعات ومعار? مُغازَلة الناخبين.
 
لا تبدو دعوات استيلاد حكومات تكنوقراط (غير سياسية).. بريئة، في ظل الهجمة المُنسّقة التي تقودها وسائل اعلام ومنصّات تواصل اجتماعي وأجهزة استخبارات مُموِلَة وداعِمة لمنظمات مجتمع مدني، لم يتوقف انتشارها المُريب في فضاءات المنطقة العربية (ومعظم دول العالم الثالث وخصوصاً اوروبا الشرقية) والداعية في حماسة لافِتة الى إفراغ السياسة من محتواها ووضع مُقدرات البلاد وثرواتها في ايدي هواة/وكلاء ومروّجي نظريات الخصخصة واقتصاد السوق الحر وكف يد الدولة عن القيام بواجباتها تجاه الطبقة الفقيرة ومحدودي الدخل وخصوصاً التخلّي?عن مهمتها الأولى في تأمين خدمات اساسية كالتعليم والطبابة للمواطنين، ناهيك عمّا يحفل به خطاب دُعاة تشكيل حكومات التكنوقراط من إعجاب واحتفاء بالنموذج النيوليبرالي المُتوحِّش الذي ساد في العقدين الأخيرين، ولم يَجلب سوى المزيد من الديون االتي تثقِل كاهل الدول والشعوب، وتجلب الخراب والفقر لمزيد من الشرائح الاجتماعية, فيما يزداد الأغنياء غنى على نحو مخيف وباعث على الغضَب والثوّرة.