Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Nov-2020

القراءة.. مدى الحياة

 الدستور-د. مهند غازي الزامل

إنّ فَطر الله – جلّ وعلا- لبني الإنسان على التساؤل، وَحُبِّ الاستكشاف أتاحَ لهم أن يُنمُّوا كينوناتِهم المعرفية، وأن يندفعوا دائمًا نحو معرفة المزيد دون أن يجدوا أيَّ حدودٍ للتشبُّعِ أو الارتواء. كان العِلم قديمًا يقوم على ( النقل)، فكان التعلُّم والتعليم عبارة عن أفعال مقترنة بالزمان؛ حيث يتمّان وِفقَ تتابعٍ زمني، وحين يموت العالم، فمن الممكن أن يذهب معه أفضلَ ما يعرف.
وحين صارَ للُّغاتِ أبجديّات، وتمتّعَ الإنسان بنِعمةِ الكتابة؛ انتقلت المعرفة من حيِّز الزّمان إلى حيِّز المكان، وصارَ الحِفظ والتوثيق والاسترجاع والنّشر؛ مِمّا هو متاحٌ على أوسَعِ نطاق.
إنّ هناك دواعي كثيرة، تفرضُ على الواحد مِنّا أن يتعلّم، ويقرأ، ويكسب الخبرات مدى الحياة، منها :
1. إن الذي يدعو الإنسان إلى مزيد من التعلُّم، هو العِلم نفسه؛ إذ إنّه كلّما زادت المعرفة، اتّسَعَت منطقة المجهول، والتقدُّم نفسه يعمل على زيادة حاجة الإنسان الشديدة إلى المعرفة؛ حيث إنّ التّوغل في حقول المعرفة، يتيح إمكانات ومجالات جديدة، ويُولِّد دوافع جديدة للتّقدُّم الأوسع نطاقًا. إنّ المثقف الذي يَرغبُ في الحِفاظِ على قيمة ثقافته وكرامتها، مطالبٌ بأن يُعيد تكوين ثقافته على نحْوٍ مستمرٍ ومتجدّد، وعندما يشعر بالاكتفاء بما لديه من معلومات، سيضع نفسه على شفا الانحطاط.
وإذا كان متخصِّصًا فإنّ أمواج القفزات العلمية في تخصصه، ستقذفُ به نحو الشاطِئ؛ ليَجِدْ نفسه في النهاية خارج التخصص !
2. لم يكُن لدى الناس قديمًا إحساس قويّ بارتباط كسبِ الرّزق بمدى ما يُحصِّلونه مِن عِلم، لكن الوضع قد تغيّر اليوم؛ حيث ُ تتضاءل على نَحْوٍ مُتصاعدٍ المِهَنْ والوظائف التي يُمكن للأُمّيين ومحثدّدي الثقافة الاضطلاع بها.
3. إن العقل البشري، يميل دائمًا إلى تكوين عادات ورسم أطُرٍ لعمله، وهي مع مرور الوقت تكّل نوْعًا من البرمجة له؛ والبيئة – بكل أنواعها – هي التي تُوفر مادة تلك البرمجة. وكلّما كانت ثقافة الإنسان ضحلة، وكانت مصادر معرفته محدودة، ضاقت مساحة تصوّراته، وأصبح شديد المحلية في نماذجه ورُؤاه، عاجزًا عن تجاوز المعطيات الخاطئة التي تشرّبها من مجتمعه، والقراءة الواسعة، والإطلاع المُتنوِّع هو الذي يُعَظِّم الوعيّ لديه من خلال المقارنة وامتداد مساحات الرؤية.
4. إنّ تقادم المعلومات يتجلّى في صُورٍ شتى، فتارة في ظهور زيْفِها أو عدم دِقتها، وتارة يتجلى في عدم ملاءمتها للخُطط الجديدة، وأحيانًا بتحوّل الاهتمام عنها؛ لأنّها لم تَعُدْ ذات قيمة في البناء المعرفي؛ وأحيانًا بقراءتها قراءة جديدة، أيّ : إنتاجها مرّة أخرى على نَحْوٍ يُبعِدها عن مضامينها الأولى... والعلاج لذلك كُلّه دوام الإطلاع والمتابعة؛ حتى لا يتدهور ما لدينا من معرفة، وحتى لا نغرق في الضلالات والأوهام التي تنشر باعتبارها مفرزات جانبية للتقدّم العلمي.
إن عَصْرنا الثقافي يمتاز بأنّه عَصْرُ انفجارِ المعرفة؛ فالأعدادُ الهائلة مِنَ العلماء الذين يشتغلون بالبحث العلمي، والوسائل المتطورة في حِفظ المعلومات ونقلها وبثها، والتواصل الكوني الفريد والمتزايد، كل ذلك جعلَ الناس مغمورين بالأخبار والمعلومات والمفاهيم التي تردُ إليهم كلّ لحظة من شتى أصقاع الأرض.
إنّ الهامش الذي يفصِلُ بين التسلية وبين التثقيف الحَقّ هامِشٌ ضَيِّق، ومِنَ السَّهل أن يكون ما نستمع إليه ونشاهِدُه ضَرْبًا من ضروب التسلية، وتزجيةِ الوقت، ونحنُ نظُنّ أننا نتعلم!
وأعتقد أنّ الكتاب ما زالَ هو الوسيلة الأساسية للتثقيف الجيِّد؛ حيثُ نستطيع أن نُمارسَ حُريّتنا كاملة في اختيار ما نحتاج إليه، وهو لا يحتاج إلى آلات مساعدة للإطلاع عليه، كما أنّه رخيصُ الثمن إذا ما قورن بغيره. ولستُ مع هذا أميل إلى التقليل من شأنِ مصادر المعلومات الأخرى؛ فالمهمّ دائمًا أن تكون أهدافنا في التثقيف والارتقاء المعرفي واضحة، ثم نبحث عن الأدوات والوسائل التي تُبلِّغنا إيّاها.