Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Oct-2017

مشروع الدولة.. بطولة وشباب وقيم - رومان حداد

 

الراي - تقوم الدول الحديثة على مشروع سياسي اجتماعي ثقافي اقتصادي تتبناه ويصبح أحد محددات سياستها الداخلية والخارجية، وكل دولة تفقد مشروعها تدخل منعطفات خطيرة لا تستطيع خلالها مواجهة أزماتها أو تبريرها، وحينها تنكشف الدولة وتصبح عرضة للهجوم وغالباً للإسقاط، وهو ما يبرر الحراك نحو تغييرات جوهرية في مؤسسات المجتمع بناء على (مشروع الدولة) الذي تعرف نفسها من خلاله.

 
ولكن ذلك لا يجوز من خلال قلب معطيات المعادلة الاجتماعية لأنه يزج الدولة في آتون التغييرات غير المدروسة للخريطة الجينية للبنية الاجتماعية المكونة لها، وهذا اللعب غير المدروس ينتج كتلاً اجتماعية حرجة، فقدت هي نفسها قدرتها على السيطرة وانفلتت من سيطرة الدولة. لذا لا بد للدولة أن تخلق آلية حقيقية لإنتاج النخب داخل المجتمع بعيداً عن الآليات التقليدية، ومنها يبرز استعادة النقابات المهنية لأهميتها ودورها كجماعات مرجعية لتستعيد النقابات دورها كأدوات فاعلة في التأثير في المجتمع.
 
كما لا بد للدولة من العمل على إظهار أبطال يلهمون مخيلة الناس والجيل الشاب تحديداً، فهؤلاء الأبطال من لحم ودم، ولكنهم أيضاً يجب أن يدخلوا مصنع الإعلام الذي يساعد على رسم صورهم والانطباعات التي تتشكل عند المتلقي، لأن صناعة البطل صارت تندرج تحت مدارس مختلفة تتوافق مع طبيعة الجمهور الذي يسوق له البطل، وتختلف الأساليب وتتعقد عمليات الترويج للبطل بحسب تعقيدات المجتمع.
 
وعلينا الانتباه في أثناء عملية صناعة البطل ألا يتم تسليعه، فتحويل الأبطال إلى سلعة، كصورة توضع على قميص أو كتاب يباع في الأسواق، غيّر مفهوم البطولة وحولها إلى خانة النجومية القابلة للتسويق والتربح منها، فتحول الأبطال تدريجياً إلى نجوم، وصارت البطولة أقل إلهاماً رغم أن النجوم صاروا أكثر إدراراً للمال، وبالتالي فإن المراد هو وجود أبطال يتمسكون بمعنى البطولة وما تحمله من قيم ومبادئ ولكن في ذات الوقت قابلين للتسويق.
 
فغياب الأبطال يطرح سؤالاً على الدولة هو من يلهم الشباب اليوم، ومن يمثل لهم القدوة التي يرغبون السير على خطاه، ولماذا يتحول مدعو الفن إلى مثال ترنو له عيون الشباب، أو حتى إرهابي كابن لادن والزرقاوي والبغدادي بطلاً في عيون فئات من المجتمع.
 
هزيمة البطل وخسارة البطولة في أي مجتمع تشكل خللاً غير محمود العواقب، فالبطل ليس مجرد شخص ينتصر في معاركه ولكنه منظومة أخلاقية تمشي على قدمين، وفي غياب هذا البطل تبدو كل القيم متساوية، خصوصاً في توسع المفهوم المادي لهذه القيم، فيصير امتلاك منزل أو سيارة أو رصيد (محترم) في البنك من أهم المنجزات الفردية والتي يقاس النجاح بها، دون السؤال عن الطريق التي سلكها الشخص للوصول إلى هذه النقطة، وهو أمر يتجاوز الذرائعية البشعة (الغاية تبرر الوسيلة) إلى (للوصول إلى الغاية لا تسأل عن الوسيلة)، وبالتالي لا يصبح الشخص مضطراً لتبرير وسائل الوصول إلى غاياته القصوى.
 
فعلى الدولة اليوم العمل الجاد لإيجاد أبطال حقيقيين يلهمون الجيل الشاب ويصيرون قدوة له، بهؤلاء الأبطال يمكن محاربة الإرهاب والفساد والتراجع الأخلاقي والقيمي في المجتمع، لأنهم سيكونون قادرين على إعطاء صورة عن الدولة التي يجب الوصول إليها، وكلما تأخر البطل في الظهور كانت الخسارة أكبر، لأن الشعب سيبقى بلا أحلام كبرى أو قيم كبرى.
 
ومن الضروري إيجاد نساء يلعبن دور البطولة داخل المجتمع الأردني، لأن ذلك سيحفز النساء على القيام بأدوار فاعلة، وهو ما سيغير السلوك السلبي لعدد كبير من النساء كما أنه سيغير السلوك التفاعلي مع المرأة من قبل الذكور في المجتمع، وسيصبح المجتمع أكثر توازناً وبالتالي أكثر فاعلية.
 
وعلى الدولة التركيز على المدارس وكيفية تشكيل الشخصية الأردنية فيها، وبالتالي فلا بد من تطوير النظام التعليمي ليكون نظاماً تفاعلياً لا نظاماً تلقينياً، وأن لا يتم التغيير على مستوى السطح بل أن يضرب هذا التغيير النوعي في التعليم جذوره في عمق عملية التنشئة السلوكية.
 
وتجدر ملاحظة أن هناك أنماطاً (عنيدة) من السلوك ترفض التغيير وبخاصة المتعلق منها بالمخزون التاريخي من عادات وتقاليد، ولكن مثل هذه الأنماط السلوكية يمكن تغييرها تدريجياً، وبتسارع ملحوظ إذا ما تم تطوير النظام الهندسي (المعماري) للمكان، فالمقصود هنا تصميم فضاءات تدفع سكان ذلك المكان إلى تبني سلوك إنساني أرقى عبر إغراء المجموع في إتباع هذا النوع من السلوك والتمسك فيه والعمل على تعميمه وتحويله إلى ثقافة حياة.
 
فالتصميم العمراني لمكان ما يحدث إثارة لدى الأشخاص بصورة تدفعهم للسلوك ذاتياً أو آلياً بصورة متقاربة، وبالتالي فإن التأثير العمراني لا يتوقف على مستوى السلوك بل يؤثر في نمو الإنسان وتكوينه وبنائه وشخصيته وصحته العقلية والنفسية، كما تؤثر البيئة كذلك في اتجاهات الإنسان وميوله وأفكاره وآرائه وفي سمات شخصيته.
 
هذا التوجه تم تبنيه بصورة واضحة في مدينة (ميديين) الكولومبية والتي كانت أخطر مدينة في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وذلك بنسبة 375 جريمة قتل لكل 100000 شخص، حيث ظهر أن مواجهة العنف في هذه المدينة (المرعبة) عبر استخدام القوة أمر لا يحدث النتائج المرجوة، ولا يمكن أن ينشر الأمن في المدينة، فتم اللجوء إلى حل مبتكر وهو علم النفس البيئي، وتم إعادة النظر في الفضاء المعماري والوظيفي للمدينة، ونتيجة لهذا التحول المعماري في المدينة تحولت مدينة (ميديين) عام 2007 إلى واحدة من المدن الآمنة على مستوى العالم.
 
وما يجب معرفته أن العنف لا يولد داخل أي مجتمع، بل تتم صناعته مجتمعياً كغيره من الظواهر الاجتماعية التي تعكس ثقافة وبنية تشكيل المجتمع والدولة، وبالتالي فاللاعنف يمكن صناعته و(هندسته) أيضاً من قبل الدولة ومؤسساتها.
 
ولا بد للدولة من تعزيز مجموعة من القيم لدى الشباب الأردني لتشكل إطاراً مرجعياً للمجتمع وهي قيمة المشاركة والتشارك وذلك من خلال تمكينهم ليكونوا قادرين على المشاركة في اتخاذ القرارات المؤثرة على حياتهم على المستوى المحلي والوطني، وقادرين على التشارك فيما بينهم للوصول إلى القرار.
 
كما يمكن النظر إلى القطاع الشبابي وتأكيد ضرورة وضع استراتيجية وطنية حقيقية للشباب تنطلق من نظرية محددة ورؤية واضحة، فتفعيل الأندية الشبابية والمعسكرات ودور وزارة الشباب يساعد على صقل الشخصية الأردنية الشابة ليتحول وصف (الأردني) إلى شخص يحمل مجموعة من القيم التي تدل عليه وهي (المشاركة والانتماء وخدمة الوطن)، وليس مجرد وصف مكتسب بالجنسية