Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Jun-2018

صناعة الانتماء - د. صلاح جرّار

 الراي - من غير المنطقي أن تدين شخصاً ما بعدم الانتماء أو ضعف الانتماء لوطنه أولمجتمعه أو أمّته أو غير ذلك، لأن  مسؤولية صناعة الانتماء أو تعزيزه تقع على عاتق الدولة التي ينتمي لها الشخص قبل أي جهة أخرى، لأنّ الانتماء حالة شعورية داخلية تتولّد نتيجة الظروف التي تحيط بالشخص، فإذا كانت هذه الظروف تلبّي احتياجاته النفسيّة والماديّة وتنسجم مع مبادئه وأفكاره ومعتقداته، فإنّ ذلك يزيد من شعوره بالانتماء أو يعزّز هذا الشعور الذي ينعكس على صورة ولاء ووفاء وإخلاص وعمل صادق لصالح الوطن والمجتمع، وأمّا إذا كانت الظروف لا تلبّي احتياجاته النفسيّة والماديّة والفكريّة فإنها تؤدي إلى تراجع شعوره بالانتماء وتدفعه إلى البحث عن انتماءات أخرى، مثلما تؤدي إلى عدم الإخلاص والجدّ في العمل لصالح وطنه ومجتمعه، وربّما تدفعه إلى الهجرة إن سنحت له فرصة للهجرة.

ومن أبرز المؤشّرات على ضعف الانتماء أو تراجعه التعصّب للمدينة أو القرية أو العشيرة أو العرق أو حتّى العائلة الصغيرة، لأنّ الشخص حين لا يجد في المجتمع أو الوطن الذي ينتمي إليه ما يلبّي احتياجاته، فإنّه ينسحب نحو مجتمعه الأصغر (القرية أو العشيرة أو الطائفة أو العرق) اعتقاداً منه أنّها أقدر على توفير احتياجاته النفسيّة والماديّة والاعتقاديّة وتوفير الحماية المطلوبة له في مواجهة أي تهديد لحياته أو رزقه أو قيمه.
وقد يكون الانسحاب من الانتماء للوطن والمجتمع على صورة البحث عن مجتمع خارجيّ مثاليّ أوسع من مجتمعه ووطنه، فيتبنى نظريات ومواقف ونماذج وفلسفات أجنبية نقيضة لمعتقدات مجتمعه وعاداته وتقاليده، وهذا ما يمثّله، من وجهة نظري، أتباع الأحزاب والنظريات عابرة الحدود.
إنّ ازدياد حالات التعصّب الجهوي والمذهبي والطائفي والعشائري والعرقي، وازدياد حالات تبنّي نظريات فكرية وسياسية مستوردة، هو مؤشر على ضعف الانتماء للوطن والمجتمع، ومؤشر على تقصير الدولة في جهودها لتعزيز الانتماء والمحافظة عليه.
إنّ قوة الانتماء للوطن والمجتمع ليست أمراً تلقائياً، بل لا بدّ له من جهود بالغة تبذلها الدول والأنظمة الحاكمة، وكلّما قصّرت الدولة في جهودها في هذا المجال فإنها ستخسر انتماء مواطنيها لها وتهدّد أمنها ومستقبلها، لأنّ أيّ شخص لا يستطيع أن يعيش من غير انتماء، ومتى لم يجد في وطنه ما يحقق له هذا الانتماء، فإنه سيبحث قطعاً عن جهة أخرى ينتمي إليها، إمّا بالانغلاق على قريته وعشيرته أو طائفته أو أقليته، وإمّا بالتخلّي عن وطنه ومجتمعه وتبنّي انتماءات خارجيّة تكون أكثر قدرة على تحقيق آماله وأحلامه وطموحاته وتطلعاته واحتياجاته النفسية و الماديّة و الفكريّة.
إنّ على الدولة كي تضمن استقرارها وأمنها وقدرتها على النهوض والتطوّر أن تولي موضوع صناعة الانتماء
اهتماماً كبيراً، وتضع الخطط والوسائل الكفيلة بصناعة الانتماء وتعزيزه واستثماره على أحسن وجه.
ولعلّ من أولى الخطوات لصناعة الانتماء أن تجري الدولة دراسات عن الأمور التي يبحث عنها الذين يتعصبون
لقراهم أو عشائرهم أو أقلّياتهم أو طوائفهم، والأمور التي يبحث عنها المنسلخون عن أوطانهم ومجتمعاتهم الباحثون عن انتماءات وولاءات خارجية، وأن تقوم الدولة بعد ذلك بتوفير ما أمكن من هذه الاحتياجات، مستفيدة من وسائلها التربوية والإعلامية والثقافية بعيداً عن المحاباة والنفاق وتزييف الحقائق.
salahjarrar@hotmail.com