Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Mar-2019

«قمة تونس».. هل تُؤسّس لمرحلة عربية جديدة؟ أم تُبقي القديم على قِدَمِه؟
الرأي - كتب المحرر السياسي - 
اسبوع واحد يفصلنا عن موعد انعقاد القمة رقم «30» منذ ان بدأت مؤسسة القمة عملها في ستينيات القرن الماضي حتى الان, (إذا ما استثنينا «قمة أنشاص» التي عُقدت في ايار العام 1946 وحضرتها الدول السبع المؤسِسة للجامعة العربية، وهي لمن لا يعرف: الاردن، السعودية، اليمن، العراق، لبنان وسوريا إضافة لمصر). وبصرف النظر عن رتابة القرارات والتوصيات الكثيرة والطويلة التي تصدر عن كل قمة سنوية. ومعرفة الجميع أنها لا تُنفذ وإذ ما نُفّذ منها بعض القرارات او التوصيات, فإنها لا تُشكل بالفعل اختراقاً نوعياً في مسارات العلاقات العربية ـــ العربية، وتلك العلاقات الخارجية مع المنظمات الاقليمية او الدولية, ولا حتى مع دول ذات وزن وتأثير في المنطقة. لان هؤلاء – من أسف – لم يعودوا يَحفلون باجتماعات القمة ولا يتوقفون طويلاً عند قراراتها وتوصياتها, مهما كانت ديباجتها وصياغاتها. لانهم يدركون ان لا قراراً عربياً موحداً وان بمقدورهم الإلتفاف على اي قرار مهما بلغ «تطرّفه», عبر محادثات واتفاقات ثنائية تُفرِغه من مضمونه وتحيله الى مجرّد حبر على ورق.
 
القمة الثلاثون التي تلتئم في العاصمة التونسية قريبا, وأياً كان مستوى تمثيل دولها الذي تدنّت مستوياته, وانخفضت كثيراً بعد أن تعمقت الخلافات واشتدّ الكيد السياسي بين معظم العواصم العربية, وباتت الهوّة بينها واسعة يصعب تجسيرها او هكذا تبدو, في ظل ارتفاع وتيرة الأحقاد الشخصية وحروب تصفية الحسابات والصراع المحموم على النفوذ. أو - وهذا هو الاكثر خطورة وتأثيراً - رغبة بعض العواصم في النأي بنفسها عن «الهموم العربية», والنظر خارج الإطار العربي الذي تحسب تلك العواصم انه يُكبّلُها او يحدُّ من محاولاتها لإقامة تحالفات وعقد اتفاقات ثنائية, لا تلتقي بالضرورة مع مفاهيم الأمن القومي العربي والعمل العربي المشترك والوحدة الاقتصادية العربية. مفاهيم ومصطلحات تبدو – لذلك البعض – وكأنها من عصر انقرض, ولا داعي لإعادة إحيائه او التغنّي بأمجاده رغم ان انجازاته (إن صحّ وصفها بالإنجازات) متواضِعة وربما لا تُذكَر.
 
قمة تونس..أياً كان ازدحام جدول أعمالها, وأياً كان طول الوقت وسخونة المناقشات التي سيجريها وزراء الخارجية العرب (إن حضر معظمهم ولم تقتصر على المندوبين الدائمين في جامعة الدول العربية) لإقرار التوصيات ومسودة القرارات التي ستُرفَع للقادة للموافقة عليها او اجراء تعديلات عليها, لن تجذب اهتمام الدوائر السياسية والاعلامية والدبلوماسية الاقليمية والدولية, إلاّ بمقدار ما سيُلاحِظه المراقبون في ما سيطرأ على الاجتماعات الثنائية التي ستتم بين الزعماء العرب او بعضهم (إن حضر المُؤثِّرون واصحاب النفوذ فيهم)، والكيمياء الجديدة التي قد تنشأ بعد لقاءات عابرة او متفق عليها, سواء تم الاعلان عنها ونُشرَت بالصوت والصورة أم بقيت في دائرة الكتمان والتسريبات المقصودة. وإلاّ فإن مجرد متابعة البث المباشر الذي ستنقله محطات التلفزة التونسية وبعض العربية وربما الدولية ستحكم قبل بدء جلسات القمة إن كانت قمة فاشلة ام ستؤسس لمرحلة عربية جديدة. بدليل مستوى الحضور اولاً ودائماً في ما سيتم (ترميمه) من علاقات عربية ـــ عربية, تدهورت كثيراً وطويلاً ولم يعد ثمة أمل حتى في حده الأدنى,باستعادة علاقات وصلت قاع التناحُر والعداء المُعلَن.
 
القضية الفلسطينية كالعادة, ستكون في مقدمة جدول الأعمال وسيُعاد فيها ما كان يُقال طوال عقود مضت. لكنها الان باتت كاشِفة لأسرار واتفاقات سرّية, ما عادت ادارة ترمب معنية بإخفائها, وبخاصة بعد اقتراب موعد كشف ما روّجت له طوال عامين ونيف. ونعني هنا صفقة القرن التي يؤكد واضعوها انها ستكون معروفة التفاصيل وللجميع بعد التاسع من نيسان المقبل. وهو موعد اجراء انتخابات الكنيست الاسرائيلي، وهي انتخابات حاسمة ومصيرية بالنسبة لبنيامين نتنياهو, الذي يبدو انه تلقّى من ترمب «هدية» سياسية ثمينة أُخرى, بعد الهدية الأولى التي تمثّلَت في اعتراف واشنطن بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الاميركية اليها. رغم معارَضة كل العالم تقريباً لخطوة كهذه. لكن ترمب وأركان ادارته وحزبه الجمهوري لم يرتدعوا, بل انهم في صدد استصدار قانون ينص على ان» الجولان السوري المُحتلّ هو جزء من اسرائيل».
 
وأغلب الظن ان تكرار القرار السابِق للقمة العربية عن القدس وفلسطين وحلّ الدولتين (الميّت سريرياً) والجولان السوري وجنوب لبنان, سيكون اشارة الى عجز عربي مُقيم, أكثر مما يعكس رغبة حقيقية وصادِقة في التخلّي عن الإنشاء والمصطلحات اللغوية, لصالح موقف سياسي جاد وعملي, يُعيد للعمل العربي المشترك ألَقَ الحد الأدنى، ولا يزيد من اتساع الهوّة بين الشعوب وأنظمتِها, التي لا تُسهِم في وضع حد لحالة التدهور في المكانة والتأثير والأدوار العربية.
 
يُحسِن منظمو قمة تونس, كما الدول التي ستُشارِك في اجتماعاتها على مستوى الملوك والرؤساء ورؤساء الحكومات, وليس اي تمثيل أقل، في فتح حوار صريح ومفتوح وعملي بينهم, لبلورة واتّخاذ موقف يُسهِم في تنفيس احتقانات جماهيرهم ويفتح كوّة في جدار يأس الجمهور العربي, الذي لم يعُد يرى في القمة واجتماعاتها السنوية سبيلاً للخروج من نفق الارتهان لعربدة الأجنبي وصلف المحتل وغروره.إذا ما تواصَل «نِتاج» القمة وقراراتها, عن تلك التي سَمِعناها وقرأناها, وانتهت بالتالي الى مزيد من الهزائم والإرتهان لمزاج الخارِج ومصالِحه, المُتعارض مُعظمها مع مصالح أمتنا وحقوق شعوبِها وإرثها الحضارِي والثقافِي.