Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Feb-2020

اقرأ وفكّر: جميع الناس يمثلون*حسني عايش

 الغد

لا أستثني أحدا، ولا مستوى من التمثيل، فكل إنسان وكل جماعة لديهم رغبات أو هواجس أو أمنيات أو اتجاهات أو أهداف، وربما أيديولوجيات غير مقبولة اجتماعيا أو قانونيا. وللتغطية على ذلك ولإخفائه يتظاهر كل منهم بالالتزام بالقيم العامة واحترام القانون، ويتظاهر الجميع بالتصديق. وإلا فإن من يُفصح عنها أو بفعّلها يعاقبه المجتمع أدبيا بالاحتقار والازدراء، وفي بعض الأحيان بالرجم أو الحرق أو القتل، ويعاقبه القانون ماديا بالسجن أو بالغرامة.
وبمعنى آخر، هناك دوما هوة بين الخاص والعام، تتسع وتضيق حسب نظام المجتمع أو القانون ولكنها توفر مكانا أو فرصة للفضيلة الاجتماعية الظاهرة، فكل واحد يسعى ويعمل لإبراز أفضل جانب منه للعام.
إننا – جميعا – نخفي رغبات أو هواجس معينة عن الفضاء العام/ الميدان العام / حسدا أو غيرة أو كراهية للأقارب أو الأصدقاء أو الزملاء أو المسؤولين ونخفيها باللّغة، أي لا نتكلم عنها ولا نصرح بها، بل نتكلم بعكسها أو بعيدا عنها.
ومن ذلك – مثلا – تمني الابن موت أبيه المسن ليرثه، واشتهاء القاضي للمرأة الجميلة التي طُلقت للتو، أو رغبة الشاب في رؤية تلك الفتاة الجميلة القوام عارية. ومنه وصف واحد لواحدة أنها صديقته، مع أنه يشتهيها. ومنه تمني الموظفين الذين ينافقون للوزير أو للمدير ويكرهونهما في قرارة أنفسهم ذهابهما أو سقوطهما، وهكذا. ولعل المنافقين وكثير منهم إعلاميون وكتّاب هم أكثر الناس تمثيلا. أما المستغيبون للغير فيهم أكثر الناس تصريحا برغباتهم وهواجسهم وأمنياتهم…
إن الصمت على بعض الرغبات أو الهواجس أو الأمنيات أو الشهوات خطر عندما ينفجر، فيغتصب الأب ابنته التي ظل يشتهيها في سرّه، والشقيق شقيقته، أو يقتل المرء أباه أو أمه، أو أخاه، أو يتآمر على الصديق الناجح الذي يحسده ويغار منه، ليفشل ويسقط.
لقد مهدت وسائل التواصل الاجتماعي الملعب للجميع، عندما أسقطت الحواجز بين الخاص والعام، فصار كثير من الناس اليوم قادرين على التصريح برغباتهم وهواجسهم وأمنياتهم، وفيها من الإباحيات والإنحرافات ما لا يستطيع أي مجتمع أو دولة صده أو رده. وهنا تبرز وتتضاعف مسؤولية الأبوين والمدرسة والجامعة والدولة في إكساب الأطفال والتلاميذ والتلميذات والطلبة المناعة للصمود في وجه التحدي أو خطر الإغراء أو الإغواء الذين تعجّ الإنترنت بهما. إن الانترنت مجتمع خال من أي نوع من التنظيم الجمعي أو الاجتماعي، أي من أي معايير متفق عليها كما يقول Keith Kahn – Harris . وفي مثل هذا المجتمع لا يوجد صراع أو هوة بين الخاص والعام.
وقد شاهدنا مثل ذلك متجليا في مجتمع داعش حيث تم اغتصاب آلاف البنات اليزيدات والمسيحيات والمسلمات السافرات/ وانتشار جهاد النكاح عند الفتيات المكبوتات جنسيا أو عند الراغبات في المغامرة.
 
في مواجهة الدليل العملي أو الواقعي الحاسم المخالف لقناعاتنا أو معتقداتنا أو أيديولوجياتنا، نلجأ إلى رفضه أو إنكاره، ولا نلجأ إلى الإنصات إليه والتأمل فيه وقبوله لأنه يزلزل قناعتنا أو معتقداتنا أو أيديولوجياتنا.
ومن ذلك رفض الإسلاميين بشدة للعلمانية الديمقراطية القائمة على حماية حرية الاعتقاد المتجلية في الدول الغربية حيث تمكن المسلمون ولأول مرة في التاريخ من اللجوء أو الهجرة إلى هناك وإنشاء جوامع ومراكز إسلامية في عواصمها ومدنها وبكل حرية، بل والوصول إلى أعلى المراكز السياسية والإدارية فيها.
يُسمى الذين يرفضون الدليل الحاسم في الغرب بالإنكاريين Denialists الذي فضحهم Keith Kahn – Harris في كتابه : Denial ويتزعمهم اليوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ينكر موضوع التغير المناخي وكل الحقائق والأدلة الحاسمة عليه، ويصفها بالأخبار الزائفة (Fake news) مع أنه أكذب مسوؤل عرفته البشرية.
وفي تفسير هذا الرفض الإسلامي والرأسمالي للدليل والحقيقة الساطعة أن قبول الدليل يتطلب تغييرا في القناعات أو المعتقدات أو الأيديولوجيا. وفي هذا صعوبة كبيرة تحتاج إلى شجاعة كبيرة، لأنه يعني تغيير الهوية وطريقة الحياة أو الخروج من الجماعة وضياع المصلحة.