Wednesday 1st of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Dec-2019

نتنياهو يريد أن يجعل الضم إرثه الباقي

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
ميرون رابوبورت – (مجلة 972+) 5/12/2019
لا شيء يمكن أن يجعل نتنياهو أكثر سعادة من مشاهدة خليفته وهو يواصل إحباط قيام دولة فلسطينية – حتى لو اضطر بيبي إلى مشاهدة ذلك من نافذة زنزانته.
* * *
خمسة أشهر. هذا كل ما يطالب به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: أن يشغل منصب رئيس الوزراء للأشهر الخمسة الأولى في حكومة تناوب قبل أن يتنازل عن العرش لمنافسه السياسي بيني غانتس. ويقول الناطقون بلسان نتنياهو إن هذا هو الوقت الذي يلزمه لاستكمال إنجاز العديد من المهام الحاسمة –وأكثرها أهمية ضم وادي الأردن. ويبدو نتنياهو مستعداً للتخلي عن إدارة البلد طالما يكون بإمكانه أن يفعل ما لم يتمكن من فعله خلال فترة حكمه التي استمرت 13 عاماً.
في ظاهره، يبدو هذا الطلب بخصوص الخمسة أشهر غريباً. فبعد كل شيء، سوف تجرى الانتخابات الثالثة، في حال تم إجراؤها، فقط في أواخر شباط (فبراير) أو أوائل آذار (مارس) -بعد ثلاثة أشهر من الآن. وحتى ذلك الحين، سوف يستمر نتنياهو في شغل منصب رئيس الوزراء الانتقالي. وحتى لو هُزم المعسكر اليميني، فسوف يستغرق غانتس شهراً على الأقل لتشكيل حكومة جديدة، مما يعني أن رئاسة الوزراء ستكون مضمونة لنتنياهو لمدة أربعة أشهر أخرى على الأقل، وهذا من دون الأخذ في الاعتبار احتمال أن لا يتمكن نتنياهو ولا غانتس من تأليف حكومة، الأمر الذي سيترك الأول في السلطة لفترة أطول من خمسة أشهر.
ما هو، إذن، الغرض من مثل هذا الطلب؟ لقد كسب نتنياهو -عن حق- انعدام الثقة المطلق من جانب الجمهور بأنه سيفي بوعده ويتخلى عن السلطة في غضون خمسة أشهر -حتى لو أضفى الكنيست الطابع الرسمي على اتفاقية تناوب مع حزب أزرق-أبيض، وحتى لو وقع نتنياهو نفسه عليها. ولا يحتاج المرء أن يكون مصاباً بجنون الارتياب حتى يكون متشككاً؛ تكفي قراءة الصحف. وتبدو فكرة أنه يمكن أن يخدم رئيساً للوزراء –بموافقة حزب أزرق أبيض- بينما يواجه لوائح الاتهام مسألة ذات أهمية قصوى لنتنياهو، لأنها يمكن أن تساعده في حال انهارت الحكومة المقبلة وذهبت إسرائيل إلى جولة أخرى من الانتخابات.
ولكن، ينبغي النظر إلى طلب البقاء في المنصب لخمسة أشهر أخرى في سياق سياسي أوسع. من المؤكد تماماً أن نتنياهو يقرأ “ماكور رويشون”، الصحيفة اليمينية المرتبطة بحركة المستوطنين، ومن شبه المؤكد أنه أدرك أن هذه الصحيفة أصبحت تؤيد الآن مغادرته علناً. وقد كتب رئيس تحريرها، هاغاي سيغال، بنفسه أن رئيس الوزراء يجب أن يرحل؛ ليس بسبب لوائح الاتهام أو ما تكشفه عنه –وإنما لأن هناك احتمالاً كبيراً لأن يخسر اليمين الانتخابات المقبلة مع وجود نتنياهو في قمة السلطة.
يقرأ سيغال، شأنه شأن أصحاب الأسماء الكبيرة الآخرين في صحيفة “ماكور ريشون”، استطلاعات الرأي؛ وهو يعرف أنه ليس هناك استطلاع واحد يُظهر أن اليمين يستطيع أن يحصل على الواحد والستين مقعداً الضرورية من مقاعد الكنيست لتشكيل حكومة. وبالإضافة إلى ذلك، تريد أغلبية من الجمهور الإسرائيلي، 56 في المائة على الأقل، من نتنياهو أن يتنحى. وفي نظر سيغال، يظل مصير اليمين الإسرائيلي –وخاصة مصير مؤسسة الاستيطان- أكثر أهمية من المصير الشخصي لبنيامين نتنياهو.
يذهب هذا النهج أبعد من مجرد صفحات “ماكور ريشون”. كان يوسي داغان، رئيس مجلس شومرون الإقليمي في الضفة الغربية، والذي يتمتع بسلطة يُعتد بها داخل حزب اللكيود، قد عبّر مسبقاً عن دعمه المعلن لجدعون ساعر، الزعيم القوي في حزب الليكود والذي يأمل في خلافة نتنياهو على قمة هرم الحزب. وفي المقابل، فإن القيادة السياسية لليمين القومي –المكونة من نفتالي بينيت، وبزلال سموتريش، بالإضافة إلى العديد من أبرز الحاخامات في المعسكر القومي الديني- تدعم نتنياهو. ومع ذلك، لا يسع المرء سوى أن يكون متشككاً إزاء صدق دعمهم له.
في هذا السياق، يُنظر إلى سماح نتنياهو لبينيت بالإعلان عن إنشاء حي يهودي جديد في قلب مدينة الخليل على أنه دُفعة مقدماً حتى يواصل الأخير دعم رئيس الوزراء في وقت الحاجة. ويمكن قول الشيء نفسه عن قرار تحويل 40 مليون شيكل جديدة إلى المستوطنات، والتي أعقبها مباشرة صدور بيان لدعم نتنياهو من مجلس ييشع، ذراع مجموعة الضغط والدعم السياسي لحركة الاستيطان.
ما الذي غير رأي نتنياهو؟
من الممكن أن يكون هناك شيء أبعد من الصراع السياسي أو النضال من أجل البقاء هو الذي يدفع نتنياهو. من المحتمل تماماً أن يكون نتنياهو قد أدرك أن مصيره السياسي قد خُتم، وأنه انتقل الآن إلى التفكير في نوع الإرث الذي سيتركه خلفه. وكان إرثه، منذ اللحظة التي دخل فيها معترك السياسة، هو إحباط إقامة دولة فلسطينية وضمان السيطرة اليهودية-الإسرائيلية الحصرية على كامل المنطقة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. ويبدو أنه ينظر إلى هذا على أنه واجبه التاريخي.
كانت ولايته الأولى، بين العامين 1996 و1999، مكرسة لتجميد عملية أوسلو التي اعتقد أنها ستؤدي إلى نشوء فلسطين مستقلة. صحيح أن نتنياهو قبِل على مضض بتوقيع مذكرة “واي ريفر” التي شملت نقل بعض أراضي الضفة الغربية إلى سيطرة السلطة الفلسطينية. لكنه استطاع مع ذلك أن يفرض الشلل على أوسلو.
كان نتنياهو يتولى زمام السيطرة منذ 10 سنوات، والتي قاد في أربع سنوات منها حكومة يمينية ضيقة. وحكم خلال السنوات الثلاث الأخيرة في وجود رئيس داعم في البيت الأبيض، والذي غالباً ما يبدو خطابه أقرب إلى خطاب أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل منه إلى خطاب الليكود. ومع ذلك، لم يستغل نتنياهو هذه الفرصة لمحاولة ضم مناطق الضفة الغربية رسمياً. وبالإضافة إلى ذلك، لم يدعم نتنياهو مشروع قانون يقضي بضم معاليه أدوميم، المستوطنة اليهودية الكبيرة في شرق القدس، عندما عُرض القانون على الكنيست في العام 2016، وتجاهل بشكل عام خطاب بينيت الداعي إلى الضم. وإذن، ما الذي حدث الآن ليغيّر رأي نتنياهو؟
لم يُجب نتنياهو قط عن هذا السؤال بشكل مباشر. ولكن، يبدو أنه طالما شعر بأن حكمه في مأمن، فإنه اعتقد بأن الضم سيؤدي فقط إلى توريط إسرائيل وتعريضها للانتقادات على الصعيدين الإقليمي والدولي. وكان من الأفضل له كثيراً أن يواصل سياسة الضم الزاحف، حيث يتم بثبات محو أسس “الخط الأخضر”. وسوف يؤدي هذا النوع من العمل، حسب اعتقاد نتنياهو، إلى منع قيام دولة فلسطينية من دون إثارة غضب المجتمع الدولي. ولأنه ينطوي على ازدراء كبير لكل أولئك الذين يحيطون به، فقد اعتقد بأنه الشخص الوحيد الذي يمكن أن يحمي هذا الترتيب الهش؛ وأنه وحده فقط هو الذي يعرف المعادلة السرية.
مع ذلك، منذ اللحظة التي أصبح فيها حكمه غير مستقر، شرع الوضع في التغير. فمن ناحية، أصبح نتنياهو معتمداً سياسياً بشكل كامل على اليمين القومي، حتى لو كانت فرص هذا اليمين الانتخابية في تراجع، وبذلك أصبح مجبراً على التخلي عن استراتيجيته السابقة وتبني خطاب سموترش وأمثاله. ومن ناحية أخرى، من الممكن أن يكون هدف نتنياهو هو ضمان أن يلتزم أي شخص يحل محله، سواء كان ساعر أو غانتس، بمشروع منع قيام دولة فلسطينية. وسيكون ضم نهر الأردن –أو بالأحرى شمال البحر الميت- هو هذه الخطوة بالضبط. إنها حبة السمِّ هذه هي التي يريد أن يتركها وراءه.
حتى لو نجح نتنياهو في مهمته المتمثلة في ضم نهر الأردن –وهو ما يبدو حالياً غير مرجح إلى حد كبير- فإن ذلك لن يكون نهاية الطريق إلى حل الدولتين كما يزعم الكثيرون، وإنما سيوجه بالتأكيد ضربة قوية إلى هذا الحل ويجعله مستحيلاً في أعين كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. ولا شيء يمكن أن يسعد نتنياهو أكثر، حتى لو عنى ذلك أنه سينظر إلى الواقع الذي ساعد في خلقه من نافذة زنزانته في السجن.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Netanyahu wants to turn annexation into his lasting legacy