Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Feb-2019

انا المسكون بالوطن*محمد علي مرزوق الزيود

 الراي

الوطن هو هاجسي الاول منذ ان شب قلمي.. تفتح حبري على صفحاته، هو المكان الذي ولدت به، واستفقت على ان الوطن اكبر من كل شيء، وفوق كل طموح.. اكتب وانا على يقين ان ما اكتبه سيؤدي الى قتلي؛ لأن من الحب ما قتل.. نحن من ظهر هذا التراب، وبين تجاعيده تدفقت الطفولة، هنا كنا نختلس النظر الى جمال الربيع، ونخاف ان يصيب الورد جفيلا، فيفزع شاردا ولا يعود، كنا نسرق الجلوس مع الدحنون وجلنار البساتين، ونخاف عليهما من شقاوة اصابعنا، وكل ازيز الحب المتفجر بحمم الشوق كان يمنعنا ان نعبث بجدول ماءٍ كان يجري اسفل وادينا، ورغم شراستي كنت اقول: ما اجمل اشارة المرور، واخاف ان يمر الموبوءة فيسرقوا اشارتنا الجميلة فلا تأتي الحافلة لنذهب ابعد من دائرة الطفولة..
 
اعلم ان المسافات بين الاسطر قصيرة، واعلم ان الكلمات تراقب بعضها، واعلم ان الصفحة ناصعة، واعلم ان القلم يستحي ان يكتب زورا بين الكلمات، لان الدجل يستنزف روح الكاتب ويستل رحمة الضمير من عذاب الذات، وما ان تسقط عرجاء بين السطور سيتدفق الحبر من دمي معلنا نهاية اللوح المكتوب..
 
ان تكتب من غور البطين الصافي ستقف على شرفات الأمل، وسينساب سلسبيلا ينثر حماما يملأ القباب هديلا، والياسمين يتراقص على رؤوس اصابعنا، ويحطم قيود الأمس واليأس، ويفرش ارصفة البراعم لتستمر الحياة، اعترف اني شره واحب الكتابة، واعترف اني ادمنت الفشل حينا، غير ان كلماتي كانت تقلع كلما نادى البرج للأردن فأجوب السماء كالهندباء.
 
الكاتب يكتب لوجهه كل الكلمات.. هنالك كلمات كالحنظل، واخرى سم معتق، واخرى كالعليق يتسلق شجر الزقوم، واخرى كالعقيق يمتطي الشاهد ويغمز عين الشمس كحبات العوسج، واخرى تعصر شهدا بعبير الياسمين..
 
من يكتب للنزوات ويقف اخر الصف يراقب شاشة عرض الاسهم ستقتله الحسرات، سيموت مطعونا بالوجدان بالمجان، لأنه لم يحسن ان يكون حمامة ولم يحسن ان يكون غرابا، ومن يكتب من سر بعثه ومن حبر دمه ومن سوية فطرته لن يشنقه قلمه، ولن ينتحر على مذبح الجراد..
 
لك ان تقول عني ما تشاء، ولكن انا اقدم طمأنينتي النابعة من هنا، من معارج وطني من سنابل الوعي المتحزمة بخيوط الشمس التي تدوس عنق الظلام..
 
انا اكتب وربما ترى صورتي على صفحة الجريدة، أَنْظَفُ مكانا وصلت اليه عيناك، ابحث عني ستجدني اجلس على احد الارصفة اراقب في عيون المارة عنوانا يثير المقال، وربما تجدني اجلس في حضرة فنجان قهوة في قعر المدينة، وربما تجدني اجالس عاطلاً عن العمل ابحث في حدقات عيونه عن فسحة الامل.. تتسع حدقات قلبي اذا ما اخترق نهاية اعصابي هنة كرامة مهللة مصلوبة تسبح ببراءة الاطفال واليانسون وتحمد ببركات الشيوخ والشيح والقيصوم، هؤلاء من ادمنوا احتضان الفجر، ولملمت الندى لنسقي منه الكلمات فتنبت تحت شرفات عيوني وتزهر سوسنة تتسيد المدى وتحط على البحر فتركع الامواج، وتشرق الشمس من ليلها السرمدي.. وطني لك منا الألوية والأفواج، ولك منا الأهداب تحرسنا، ولك منا الرهبان والحجاج.. وطني كلما حط الضباب على لوح روحي وتاه المبصرون وتاه الدليل تذكرت ان جبالك تنموا والتلال قناديل.. وطني اُقطِرُ الصبرَ لترتوي.. واحلي ملح العيون لتشرب.