Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Jun-2020

ما الذي نخسره عندما نخفي ابتساماتنا خلف قناع وجه

 الغد-بيليندا لوسكومب* – (مجلة تايم) 21/5/2020

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
أفتقد الابتسام. ولا أفتقده في الملصقات الملهِمة على طريقة “العالم كله يبتسم معي”. ولا أفتقده، كما يقول ملصق آخر، لأنني لم أعد أستطيع “تخويف أولئك الذين يرغبون في تدميري”. ولا أفتقده لأن “السعادة تبدو رائعة عليّ” أيضاً، على الرغم من أنني أمضيت ثلاث سنوات تكوينية صعبة للغاية في خنادق تقويم الأسنان -شهرين مع أقواس التقويم وستة أشهرٍ أخرى مع المثبّتات- بحيث أصبحت ابتسامتي تبدو، بشكل هامشي على الأقل- أفضل مما اعتادت أن تكون.
إنني أفتقد الابتسام لأنه أحد أسهل وأقرب الأدوات التي يمكن أن تستخرجها من دُرج التواصل، والذي أغلقه قناع الوجه الذي أرتديه. نعم، إن الابتسامة مجرد تعبير وجهي: نشر لعضلات الوجنتين، أحياناً بطريقة أصيلة، وأحياناً كعنصر نائب أفضل من التعبير عن المشاعر الحقيقية التي نشعر بها. لكننا كبشر، نتعلم في سن 42 يوماً تقريباً بعد قدومنا إلى العالم أن الابتسام طريقة مفيدة لجعل الناس يشعرون بالرضا عن أنفسهم وبالتالي يجعل الآخرون يشعرون كذلك إزاءهم أيضاً. (ذلك الشيء عن “العالم يبتسم معك” يعمل في الواقع -للأطفال الرضع).
ثم نواصل تحسين وتصفية الطريقة التي نستخدم بها تلك الابتسامة لتوصيل المعلومات -مِن “أنت هنا”! إلى “أنت لطيف”، إلى “ليس من المفترض أن تأخذ هذا على محمل الجد، على الرغم من أنك تفعل بعض الشيء” -حتى الوقت الذي لا تعود فيه لدينا أسنان. والآن، فجأة، أصبحت كل هذه المهارات، كل تلك الممارسات، عديمة الفائدة. لقد فقدنا أداة التواصل المفضلة لدينا فقط بينما نحتاج إلى طرق للتواصل أكثر من أي وقت مضى.
إن محاولة التفاعل مع بشر آخرين من دون القدرة على الابتسام هي المعادل الوجهيّ للتواصل بالرسائل النصية؛ من السهل أن يساء فهمها. وسوف يفتقد تعبيرك وكلماتك السياق. سوف يتساءل الناس: هل تمازحني؟ هل تكز على أسنانك؟ هل تقطب حاجبيك؟ هل ما قلته كان إهانة ام مزحة؟
وفقًا لباولا نيدينتال Paula Niedenthal، وهي عالمة نفس ترأس “مختبر نيدينتال للعواطف” في جامعة ويسكنسون- ماديسون، والتي درست تعبيرات الوجه على نطاق واسع، فإن هناك ثلاثة أنواع من الابتسامات: تلك التي تعبر عن سرور المرء بمكافأة أو مفاجأة، مثلما يحدث عندما ترى أصدقاءك شخصياً بعد انفصال طويل (وليكن هذا قريباً، من فضلكم)؛ وتلك التي تنقل رغبة المرء في أن يكون ودوداً، أو غير مهدِّد على الأقل، والتي تسميها نيدينتال ابتسامات الانتماء؛ وتلك التي تُظهر الهَيمنة، مثل تلك التي يرسمها على وجهه “هاري القذر” Dirty Harry عندما يسأل فاسقاً معيناً عما إذا كان يشعر بأنه محظوظ.
وأظهرت دراساتها أن من الصعب معرفة الفرق بين ابتسامات الانتماء وابتسامات الهيمنة إذا لم تتمكن من رؤية النصف السفلي من الوجه. وفي هذه الحالات، سوف يترتب على الناس الاعتماد على أدلة أخرى. وتعطي مثالاً على ذلك بالسير مع كلبك في الشارع، والذي ينبح فجأة على أحد المارة. عندئذٍ، سوف تؤكد نظرة سريعة على وجه الشخص الذي لا يضع قناعاً ما إذا كان العابر يبتسم لأنه يعتقد بأن حاله مع كلبك أفضل بكثير من حالك معه، أم أنه يبتسم لأن كلبه هو أيضاً يكون سخيفاً في بعض الأحيان. خلف قناع وجه، لن يكون مثل هذا التمييز واضحاً كثيراً.
تتنبأ ينيدنتال بأنه بينما سيخفي قناع الوجه هذه التعبيرات، فإن الناس قد يعتمدون أكثر على سياق الموقف ليخبرهم بكيف يؤوّلون تفاعلاً ما. وتقول: “سوف يتخيلون أن السياق يمكن أن يجلب رد فعل واضحاً، وهو ما سيضع الجميع بطبيعة الحال في الكثير من المتاعب، لأن الناس في ثقافتنا يستجيبون بتنوع كبير للسياق نفسه”، كما تقول.
بالنسبة لي، حاولت التعويض عن فجوة الاتصال هذه من خلال تعزيز إيماءاتي الأخرى. عند الاقتراب من الغرباء في الشارع، أريد أن أخبرهم أنني غير مؤذٍ وأتمنى لهم التوفيق. وفي الأوقات الصعبة، تبدو هذه الرسالة ملحة بشكل خاص. وقد أجبرني عدم القدرة على الابتسام لهم على التلويح بيدي أو أداء تحية غريبة على غرار تحية الطيار المقاتل. وإذا كنتُ أنسحِبُ جانباً كي أسمح لهم بالمرور ولم يعد بوسعهم تقديم ابتسامة “أنت أولاً” مشجعة، فإنني أكون مجبرة على استخدام إشارات تلك التي يستخدمها عامل الإشارة في المطار، الذي يلوح للطيار بشاخصاته على المَدرج قبل الإقلاع، والتي تشبه في فعاليتها تحدّثَكَ بصوت أعلى إلى شخص لا تتحدث لغته فقط.
ولكن، ليس المتلقي هو الوحيد الذي يكسب من ابتسامة. إن الابتسام يؤثر على المُبتسم أيضاً. وقد أظهرت الدراسات أنه يعزز المزاج الذي أنتج التعبير ويساعدنا على تذكر الأوقات الأكثر سعادة. وتقول نيدينتال: “إن تعبيرات الوجه لا تصدر عن الدماغ فحسب، وإنما تجلب تغذية راجعة للدماغ أيضاً ولها بعض التداعيات على التجربة الذاتية. هناك أدلة جيدة على أن الابتسام بشكل طبيعي له بعض التأثير على حالتك العاطفية المحيطة”. وبعبارة أخرى، قد تجعلنا أقنعة الوجه أكثر كآبة وعبوساً.
يكاد لا يساعد الموقف أبداً أن يطلب أحد من الناس الابتسام، ولذلك لن أفعل، لكني سأستمر في الابتسام، حتى لو لم يكن بالإمكان رؤية ابتسامتي التي قد لا تكون أصيلة تماماً في بعض الأحيان. غالبًا ما تُعطى الابتسامة المزيفة، بعد كل شيء بنوايا حسنة في الكثير من الأحوال، تماماً كما يُوضَع القناع في بعض الأحيان -ليس للاختباء، وإنما للحماية.
 
*محررة عامة في مجلة “تايم”، ومؤلفة كتاب “علم الزواج: فن وعلم البقاء معاً”
*نشر هذا المقال تحت عنوان: What We Lose When We Hide Our Smiles Behind a Mask