Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Aug-2018

الكنيسة وعقوبة الإعدام..ماذا تغيّر؟ - الاب رفعت بدر

 الراي - حظي التغيير الذي أحدثه البابا فرنسيس على التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية فيما يتعلّق بعقوبة الإعدام باهتمام عالمي واسع. فما الذي تغيّرعلى موقف الكنيسة التاريخي؟

قبل الجواب على هذا السؤال، نذّكر بالموقف‘التقليدي’ الكنسي والمستند لوجوه مؤثرة في التاريخ، مثل أغسطينوس وتوما الأكويني، وكانا يريان في عقوبة الإعدام، احيانا، عادلة،وصونًا لصالح المجتمع العام، ووقاية له من عنف المتمردين على القانون والمعتدين عليه. لكن الأكويني يؤكد بأن قرار هذه العقوبة يجب أن يأتي من الشخص المعهود برعاية المجتمع بأكلمه (أي الدولة).
وبالتالي، لم يستبعد كتاب التعليم الموقّع عام 1992 من البابا يوحنا بولس الثاني، إمكانية اللجوء للعقوبة متى كانت وسيلة وحيدة وفاعلة لحماية الصالح العام وحياة المواطنين من الخطر، ضمن بيئة يصعب فيها ضمان عدم تكرارالمجرم لجريمته. لكن مع التأكيد، بأنه حال توافر وسائل غير دموية كافية لردّ المعتدي عن جرائمه وحماية الأشخاص، فعلى السلطات أن تتمسّك بهذه الوسائل كونها تتوافق بشكل أكبر مع الكرامة الإنسانية المطلقة. وبهذا، نشير إلى أن تعليم الكنيسة آنذاك وضع‘العقوبة’ ضمن ظروف ضيقة جدًا، إن لم نقل لا وجود لها البتّة في الواقع.
أما اليوم، فيأتي النص الجديد لتعليم الكنيسة الكاثوليكية ضمن سياق اجتماعي وأخلاقي آخر، بدءًا من عقلية الإنسان المعاصرالرافضة لهذه العقوبة ووعيه بأنّ كرامة الشخص لا تضيع حتى بعد ارتكاب جرائم خطيرة. وكذلك أمام التطوّرات المتلاحقة في قوانين العقوبات الجزائية، وبروزأنظمة احتجاز جديدة أكثر فاعلية تضمن الحماية اللازمة للمواطنين من جهة، ولا تحرم المذنب بشكل نهائي من إمكانية توبته، من جهة أخرى. وبالتالي أعلنت الكنيسة في تعليمها صراحة بأنّ ‘عقوبة الإعدام’ هي غير مقبولة بالمطلق، كونها تمثّل هجومًا على حرمة الشخص وكرامته، كما أكدت بأنها ستعمل بعزم على إلغائها في جميع أنحاء العالم.
إنّ هذا التغيير في تعليم الكنيسة مهم جدًا، لكنه ليس بمفاجىء، فقد أعلن البابوات على مدار العقود الأخيرة رفضهم لهذه العقوبة، فنجد أن البابا يوحنا بولس الثاني قد طلب إعادة صياغة البند ليترافق مع وعي الكنيسة الواضح واحترامها لقدسية الحياة البشرية.
كما شجع البابا بندكتس السادس عشر العديد من المبادرات السياسية والتشريعية المتزايدة للقضاء على‘حكم الموت’، إضافة إلى حثّه لمواكبة قوانين الدول مع التطوّرات التي حدثت في مجال الامتثال للقانون الجنائي فيما يخصّ احترام الكرامة الإنسانية والحفاظ على الصالح العام.
أما البابا فرنسيس فقد أعرب مرارًا عن معارضته الصريحة لهذه العقوبة. ففي خطابه أمام أعضاء من المفوضية الدولية ضد حكم الإعدام عام 2015 ،وصف هذه العقوبة بأنها تجبر الدولة على القتل باسم العدالة، سيما وأن هذه الأحكام، ضمن أنظمة السجون الحديثة، تجعل منها غير ضرورية، وغير مقبولة، مهما كانت خطورة الجريمة المرتكبة. كما لا يمكننا أن ننسى احتفالاته في السجون، على مدار سنوات، بيوم خميس الأسرار، وغسله لأقدام العديد من السجناء من مختلف الكنائس والأعراق والأديان.
وبالتالي، يمكن وضع القرار الجديد، بعدم السماح بعقوبة الإعدام، ضمن إطار الاستمرارية مع تعاليم البابوات السابقة، مع تحقيقه لتطوّر متماسك وصريح للعقيدة الكاثوليكية،وهو قرار متوافق مع رغبة في إعطاء قوة دافعة للأمام نحو التزامٍ دولي موّحد عنوانه "نعم ثقافة حياة، لا ثقافة موت"، يعترف بالكرامة الإنسانية المطلقّة لكل حياة بشرية، كما ولدعوة ما تبقى من دول في العالم، وتشجيعها، ضمن حوارٍ مبني على الاحترام، على خلق ظروف تسمح لها بالقضاء على هذه العقوبة القاسية، والتي ما تزال سارية المفعول ضمن تشريعاتها، رغم انتهاء مدّتها الأخلاقية وظروفها الاجتماعية.