Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Aug-2017

ضياع.. - د. لانا مامكغ
 
الراي - ةدقّاتُ قلبي كانت تبدأ بالتّسارعِ لحظة ارتفاعِ صوته.. أمَّا عند سماعي لنحيبها؛ فقد كانت تجتاحني رجفةٌ تلازمنُي الليلَ بطولِه!
 
كان يحدثُ هذا معظم الأيّام؛ في الصّباح، وفي المساء غالباً بعد أن أُنهي واجباتي المدرسيّة فأدخلُ غرفتي وهما يتمنيان لي التوفيق والنّجاح والمستقبلَ الباهر.. ثمَّ لأسألَ نفسي بأسى بعدها؛ أيُّ مستقبلٍ هذا وأنا أرى حاضري ينهارُ بينكما مع كلِّ خلاف؟
 
كنتُ يافعاً ولا أعرفُ الكثيرَ عن العلاقاتِ بين الأزواج، لكنَّ بعضَ ما كان يصلني من العبارات المتبادلة جعلني أدركُ شيئاً من أسبابِ جحيمي معهما؛ فقد كانت أمِّي قادرةً على استفزازِه بجملٍ مقتضبة وبصوتٍ هادئ، أمَّا أبي فقد كان بدورِه سريعَ الغضب، حادَّ الّلسان، فكان يجرحُ شعورَها بعباراتٍ قاسية وبصوتٍ عالٍ يدفعني لإغلاق النّوافذ فوراً حتى لا يسمعَ الجيرانُ ما يقول!
 
وأذكرُ بحزنٍ الصّباحات التي كنتُ اُضطرُ فيها للاستيقاظ والذّهابِ إلى المدرسة والإنصات للشّرح والتّفاعل واليقظة والمرح مع رفاق الصّف.. كانت جميعها بالنّسبةِ لي حمولاتٍ ثقيلة لا طاقةَ لي لحملها، وكلُّ ما كان يفعلُه الزّملاء بتلقائيّة؛ كان بالنّسبةِ لي عبئاً لا يُطاق..
 
في ليلةٍ ما من تلك الليالي القاتمة؛ سمعتُ أمِّي تُقرِّرُ مغادرةَ البيتِ تماماً، ثمَّ لألمحها مع حقيبتها تقفُ عند نافذةِ غرفتي وتبكي، ولم أنم.. بل قضيتُ الليلَ وأنا أتمنّى الموتَ كلَّ لحظة!
 
استأذنتُ أبي الغاضبَ في اليوم التّالي لزيارتها في بيت جدِّي، لأصلَ فأرى الوجومَ على الوجوه كلِّها، احتضنتي أمِّي طويلاً ثمَّ لتطلبَ منِّي إحدى القريبات مغادرة المكان واللعب خارجاً، ولم أكد أصلُ البابَ حتى سمعتها تقولُ لأمِّي: « أتركيه.. ما زلتِ صغيرةً وجميلة، وألف مَنْ يتمنّاكِ!» فاجتاحتني رغبةٌ مجنونة في أن أعودَ لأطبقَ على عنق المرأةِ لأصيح: « أنا الوحيدُ من بين الألف الذي يحبّها ويتمنّاها دون شروطٍ وترّهات.. «
 
ومضت أيّام فوقع الطّلاق.. لأجدهما قد حوّلاني إلى «شيء» أو «غرض» يتبادلانه بينهما؛ أسبوعٌ معه، وآخر معها، وكلاهما يبذلُ أقصى ما يستطيع لإشعاري بحبِّه.. دون أن ينجحَ أيٌّ منهما في إخراجي من الحفرة العميقة المظلمة التي ألقياني فيها!
 
وازدادت الظّلمةُ حولي حين وصلَ الخبرُ للمدرسة ولمَّا طلبتني المرشدة النّفسيّة لتقولَ لي كلاماً لم أفهمه، وكذلك لمَّا بدأت المعلّماتُ يسبغن عليّ عطفاً ممتزجاً بشفقة لم أُطقها!
 
بعد مدَّة، تزوَّج أبي، وتبعته أمِّي سريعاً.. فأصبحتُ مضطراً للتّعاملِ مع رجلٍ وامرأةٍ جديدين اقتحما حياتي دون استئذان!
 
المشكلة هي أنِّ أبي لم يبدُ أكثرَ راحةً وسعادة مع الزّوجة الجديدة.. ولم تبدُ أمِّي كذلك!
 
والمشكلة الكبرى هي أنِّي بلغتُ سنَّ الشّباب الآن، وظروفي مهيّأة للارتباط.. لكنَّ الفكرةَ في حدِّ ذاتِها ترعبني.. وفكرة الإنجاب تُميدُ الأرضَ من تحت أقدامي.. فمن ذا يعرفُ ما سيحدثُ لاحقاً؟
 
كلُّ ما أعرفه هو أنِّي لستُ على استعدادٍ لأن أُخاطرَ فأُذيقَ طفلاً أنجبُه بكاملِ وعيي ما ذقتُه أنا من مرارةٍ وأسى وضياع !