Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Jul-2018

كلمة حق أُريدَ بها وجْهَ االله - د. عمر الحضرمي

 الراي - حتى نخرج من العتمة وحتى نكون منصفين، ليس مع الناس ولكن حتى مع انفسنا، لا بد من الحديث عن بلد حاولت كُلّ جهدها، وعمل كُلُّ قادتها، على تخطّي الضياع العربي، ولو كان ذلك على حساب قدراتها وطاقاتها، بل ولو كان ذلك على حساب لقمة العيش فيها.

بلد منذ أن نشأت نذرت نفسها للمجموع العربي والمسلم، وضحّت بشهداءٍ كُثْر قدمتهم في محاريب الدفاع عن الشرف والكرامة والحقوق العربية، ولذلك ألبست جنودَها دِثَار التصدّي، وغطّت رؤوسهم بالكوفية "والبيرية"، وزينتها بشعار لا يحمل إلاّ كلمتين؛ الأولى تعني "العسكر"، والثانية تعني"الانتماء"و"الولاء"و"الفداء"و"الشهامة" و"الأصل النبيل"، فكان الشعار"الجيش العربي".
بلد لم تدخل في مزالق الزيف والارتهان للأجنبي، بالرغم من أن ذلك قد كّلفها كثيراً.
قالت كلمتها على رؤوس الأشهاد، ولم يعرف أهلها أو قادتها أن هناك شيئاً اسمه "في السر" أو "تحت الطاولة" أو"خلف الكواليس". لم يعرفوا الحراك تحت ستر الظلام، بل ساروا وقد حملوا الشمس في يمينهم، والقمر في شمالهم.
بلد لم تتوان يوماً عن تقديم الغوث للملهوف، وحَمْل الكَلّ. والعجيب أنها لم تَدّع يوماً مِنّةً على أحد، بل قالت وبملء فيها: إن ما تقوم به هو واجب يفرضه عليها حمل الأمانة، والصدق، والانتماء إلى هذه الأمّة. فَتَحَتْ صدرها لكل من لجأ إليها يوم أن كان عمرها عامين، وظلت تفتح ذراعيها لاحتضان الذين تقطّعت بهم السُّبُل، والذين اعتمدت عليهم قوى الشر والطغيان فشرّدتهم من بيوتهم ومن حقولهم ومن مساجدهم وكنائسهم.
بلد لم تغب عن أي اجتماع عربي أو إسلامي يُبْتغى من ورائه رضاء االله، وخدمة الناس، وحماية الضعفاء، والدفاع عن المظلومين وصيانة الأمّة. على كل مستوى لم يَشْغُر مقعدها يوماً، ولم يسكت صوتها، ولم تخش قول كلمة الحق، ولم تقل: أذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا إنّا ههنا قاعدون، بل قالت إذهبوا وقاتلوا مع ربكم إنّا معكم مقاتلون.
وبالفعل حملت السلاح، ولبست لآمتها، وأثبتت في مستنقع الموت رِجْلها، وتصدّرت المشهد، وقامت تدافع عن حمى الأمة، وعن حمى كل الضعفاء.
بلد ابتدأت عمرها بأن قَسَمت الرغيف بينها وبين الأطهار من الشركس الذين هربوا بدينهم فوجودوا فيها ملاذاً آمناً منصوصاً عليه في كتاب القدرة الإلهيّة. فاستقروا وقالوا: هذا وطننا واعتبروه أرضهم.
ثم جاءت قبائل من جنوب وجنوب شرق ورأت في هذه الديار مكاناً للزرع والضرع والأمن والأمان، فاستقرت واعتبرت الأرض وطنها.
وكانت النكبة الفلسطينية فجاء الناس هرباً من التآمر الدولي الذي قادته أمم أدعت الحضارة والإنسانيّة. فقالت هذه البلد للملتجئين إليها: إنْ لم تسعكم الجفون فاسكنوا حدقات العيون.
وشاء االله أن تكون نكبة العراق، فلم يبق شجر أو حجر في هذه البلد إلا وتحول إلى ذراعين ممدوتين لاحتضان الهاربين إلى البلد التي لم تعتبر أي تصرف منها، أو ممارسة من قِبَلِ مسؤوليها إلاّ إحقاقاً للواجب المفروض عليهم، وأن لا مِنّةً منها على أحد.
وجاءت الفِعْلة ذاتها مع الإخوة السوريين الذين وجدوا أن لا مفر لهم من حالة الجحيم التي أحاطت بهم إلاّ بلد قادها أبناء العمومة في يوم من الأيام، بلد لم تقل لأحد يوماً "أرجع فإني قد أوصدت الأبواب"، إلا ما كان في بعض يومنا هذا، عندما لم يعد هناك قدرة على العون كما تريده، ولم يعد هناك إلا إلتزامات كاذبة ووعود سرابيّة من العالم، ولذلك لم يلم المندفعون من الشمال هذه البلد لأنهم رأوا الحقيقة بعيونهم، وتأكدوا من أن الأمر قد زاد عن حدّه حتى لم يعد مطاقاً.
ومع ذلك كله، فلم تتوان هذه البلد، ولو لحظة، عن أداء ما تراه واجباً عليها قبل أن تراه حقاً للآخرين. فبدأت بتشكيل القوافل تلو القوافل المحملة بالماء والغذاء والدواء.
وبنت المستشفيات الميدانية لمعالجة من يحتاج المعونة، وقالت لكل الجرحى والمرضى: نحن، بعد االله، معكم حتى يمن االله عليكم بالشفاء التام.
بعد كل هذا تغدو معرفة هذا البلد أمر بَدَهي، ويغدو الانتماء إليها شرفاً لا يدانية شرف، وتكريماً لا يوازيه تكريم ... اسم هذا البلد المملكة الأردنية الهاشمية.
ohhadrami@hotmail.com