الغد-يديعوت أحرونوت
بقلم: ناحوم برنياع 23/3/2025
ميدان هبيما كان مكتظا أول من أمس وكذلك الشوارع المجاورة. لم يكن فرح في المظاهرة رغم الطبل والزمر؛ ولئن كان غضب فقد كان مكظوما. لكن كان امتثال مكثف للنواة الصلبة، خطوة بداية لسلسلة اعمال احتجاج يومية، راديكالية اكثر وراديكالية أقل.
ان استئناف المظاهرات الكبرى هو بشرى طيبة لكل من يخشى على وجود إسرائيل كدولة حرة. والمقارنة بين إسرائيل والولايات المتحدة يجب أن يملأنا بالفخار. ففي أميركا يتولى رئاستها متآمر على الدستور وعلى العملية الديمقراطية. نصف أميركا ترد بقلق لكن لا يخرج أحد إلى الشوارع. اما عندنا فالشوارع آخذة بالامتلاء.
حكومة إسرائيل الحالية ورئيسها اكتسبا باستحقاق كل المظاهرات ضدهما، تلك التي كانت وتلك التي ستأتي. يمكن حتى القول إن هذا هو الأمر الوحيد الذي اكتسباه باستحقاق. لكن ها هي الشوكة: المظاهرات تكون فاعلة فقط عندما تكون مؤلمة للحكام. اذا لم يكن ألما فلا يكون خوفا، لا يكون لجاما، لا تكون كوابح. نتنياهو اليوم، كما يخيل، محرر من الألم. هذا ليس نتنياهو 2011، الذي بحث من تحت الأرض عن حل يهدئ احتجاج روتشيلد الذي قلب العالم من أجل نبأ إيجابي في موقع "واللا"، لم ينم في الليل بسبب هبوط 1 % في الاستطلاعات. هو رجل آخر: ما يشعر به الإسرائيليون صغير عليه. هو واثق بأنه مع نصف الشعب يعرف كيف يتدبر حاله؛ أما النصف الثاني فهو يمقته. هم جزء من مؤامرة خبيثة تسعى لتصفيته.
لا سبيل لايلامه لأن كل ما يؤلم رؤساء الوزراء لم يعد يؤلمه. هو ينظر إلى عشرات آلاف المتظاهرين الذين يهتفون "احتقارا" حين يرون صورته على الشاشة وهذا لا يؤلمه. إن يأتي مئات الآلاف للتظاهر ضده – هذا أيضا لا يؤلمه؛ أن يعلن اضراب عام في الاقتصاد يكلف مئات الملايين – هذا لا يجعله يتراجع. المال لا يؤلمه – طالما كان هذا مال الدولة؛ قرارات محكمة العدل العليا كانت ذات مرة تؤلمه. في اللحظة التي أعلن فيها أنه لن ينفذ قرارات محكمة العدل العليا انقضى الألم.
إخفاق 7 تشرين أول (أكتوبر) لا يؤلمه: فقد اقنع نفسه بأن هذا هو إخفاق الآخرين: مصير المخطوفين وعائلاتهم لا يؤلمه: هو ألم الآخرين. المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قال في نهاية الأسبوع أن نتنياهو لا يرى أولوية في تحرير المخطوفين. وأضاف أن نتنياهو يعمل بخلاف الرأي العام في إسرائيل. ويتكوف لا يفهم أنه في عالم نتنياهو الجديد الرأي العام هو موضوع هامشي.
نتنياهو تحرر من الألم في ضوء ما يحصل في المطلة، في الغلاف، في الجيش، في الشباك، في جهاز القضاء، لا يؤلمه: مثل ترامب أقنع نفسه بأن كل من يتبوأ وظيفة هو دولة عميقة، كلهم ضده. يجب إقالتهم، الثأر منهم وليس شفاء آلامهم.
التحرر من الألم هو قوة. هو يسمح للحكومة بأن تدفع قدما بانقلابها النظامي في ذروة الحرب وان تستغل الحرب كي تسكت المعارضة وتسرع الانقلاب. هكذا تصرف موسوليني في إيطاليا بنجاح لا بأس به. هكذا تصرف فرانكو في اسبانيا. نتنياهو، كما درج على القول، يعرف التاريخ.
لبيد وغولان، الخطيبان المركزيان في المظاهرة في هبيما، دعيا الى العصيان. كل بطريقته. لم يشرحا كيف يتم هذا، ماذا نقول بالضبط لموظف تقدير الضريبة، للشرطي، للقائد في الجيش. منذ اليوم يوجد في جيش الاحتياط رفض هادئ، بشكل عام لاعتبارات شخصية وضغط اقتصادي وعائلي لكن أيضا بسبب تملص الحريديم والحرب التي لا نهاية لها.
فهل هذا يؤلم نتنياهو وحكومته؟ حاليا لا. هم يعملون وكأن المقاتلين هم مقدرات غير محدودة ولا تنضب.
نتنياهو تعلم من ترامب قوة الاصبع في العين: اذا كان نصف الإسرائيليين يتألمون لاقالة المستشارة القانونية للحكومة، فان النصف الثاني سعيد لان يروهم في ألمهم. إقالة المستشارة تستهدف تحرير الحكومة من إمرة القضاء. الأغراض هو العلاوة. هو ينجح على نحو رائع على القاعدة. افقأ لنا عينا واحدة، يطلب البيبيون. إذا فقأت للطرف الآخر العينين ستجعلنا سعداء.