Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Apr-2020

الشاعر عبد الرحمن القضاة: على البشرية أن تتصالح مع ذاتها بعد «كورونا»

 الدستور– نضال برقان

دردشة ثقافية ذات طابع نقدي للراهن والمعيش، نطل من خلالها على عوالم مبدعينا الأردنيين والعرب، ونتأمل جانبًا من رؤاهم الخاصة لكثير من المفردات، الصغيرة منها والكبيرة، ونتجول في مشاغلهم الإبداعية، ونتعرف من خلالها إلى أبرز شجونهم وشؤونهم..
 
في هذه الدردشة نستضيف الشاعر الدكتور عبد الرحمن مصطفى القضاة *
 
* أبدأ من «كورونا»، ذلك الفايروس الذي راح يعصف بالعالم، بالناس، بالنظم السياسية والفكرية السائدة، بالكثير من العادات والتقاليد، ترى ما أبرز الأسئلة التي أثارتها في وجدانك تداعيات «كورونا»؟
 
 
 
- التساؤلات كثيرة، مابين الأسباب والنتائج. كيف بدأ هذا؟ وكيف سينتهي، ومتى، وعمّ؟ أين منجز الحضارة البشرية أمام هذا الواقع؟ هل سيكون العالم بعد (كورونا) هو ذاته العالم قبله؟ أتتغير كثير من سلوكاتنا الصحية، والاجتماعية، ومناهجنا العلمية، والتعليمية، والاقتصادية؟ هل ستضع هذه الأزمة حدًّا لغرور الإنسان بمنجزه الحضاري وخاصة التقدم العلمي؟ والتساؤل الأكبر هو: هل ستتصالح البشرية مع ذاتها بعد انجلاء الوباء، باعتبارها أسرة واحدة، فتنشغل عن الحروب والنزاعات بالمحبة والأخوّة؟
 
* تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، على الصعد كافة، ترى هل على المثقف أن يقوم بدور ما حيال مجتمعه؟ وما طبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به في ظل النظم السياسية القائمة؟
 
 
 
- سأبدأ الإجابة عن هذا التساؤل منطلقا من أزمة كورونا أيضا. ألا يمكن للمثقف أن يستلهم مبدأ العدوى؟ إذ يمارس دور العدوى الإيجابية في مجتمعه؛ فيؤثر في محيطه وينشر الحالة الثقافية بعفوية وسلاسة؟
 
أعتقد بأننا مقصرون في هذا الدور، أو على الأقل أصف نفسي بذلك. الانشغال بالذاتية والشأن الشخصي صار يغلب علينا، لا شك بأن أسبابا كثيرة أدت إلى ذلك. ولكنه واقع غير سليم على أية حال. ويمكن أن نسميه إنسحابا غير مقصود. وهناك واقع أكثر مرارة وهو الانسحاب المقصود؛ كثير من المثقفين انسحبوا من المجتمع تعبيرا عن عدم الرضى، أو استسلاما للاجدوى، فلم يعد يعنيهم المجتمع مطلقا.
 
يمكن القول إن على المثقف أن يتفاعل مع مجتمعه، ويتواجد بصورته البهية ورأيه الإيجابي وأفكاره المبدعة في مفاصل المجتمع ومجرياته البسيطة. وشيئا فشيئا سيتموضع في مجتمعه حيث ينبغي أن يكون، لتبرز في المجتمع مرجعيات ثقافية يتوجه الرأي العام بها ويسترشد. فالفاعلية تبدأ من التفاعلية لا من الانعزالية.
 
* لم يزل سؤال التنوير واحدًا من أهم أسئلة الثقافة العربية، منذ أزيد من قرن، ترى هل استطاع المثقف العربي تقديم إجابة، أو شبة إجابة حتى، على ذلك السؤال؟
 
 
 
- ابتداءً من المفردة، فمفردة التنوير جذابة، وهي ذات مناعة عالية ضد النقد؛ فباعتقادي أن لا أحد ينتقد فكرة النور مقابل الظلام. لكنني أتسأل هنا، هل نقل المفردة من المعنى المطلق إلى مصطلح مقيد بتيار فكري كان موفقا؟! وهل يرى التنويريون كلَّ من لا يوافقهم داخلا تحت المصطلح المقابل (ظلاميا)؟!
 
في تاريخ الفكر التنويري كمبدأ عام وليس كتيار حديث، يمكن أن نعد التنوير مبدأ أزليا في البشرية؛ جاء به الرسل جميعا ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وكذلك يمكن أن نعد الفلاسفة والمعلمين تنويريين.
 
فأرى إذن أنه من حيث المبدأ ينبغي أن نسير جميعا في طريق التنوير، ونبقى نسير متفقين في هذا إلى نقاط تشكل مفترقات في الطريق بين التنوير بالمعنى المطلق والتنوير بالمعنى المقيد. في تلك النقطة باعتقادي يوجد عدة خلافات، منها المغالاة في تحكيم العقل، وربما العقلنة الكلية للأمور، باعتبار العقل البشري قادرا على نقد كل شيء، وتحليل كل شيء، وبالتالي إدراك كل شيء. في حين أن طاقة العقل مهما بلغت تبقى محدودة، ولا يمكن الاعتماد الكامل عليه. ومن هنا ندخل في خلافات النظر إلى النص المقدس والتعامل معه، ومنه إلى الغيبيات. وبالتالي نصل إلى خلافات مرجعية وعقدية. وهنا أتحدث عن أفكار ولا أتحدث عن شخوص. وعليه يمكن تشبيه التنوير بحافلة يركب فيها الجميع، ومن حين إلى آخر تأتي على مفترقات تجبر بعض الركاب أن يترجلوا منها لأنها بعد تلك المفترق تتجه إلى جهة لا تناسبهم. فهل هناك نقطة يترجل عندها كل الركاب؟
 
* في الوقت الذي نتأمل فيه بعض مرايا الثقافة العربية، ترى هل هي ثقافة حرّة؟ أم هل ثمّة هيمنة، أو أكثر، تمارس على هذه الثقافة؟ وإذا وجدت تلك الهيمنة، فما الذي تسعى لتحقيقه، أو ترسيخه ربما؟
 
 
 
- الهيمنة انعكاس للسلطة، والهيمنة المطلقة انعكاس للسلطة المطلقة، والسلطة المطلقة هي السلطة اللامؤسسية، فأي كيان سياسي غير مؤسسي هو بالضرورة يطبق مبدأ الهيمنة المطلقة على الثقافة وغيرها. وبلا شك تمثل الثقافة الحقيقية خصما عنيدا للهيمنة، ويمثل المثقف الحقيقي قوة حقيقية مناوئة للسلطة المطلقة.
 
لكنني أقول وبصراحة إن المثقف العربي، اليوم، يعيش حالة تتأرجح بين الخوف والطمع، ومن لم يكن كذلك وحاول كسر هذا القيد عن فكره فسرعان ما يجد القيد في يديه. ويكأن همّ المثقف اليوم أن ينجو بنفسه لا أن يؤدي رسالة.
 
لذا صارت مهمة المثقف مهمة دبلوماسية، للمحافظة على العلاقة بينه وبين السلطة، ويبقي تحركه في النطاق المسموح. وقد يكون ذلك مقبولا على أن لا يستكين لحدود هذا النطاق، وأن يسعى إلى كسر النطاق أو توسيعه على الأقل، ورفع سقفه، بالمناورة والمناوشة والتمرد بين حين وأخر، ولو بأقل الأدوات والأساليب. كي يبقى معبرا عن قيم الحق والعدالة، فهي رسالة المثقف أو الأديب الخالدة التي يجب أن يؤديها في كل الظروف، وإن لم يتح له ذلك عليه أن لا ينصر الباطل والظلم ولو بحرف، فهذا أدنى ما يمكنه فعله، لعله يبقى قادرا على الانبعاث من جديد.
 
* لعل أحد الحلول الناجعة في سبيل إشاعة الثقافة والمعرفة بداية، وتأصيل دورهما تاليا في المجتمع، يتمثل بالاشتغال على البعد الاقتصادي لهما، (وهذه سبيل لتحريرهما من سطوة السلطة المانحة بطبيعة الحال)، وهي المعادلة التي لم تتبلور بعد في عالمنا العربي، ترى كيف تقرأ هذا المسألة؟
 
 
 
- المال هو آخر ما تحتاجه الثقافة، والسلطة لا تسطو على العمل الثقافي بسيف التمويل، وإنما بسيف القوة، فإن أرادت الجهة الثقافية أن تخرج من عباءة السلطة بالكفاية المالية لن تستطيع، فالسلطة بمبدأ القوة تبقى ذات سطوة نافذة على الثقافة ومصادرها المالية أيضا.
 
فإن كان من جهد فليكن في الثقافة ذاتها لا في الاقتصاد الثقافي الذي هو اقتصاد لا يقدم ولا يؤخر في تحقيق رسالة الثقافة، بل وقد ينزلق القائمون على الاقتصاد الثقافي إلى السعي خلف المادة والكسب، وإهمال الثقافة؛ فجدوى التجارة مادية و جدوى الثقافة معنوية، والجدوى المادية أسرع تحققا وأوضح.
 
* ثمّة تسارع كبير يشهده العالم، في كل لحظة ربما، على الصعيد التكنولوجيا والمعلومات، ترى هل أثّر ذلك على طقوسك الإبداعية في القراءة والكتابة؟
 
 
 
- بالتأكيد، ويمكن القول إن هذا ليس ذا أثر كبير على جيلي، إذ أزعم أنني لم أعايش النمط التقليدي في الكتابة والقراءة إلا قليلا من الزمن؛ فالأعوام العشرة الأخيرة تقريبا يمكن اعتبارها ذات إطار تكنولوجي واحد. أعتقد أن الأثر يبدو بوضوح عند الذين امتدت تجربتهم من التسعينيات إلى الآن، هؤلاء هم المخضرمون الجدد، والأجدر بالإجابة على هذا السؤال.
 
* ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرأ؟ ماذا تكتب؟
 
 
 
- انشغالات وظيفية، قراءات وكتابات بحثية متخصصة، الكتابة الإبداعية قليلة في الفترة الأخيرة ولأسباب خاصة، أرجو أن يكون القادم أكثر تحفيزا وملاءمة !
 
* عبد الرحمن مصطفى موسى القضاة، من مواليد قرية محنا من جبل عجلون عام 1985م، حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في اللغة من جامعة اليرموك عام 2014م، عمل في وزارة التربية والتعليم، ومحاضرا غير متفرغ في جامعة اليرموك، ومحاضرا غير متفرغ في جامعة آل البيت، ويعمل الآن أستاذا مساعدا في قسم اللغة العربية بجامعة جازان السعودية، شارك في العديد من المهرجانات الشعرية والأمسيات، ونشر عددًا من قصائده في الصحف والمجلات المحلية والعربية، له عدة مؤلفات منها: (الممنوع النحوي في الجملة العربية)، و(تراتيل الضياع/ شعر)، وله أبحاث منشورة في اللغة والنحو. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو أتحاد الأدباء والكتاب العرب.
 
من شعره في هموم الأمة:
 
«قلبي من البحرِ حتى البحرِ موطنُهُ/ من الصَّحاري إلى الشُّطآنِ قَد خَفَقَا. ما كانَ يُؤمنُ في حَدٍّ أُقيمَ لَهُ/ بِخطِّ (سايكس) و (بيكو) عندما اتفَقَا.
 
ومن آخر ما كتب:
 
«وليس ينبيكَ عن بؤسِ الزمانِ سوى/ قلبٍ أضاءَ بنور العشقِ ثمّ خَوى. تَقــوى مناعـــتُه عن كـــلّ نازلــــةٍ/ ويستخـــفُّ بكُــورونا وبالعدوى. لا شيءَ مما يخيـــفُ الناسِ يـرعبه. وليــس يبـصـرُ بعــد بلائِه بلـوى».