Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Oct-2018

ثقافة الهاوية ونضالاتها* ابراهيم عبدالمجيد القيسي
الدستور - 
 
الامتعاض؛ أصبح وصفا لحالة قديمة نسبيا، كانت تنتابنا حين نقرأ أو نسمع أو نشاهد، ردود أفعال أو مبادرات أو مشاركات بعض الناس في اشتباكهم مع الشأن العام، لكن الوصف الأكثر دقة أصبح اليوم الغضب والخوف على البلاد كلها، بعد أن تعمقت ثقافة الهاوية، وكثر منظروها وطلابها، وانكشف الغطاء عن تجمعات وجماعات مؤقتة، تصدر بيانات وتطلق تهديدات صريحة بجر الجميع الى الهاوية.. هذه الثقافة ليست تلقائية ولا عفوية، بل ثمة من يديرها وينميها بطرق لا تخطر على بال المتلقي الذي لا يلبث طويلا، ليصبح أحد أبواقها من غير علم ولا وعي منه.
بعض المشتتين ذهنيا وفاقدي البصيرة الوطنية، مارسوها اجتهادا، فأصبحوا يتقمصون أدوار وأسماء غير حقيقية، يطلون بها على الناس عبر الانترنت بكل تطبيقاته، ولكل منهم غايته النفسية الشخصية، فمنهم من يسعى لنجومية مزورة، لا يستحقها بأي شكل من الأشكال، ومنهم من يملأ قلبه الغلّ والحقد على أشخاص أو جهة ما، فسلك سلوكا مضادا تحت اسماء مستعارة، ثم تدحرجت الكرة وكبرت، وتحت وطأة التكرار الممل قفزت الى أذهان وتعبيرات بعضهم مصطلحات لا يفهمونها فعلا، لكنهم يتحدثون بها، لنقرأ لغة كاملة منفلتة، وغارقة في التشكيك والتهجم والكذب والتلفيق ولا تتمتع بأي منطق أو موضوعية..وباتت هي اللغة المسيطرة على كل ما يتفاعل فيه ومعه الناس، سواء أكان على صعيد الانترنت وتطبيقاته الكثيرة، أم على صعيد الواقع الذي نلمسه بجوارحنا:
هذا يخرج علينا بفيديو يحمل وجهة نظره أو أكاذيبه وأحلامه، ومن بينهم من ينفذ اتفاقا مع جهات ترقد بعيدا عن عين الكاميرا، لها أهدافها ومشاكلها وقضاياها الخاصة، فتقوم باستئجار أحد البهلوانيين ليسجلوا فيديو لتحقيق غاية الشخص في الظلّ، ومن بينهم من يخرج علينا بوسائل اعلام نعرفها، مستغلا جهل القائمين على برامجها ونشرات أخبارها، ومعديها ومحرريها، فيوصل رسائل مناهضة للحقيقة سرعان ما يلتقطها الناس ويتداولونها، لأنها محمولة على ذات مصطلحات التشكيك والاتهام والتجني..
وآخرون تقاعدوا عن التفكير والاتزان، وابتلاهم الله بتضخم نفسي، اقتنعوا بسرعة بأنهم أهم المخلوقات في البلد بل في الكوكب، لا يجيدون التحدث بعبارة واحدة بلا أخطاء نحوية وأخلاقية وقانونية، لا يعرفون الموضوعية، ولا يعلمون عن الخوف على الناس والبلاد سوى بعض الكلمات التي لم يقتنعوا يوما بها أو بمعانيها، يتكاثر حولهم المؤيدون دون تفكير، ولا يسلم هؤلاء من رهط، يديرون لهم من غير علم منهم هذا المشهد من التلميع المشوه، ولا تمضي سوى أيام، ليصبح هذا المسكين أحد المؤثرين حسب مقاييس التفاهة المتبعة على الانترنت، بعض هؤلاء أصبحت له قاعدة بيانات مزيفة، من أهم سجلاتها عدد متابعين يزيدون عن عدد سكان الأردن أضعافا، وحين تقلبه بكل الاتجاهات تجده يتمتع بنفس المواصفات، لا وعي ولا علم ولا موضوعية ولا لغة ..الخ الصفات التي إن تواجدت واحدة منها في شخص لامع او موهوب أفقدته هذا اللمعان..لكنهم يلمعون في عتمات النت.. فيتلقى عنهم متواضعي الوعي كل ما يقومون بنقله، ليغوص المشهد في مزيد من تناقض وابتعاد عن المنطق.
يتزامن هذا التنامي لظاهرة نشر ثقافة الانهيار، مع تراجع في مستوى بعض المسؤولين عن التثقيف والاعلام، حيث يقودك التفكير بالمشهد العدمي الخارجي الى الاستنتاج بأن وجود هؤلاء على هذه الدرجة من المسؤولية، وفي هذا الوقت بالذات، هو ليس صدفة أيضا، ومن لم يكن منهم منخرطا رسميا مع هذه الجهات التي تتولى التعتيم، فهو بلا شك ضحية ضخ «ارشادي» من بعضهم دون شعور منه، ليتولى تلقائيا نقل الرداءة والاهتمام بها، باعتبارها الغرض المنشود من ادارته وقيادته للعملية التنويرية..والحديث يطول رغم وضوحه، لأن فيه فنيات ونظريات يتم تطبيقها من قبل أشخاص لا نراهم مطلقا، لكنهم يديرون السخافة ويروجون لثقافة الانهيار ونضالاتها كمندوبين عن الشياطين أنفسهم.
تابعوا البيانات والمشاركات واللقاءات واقرأوا أسماء الموقعين والمعجبين والمعلقين، لتدركوا حجم الكارثة ومدى اقترابنا من حافة الانهيار..