Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-May-2018

مستقبل النظام العربي - غازي خالد الزعبي

الراي - عاش النظام العربي حالة غير مستقرة تبعا لظروف الدول العربية الناشئة التي تكون منها، والأسلوب البيروقراطي لجامعة الدول العربية الذي تأثر بسياسات قطرية متناقضة ليصبح بلا هوية تحدد ملامحه او تبين توجهاته المستقبلية. كما عانى هذا النظام من الصدمات القاسية والتحديات الجسيمة بفعل تكوينه التاريخي الهش شلت فاعليته وجعلته عاجزا عن ايجاد الحلول الواقعية للأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة.

وكان النظام العربي يعطي صورة ظاهرية زائفة بسبب التناقض السياسي لمكوناته بالاضافة الى خلل خطير تمثل في تدخل الدول العالمية والاقليمية في شؤونه ليصبح مسرحا مشاعا للاعبين والمغامريين الدوليين في غياب توازن قوى الردع العالمي، او وحدة جامعة للصف العربي، وعدم وجود الية تنظيمية او قانونية لتفعيل الشرعية الديمقراطية القائمة على اساس الانتخابات الحرة النزيهة، الامر الذي ادى الى حالة ضعف ووهن وانفصال عن الواقع، والدخول في دوامة عبثية لم تؤد الى أي نتيجة يعول عليها بل أكثر من ذلك فقد تراجع المد الوحدوي التاريخي وانكشف غطاء الامن العربي القومي.
ومصطلح القومية العربية الحديث الذي كان قد روج له مصلحون في بداية القرن الماضي، كان حالة افتراضية
غير متحققة عمليا، ولم تكن ملائمة لواقع الشعب العربي او موروثه الحضاري كان مصدره الاساسي الافكار
المستوردة السائدة في القارة الاوروبية في تلك الفترة ليتحول فيما بعد الى شعار حماسي غير واقعي ساد
معظم رعايا الدولة العثمانية ويتحول الى تظاهرة عصبية عرقية على عكس الحالة العربية التاريخية ذات النزعة الانسانية التي كانت تضم أقواما تدين بالولاء للحضارة العربية الاسلامية كهوية جامعة.
كما كان للغلو الديني وتسييس الدين، واخضاعه لأجندة سياسية نفعية من شأنها أن تؤدي الى رؤية متشدده أحادية الجانب في الوقت الذي تعاني منه الشعوب العربية والاسلامية من ظروف فرضت عليها أوليات سياسية واقتصادية تتطلب الانفتاح على الفضاء العالمي، وتفعيل حوار الاديان والمساهمة في لغة حضارية مشتركة بغض النظر عن اللون او الجنس أو الدين.
ومثال الاتحاد الاوروبي يعطي اضاءة تاريخية على التطور السياسي الاوروبي الحديث، فعندما قامت الوحدة
الأوروبية على اساس ديني صرف أنتجت الحروب الصليبية العبثية وحملات عدوانية على الاديان الاخرى امتدت
الى عقود من الزمن، وعندما ظهر عصر القوميات الاوروبية تمخض عن حروب بينية متناحرة لم يخمد أوارها حتى أواسط القرن الماضي الامر الذي جعل الاوروبيين يبحثون عن صيغ وحدوية أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية عملية تمثلت في الاتحاد الاوروبي كمحصلة تاريخية واقعية في العصر الحديث.
والحالة الوسطية التي تتسم بالتعايش بين العروبة والاسلام وبين الصيغ الحضارية المعاصرة من خلال الالتزام بالاصول الدينية والقومية ومرتكزاتها الاساسية وبين الأولويات الاقتصادية والسياسية التي تفرض نفسها كواقع لابد منه من اجل ان يصبح النظام العربي الجديد قادرا على تحقيق انطلاقة عملية تتيح له التفاعل مع الاخرين وتحقيق ذاته عبر الزمان والمكان.