Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Jan-2020

لماذا قد لا تكون إيران قانعة بمجرد توجيه “صفعة” لترامب

 الغد-مايكل نايتس – (فورين بوليسي) 7/1/2020

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
في خطاب بثه التلفزيون الحكومي الإيراني بعد الضربة الانتقامية الإيرانية، اعترف المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، ضمنيا، بأن الضربة الصاروخية التي شنتها بلاده على قاعدتين عسكريتين في العراق تستضيفان قوات أميركية، لم ترق كثيراً إلى مستوى أن تكون انتقاما مناسبا لمقتل اللواء قاسم سليماني. وقال خامنئي: “في الليلة الماضية، تلقوا صفعة واحدة. وليست مثل هذه الأعمال العسكرية كافية بالقدر الذي يتعلق بأهمية الانتقام. المهم هو أن وجودهم المفسد يجب أن ينتهي”.
والسؤال المطروح الآن هو: ما الذي يمكن أن تفعله إيران لطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بعيدا عن الحرب الشاملة التي أوضحت كل من طهران وواشنطن أنهما لا تريدانها؟ ثمة القليل من الإجراءات الأميركية التي ضربت القيادة الإيرانية بطريقة أقسى من قتل سليماني الذي قاد “قوة القدس”، وحدة النخبة في فيلق الحرس الثوري الإسلامي التي تقوم بعمليات عسكرية خارج إيران. وعلى الرغم من أن نائب سليماني، إسماعيل قاآني، قد أصبح يخدم فعليا في مكانه، فإن القائد الجديد هو عمود فقري قوي يركز على أفغانستان، ويُعتبر بعيدا جدا عن نوعية النجومية التي تمتع بها سليماني، أو عن معرفة سلفه الحميمة بساحات القتال الاستراتيجية في المنطقة، مثل تلك في العراق وسورية ولبنان.
وأبعد من ذلك، يبدو أن القيادة الإيرانية منقسمة نوعا ما حول نوع الانتقام المطلوب –حول ما الذي سيرضي الكبرياء الوطنية وحشود الإيرانيين الغاضبين الذين ذكرت الأنباء أن العشرات منهم ديسوا حتى الموت يوم الاثنين في موكب جنازة سليماني- بينما يتم في الوقت نفسه تجنب بدء حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة، والتي ستجلب كارثة لا لبس فيها على إيران.
أيا كان ما سيحدث، فإن الجزء الأسوأ منه لن يحدث على الفور. وعندما يتعلق الأمر بالضربات الأميركية ضد إيران، كانت اللحظة المماثلة الوحيدة في السابق هي تدمير جزء من البحرية الإيرانية في نيسان (أبريل) من العام 1988 بضربات أميركية، والذي تلاه قيام القوات الأميركية بالإسقاط العرضي لطائرة إيرانية وركابها البالغ عددهم 290 راكبا في تموز (يوليو) 1988. وفي تلك الحالة، مرت ثماني سنوات قبل أن تنتقم إيران وتأخذ بثأرها الكامل بتفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية في العام 1996، والذي أسفر عن مقتل 19 عسكرياً أميركياً.
في سيناريو اليوم، قد يأتي الانتقام الجدي في وقت أقرب، وإنما ليس بالضرورة في غضون أيام أو أسابيع. ويحب أولئك الذين يعرفون الثقافة الاستراتيجية الإيرانية القول بأن لإيران “نفَس طويل”، وهذا يعني أن الإيرانيين قادرون على ممارسة صبر استراتيجي هائل.
لكن هذا ليس واقع الحال دائماً، بطبيعة الحال. في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، تم توجيه الاتهام لإيرانيين اثنين بالتخطيط لتفجير سيارة مفخخة في مطعم في واشنطن العاصمة لقتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة. ويبدو أن الهجوم كان يُقصد منه أن يكون ضربة انتقامية متسرعة بعد أن سحقت المملكة العربية السعودية آمال إيران في انتفاضة الشيعة البحرينيين في “الربيع العربي” قبل ثمانية أشهر من ذلك. وكانت تلك المؤامرة الفاشلة، وهي واحدة من مشاريع سليماني الأقل شهرة، إخفاقاً محرجاً وقد تشكل تحذيراً لطهران من الإقدام على رد فعل متعجل جديد.
ولكن بالنسبة لخامنئي، الذي أقام رابطة أبوية وثيقة مع سليماني واعتبره نموذجاً لفضائل الجندي وقائد الجيل التالي، فإن موته كان شأناً شخصياً بعمق. وتقوم الجمهورية الإسلامية بإرسال بعض الرسائل الفريدة هذه المرة. ففي 4 كانون الثاني (يناير)، اتخذت إيران خطوة غير مسبوقة هي رفع علم أحمر على جامع جامكاران بالقرب من المركز الديني للنظام في قم. وهذا المسجد المهم هو المكان الذي يعتقد الشيعة الفارسيون أن مسيحهم، الإمام المختفي، يعاود الظهور فيه ليلة واحدة خلال شهر رمضان.
واللون الأحمر بالنسبة للشيعة هو لون الدم والانتقام. وهو رمز الإمام العباس، المحارب الشجاع الذي حاول محاربة جيش الخليفة يزيد حتى بعد قطع يديه. (كان الجزء الوحيد الذي بقي بحيث يمكن التعرف عليه من سليماني هو يده التي تحمل خاتماً).
إذا حدث انتقام إضافي، فقد تقع إيران تحت إغواء توجيه ضربة في –أو قريباً من- يوم ذكرى قيام الثورة الإسلامية في 11 شباط (فبراير)، والتي يصادِف أنها تتزامن أيضًا مع اليوم الأربعين للحداد على السليماني، عندما يحيي المسلمون ذكرى الموتى. وإذا كانت القوات الأميركية المتأهبة قد خففت من تأهبها في ذلك الحين، وإذا كان الرئيس دونالد ترامب يركز على أي مكان آخر، فقد يكون هناك عمل إيراني يهدف إلى إلحاق الأذى بأميركا –وإنما من دون استفزازها تماماً.
في الحقيقة، تواجه إيران مشكلة كبيرة يمكن أن تجعل قادتها يفكرون مرتين في الوفاء بتعهد خامنئي “بالانتقام الشديد”. ففي حين أن الكبرياء الوطني تطلب رداً مباشِراً، يبدو أيضاً أن الضربة الصاروخية التي شنتها إيران في العراق ليلة الثلاثاء في 5 كانون الثاني (يناير)، كانت تهدف إلى تقليل الخسائر البشرية في القاعدتين إلى الحد الأدنى، لأن القيادة الإيرانية لا تستطيع تحمل كلفة الحرب الشاملة مع الولايات المتحدة، وخاصة مع ترنح اقتصادها تحت وطأة العقوبات الشديدة. (سبق الضربة الصاروخية تحذير لحكومة العراق، والذي كان من المفترض أن تعترضه وتكتشفه الولايات المتحدة، وأعقبتها تصريحات إيرانية تؤكد رغبة طهران في عدم التصعيد -في الوقت الحالي).
لكن هذا يترك العديد من خيارات الانتقام مفتوحة أمام إيران. في المدى القريب، قد توجه طهران أنظارها إلى برنامجها النووي لصرف الانتباه. وتشكل القضية النووية، من نواح كثيرة، مساراً أكثر ذكاءً للقتال عليه، والذي يمكن أن يفصِل ترامب عن حلفائه الأوروبيين: بالنسبة لمعظم العالم، فإن أميركا -وليس إيران- هي التي تقع على عاتقها مسؤولية الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي). ولا يمكن للأوروبيين وقادة الأمم المتحدة أن يتجاهلوا خطر حدوث أزمة نووية. وقد دفع هذا الواقع إيران إلى الإعلان عن أحدث تراجع لها عن التزاماتها في خطة العمل الشاملة المشتركة، وإنهاء بعض القيود على قدرة تخصيب اليورانيوم، وتخزين المواد المخصبة، وأعمال البحث والتطوير.
وتشمل الخيارات الأخرى توجيه ضربات عسكرية مؤلمة إلى حلفاء الولايات المتحدة مثل إسرائيل، أو شركائها مثل المملكة العربية السعودية، أو أن تستهدف سياسيين يميلون إلى الولايات المتحدة داخل العراق. وسوف تكون الضربات التي يمكن إنكارها هي المفضلة. ويمكن استخدام الهجمات الإلكترونية، مع الاعتماد على سجل ترامب الخاص بمقابلة القوة المميتة بالقوة المميتة واستخدام الانتقام السيبراني للرد على الجرائم الأقل خطورة. وكما أوضحت الضربات غير الفتاكة التي وقعت ليلة الثلاثاء على القواعد الأميركية في العراق، فإن إيران قادرة تماماً على “التصويب مع عدم إصابة الهدف”، وهو شيء حوَّلته إلى شكل فني عندما تريد إرسال رسالة إلى العالم من دون استفزاز رد انتقامي مدمِّر.
على المدى الِأطول، من الممكن أن تقوم إيران بردها الحقيقي والأثقل في الصيف أو الخريف، في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية. فقد يجد مثل هذا الهجوم ترامب مشتتاً وأقل استعداداً لتحمل السلبيات السياسية من خلال الظهور وكأنه يتسبب بالحرب (وهي سياسة لا تحظى بشعبية عند معظم الأميركيين)، وبالتهديد برفع أسعار الغاز. وقد تتخذ الهجمات شكل ضربات إرهابية وعسكرية ضد قواعد وسفن أميركية في الخليج الفارسي وباب المندب؛ وشن هجمات بالوكالة على محطات دبلوماسية أميركية في لبنان والعراق وأماكن أخرى؛ والتدخل في ممرات الشحن؛ والهجمات الإلكترونية على مراكز مراقبة الحركة الجوية أو المنشآت الصناعية الكبرى؛ والهجمات الإرهابية على الأرض الأميركية نفسها –وتستطيع إيران بالتأكيد القيام ببعض هذه الأعمال، وربما بها جميعها.
رد إيراني يتطور تدريجياً
لمحاولة تخمين الخطوات التي قد تتخذها طهران لاحقًا، من المفيد تعقب مراحل تطور سياستها تجاه واشنطن. في الأول من كانون الثاني (يناير)، أدلى خامنئي ببيان عكس سياسة إيران المعتادة ضد التورط في صراع مفتوح، وهو تفضيل مقيم منذ وقت، والذي كان قد تشكل خلال حرب الثماني سنوات المنهِكة مع العراق. وقال خامنئي: “إننا لن نأخذ البلاد إلى الحرب. ولكن إذا كان الآخرون يريدون فرض شيء على هذا البلد، فسوف نقف أمامهم بقوة”.
في اللحظة التي أدلى فيها خامنئي بهذا التعليق، كان وكلاء سليماني في العراق قد قتلوا للتوّ مقاولاً أميركياً وعانوا من أعمال انتقامية أشد مما كان متوقعًا في غارات 29 كانو الأول (ديسمبر) الأميركية التي أودت بحياة 25 من رجال الميليشيات وجرحت أكثر من 50.
ولكن، حتى مع ذلك، لم يُقتل إيرانيون في تلك المرحلة، وهو ما ترك خامنئي في منطقته المريحة: محاربة الأميركيين حتى آخر وكيل عراقي أو أفغاني أو لبناني أو باكستاني. فهل سيؤدي موت سليماني (إلى جانب أربعة ضباط إيرانيين آخرين) إلى تغيير حسابات خامنئي؟
توفر الأشهر الستة الماضية رؤى محيرة –وإنما قد تكون مهمة- حول الأهداف الحقيقية للنظام الإيراني. ويمكن للمرء التعرف إلى ثلاث مراحل من التصعيد في الأعمال المسلحة الإيرانية.
جاءت المرحلة الأولى بعد العقوبات الأميركية على مبيعات النفط الإيراني في نيسان (أبريل) 2019، حيث بدأت إيران بإطلاق طائرات من دون طيار على خطوط الأنابيب السعودية، ومهاجمة مرسى نفط إماراتي، ومضايقة ناقلات النفط في مضيق هرمز، وأخيراً شن ضربة صاروخية جريئة إلى حد مذهل على أكبر مواقع الطاقة في العالم بالمملكة العربية السعودية.
في تلك المرحلة، حرصت إيران على عدم قتل أميركيين، واستهدفت الطائرات المسيرة الأميركية في مناسبتين فقط. وبدا الدافع الإيراني واضحاً بشكل معقول: تخويف العالم من مغبة قطع النفط الإيراني والضغط بشكل غير مباشر على الولايات المتحدة حتى تلين موقفها. وكانت المشكلة أن ترامب لم يردّ على الضربات. وبدا أن إيران قد أدركت ذلك وتوقفت عن تلك الأعمال.
بدأت مرحلة جديدة مع احتجاجات تشرين الأول (أكتوبر) 2019 ضد الحكومات التي تسيطر عليها إيران في العراق ولبنان، والتي أدت إلى قيام احتجاجات مماثلة في إيران. ومنذ البداية، بدا أن نظامًا إيرانيًا تحت الضغط كان يعتقد حقًا بأن للولايات المتحدة يد في إثارة الاحتجاجات، وربما يكون ذلك هو الذي دفع إيران إلى عبور الخط الأحمر الأميركي ضد إلحاق الأذى بأميركي. وفي شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) 2019، أصبحت الضربات المدعومة من إيران على القواعد الأميركية في العراق أكثر تهوراً وتسببت في مقتل مقاول أميركي في 27 كانون الأول (ديسمبر).
كما كان الحال مع عملية الإسقاط الاستفزازية قبل ذلك لطائرة أميركية مسيّرة قيِّمة من طراز MQ-4 فوق مضيق هرمز في 20 حزيران (يونيو) 2019 -والآن الضربات الصاروخية في 7 كانون الثاني (يناير) 2020 على القواعد الأميركية- بدا أن إيران وضعت في حسابها شكلاً من أشكال الانتقام عندما خاطرت بقتل أميركيين في العراق. وكانت، حتى تلك الضربات الأميركية الشديدة ضد وكيل إيران المحلي “كتائب حزب الله”، شيئاً يمكن التسامح معه لدى طهران، لكن القتل غير المتوقع لسليماني آذن ببداية مرحلة جديدة. اليوم، وللمرة الأولى، لا يتم فقط خنق النظام الإيراني من خلال العقوبات وتهديده بانتفاضة محلية، ولكنه يتعرض أيضًا لإصابة شديدة وعميقة وشخصية ببسب ضربة أميركية.
يعني تنفيس الغضب العميق داخل القيادة الإيرانية اعترافاً بأن ترامب في حالة تحسُّب وفي وضع مترنح. وعلى النقيض مما حدث في شهر حزيران (يونيو)، عندما عارض فكرة الانتقام للطائرة الأميركية المسيرة المفقودة بسبب مخاوف تتعلق بالأضرار الجانبية، يهدد ترامب الآن بتوجيه ضربات جوية انتقامية موسعة على البر الرئيسي الإيراني. لقد تحوَّلت “الدودة” إلى طور جديد مرة أخرى.
لم تؤد الأعمال البحرية والصاروخية في الصيف ولا القتل الأخير لأميركي إلى تحسين موقف إيران على الإطلاق. ولا تفعل الحرب المفتوحة التي أطلقتها طهران سوى تهدئة مخاوف ترامب الداخلية بشأن عدم امتلاك ترخيص باستخدام القوة العسكرية.
في النهاية، وعلى الرغم من الخطاب الحالي، من الممكن حتى أن يكون الرد الرئيسي لإيران غير موجود على الإطلاق -كما كان واقع الحال على الرغم من رعدها وبرقها في وجه الولايات المتحدة بسبب اغتيال عماد مغنية من حزب الله، في شباط (فبراير) 2008، أبرز قائد مدعوم من إيران يتم قتله حتى مقتل سليماني وزعيم الميليشيا العراقية أبو مهدي المهندس الذي توفي أيضًا في هجوم 3 كانون الثاني (يناير). وما نزال ننتظر ذلك الانتقام بعد 12 عاماً الآن تقريباً.
بإظهار “النفس الطويل” الذي اشتهر به، قد يختار النظام الإيراني عمل الحد الأدنى، مدركاً أنه سيحصل في العام 2021 إما على ترامب لولاية ثانية (وهو ليس منيعاً أمام إعادة انتخابه والذي يحب عقد الصفقات)، أو على ديمقراطي من دعاة السلام، مع أربع أو ثماني سنوات من العرض.
*زميل رفيع في معهد واشنطن ومقره بوسطن، متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج الفارسي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Iran May Not Be Satisfied with a ‘Slap’ at Trump