Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Apr-2020

تأملات في كتاب «مطر ومظلة صديق» للنبريصي

 الدستور-فوزي الخطبا

الخاطرة صهيل الروح في المدى، وسحابة الإحساس تمطر الأرض اليباب، وعزف الحرف على وتر القلب، يلوذ بها المبدع ليسرج قناديل الروح، ويسكب من خيوط الوجد في حنايا الروح، ويقطف من أزاهير البوح عطر الياسمين، فتولد النصوص الحرة العصية على التجنيس والتشكيل، رغبة في الانعتاق من كل القيود، فتأتي بوحا صافيا كماء عذب.
 
ففي الخواطر يذرف مخيال الأديب مشاعره بحروف عذبة الوقع على الوجدان، فإذا كانت الخواطر تتحرر من الوزن والإيقاع وتقاليد الشعر فإنها تلامس الشعرية بهذا البوح الشفيف وتلك العاطفة المشبوبة وهذا السيال الشاعري من الأحاسيس الممتزجة بالفكرة او الموقف الذي يثير في نفس الاديب شهية البوح وفي نفس القارئ شهية التلقي.
 
وخواطر انتصار النبريصي (مطر ومظلة صديق) تأسست على لغة شفيفة رقيقة دافئة محملة بسحب من الأحاسيس وغيمات من الحب والوجد والحنين والانتماء، فكانت هذه الخواطر نسيجا شعوريا متكاملا تعضد فيه الفكرة العاطفة، وترسم من خلال الحرف جداريات من كلمات تشي بالوجع تارة وبالفرح تارة، وهل حياتنا الا مزيج من المأساة والملهاة، وهل يمر يوم على أحدنا دون أن تمر به فصول المشاعر كلها، بفرحها وحزنها، بصمتها وبوجها، يتوق ليصرخ فيلجم صراخه بالصمت، ويجنح للصمت لولا ان أمرا ما يدفعه بكل ما فيه نحو الصراخ.
 
وفي هذه الخواطر جاءت المفردة تنتمي الى حقل الوجدان، لأنه أساس هذا اللون الأدبي، منه يمتح الأديب كلماته، ولأجله يوقد سراج الحرف، وفي الحقل ذاته يفرغ احاسيسه ورؤاه ومواقفه، بصورة وامضة مختزلة، تشكل فيها المفردة أثرا كبيرا ينبع من تأثيرية الكلمة التي تنتقل من معناها المعجمي الى معنى سياقي تأثيري وانفعالي واضح، فلا يستوي القتيل والشهيد، ولا يستوي الحاكم والدكتاتور، ولا تستوي الطفلة والكاعب، وثمة فروق دلالية ونفسية وانفعالية بين امرأة وأنثى.
 
وعلى هذا الأساس تنطلق النبريصي في خواطرها من انزياحات لغوية مقصودة مدفوعة بالحالة الشعورية التي تصورها في كل خاطرة، فكل خاطرة منها تستقل بحالة شعورية تحشد لأجلها الأديبة كل عوامل التأثير فيها لتتعالى الحالة الشعورية المرومة وتتسامى الكلمات لتتساقط معنى جنيا على وجدان المتلقي.
 
ولأن هاوسر يقول «قبل النص كان العنوان وبعد النص يبقى العنوان» كانت عناوين خواطر النبريصي مكثفة دالة على مضامينها كما لو أنها هي الخواطر في ذاتها، تغري بالقراءة والتأمل بما تحمل من رمزية وتصويرية وانفعالية، وفي هذا دلالة واضحة على العناية في اختيارها العتبات بذكاء ومهارة. كما أنها جعلت من عتبات النص لوحة فنية دلالية، فالمطر يبعث في النفس الجمال والبهاء ويبعث في الوقت ذاته الحزن الشفيف، وهذه من صور الرومانسي الحالم الذي يرى الوجود فضاء من الحب والجمال، والمظلةُ عنوان احتواء ودفء يلوذ بها الصديقان او الحبيبان عندما تعصف بهما نوائب الدهر وصروف الزمان، ومن غير الصديق اذا ضاق المكان والزمان! فكلما اعتراه اليأس ناداه وكلما أوشك على السقوط تذكره، وكلما تعثر أقال عثرته.
 
لقد كشفت هذه الخواطر عن لواعج النفس مازجة بين الهم العام والانساني وهمس الوجدان؛ لأن المبدع لا يعيش قضاياه الخاصة وانما يعيش قضايا الوطن والانسانية، لأنه يحمل رسالة وهدفا ورؤية وفكرا واعيا مستنيرا. وقد شكلت قراءات النبريصي المتنوعة عاملا مهما في تشكيل ذائقتها الجمالية، فكانت هذه الخواطر يشع منها الضوء بشاعرية نابضة بالحركة فهي تكتب الخواطر بحس عال وعاطفة متدفقة ودرجة عالية من الوعي دون مبالغة او افتعال، مع احتوائها على طاقة ايحائية وتعبيرية مسكونة بالقيم المثلى؛ الحق والخير والجمال.
 
ولهذا كله جاءت خواطر (مطر ومظلة صديق) تبوح بأسارير القلب المسكون بالجمال والشعر والحب والأسى والفرح والفقد والاشتياق، تعرج بنا الى سماوات التأمل وفضاءات الحرف، بلغة شاعرية شفافة تطرد وحشة الغياب ولوعة الأسى وتفتح بوابات الأمل.