Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Feb-2018

«الآليةُ الناعمة - مؤونة وتواصل ومنعة» - د بسام الساكت

الراي -  تمر الأمم كما يمر الفرد في مراحل نمو وتراجع وجمود ونهضة وكساد ونصر وهزيمة. وجميعها حالات عابرة، تطول وتقصر. والامر الذي يديم حياة الفرد والمؤسسة والدولة، هو إعْمالُ العقل والفكر -أي إدراك فحوى أي محنةٍ والعمل على تجاوزها باستثمار ذكاء وطاقات الأمة من رؤوس مفكرة، وقيادات ومؤسسات قُدْوة-هي رأسُمالٍ وثروة مُتجدِّده. وما نشهده الآن وعبر عقود مضت كيف تجاوزت أمم مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية، إنهزاماتها العسكرية بفعل من الخارج، وتهدمت بنيتها المادية واقتصادها، لكنها وقفت على قدميها بفعلِ مااستخدمته من «الآلية الناعمة « لديها، من عقل وذكاء وثروة معرفية وسيادة القدوة الحسنة في مواقع القرار وسيادة الأنظمة والقانون والعدالة وحسن التدبير في الادارة وإستثمار الموارد. والأهم من بين الموارد ، «التواصل مع العالم»، المتقدم والنامي، جلباً للمنافع وتحييداً للخصوم والاعداء. فأعادت البنيان وأكثر. وكان وراء صمودها وإعادة البنيان والإستمرارية ثم تجاوز الآخرين، وتراكم ثروتها المادية والمعنوية، أنها لم «تُهزَم من الداخل». لقد هزمها الخصوم فقط من الخارج. ولا تراني أغفل كيف تجاوزت امتنا العربية والإسلامية هزائمها حين غزاها الفِرَنْجة، أيّام صلاح الدين الأيوبي وكيف إنتصرت و أعادت بناء ذاتها.

و تبرز الْيَوْمَ ، اكثر مما مضى، أهمية استثمار «الآلية الناعمة»، خاصةً بعد أن سحُبَ سلاح النفط والمال العربي. وأبرز عنصرٍ في الآلية الناعمة، هو الحكمة في تفعيل «التواصل مع العالم»، وبالذات الآن، في محنة أمتنا حيال القدس في فلسطين المحتلة- قِبلةَ المؤمنين والمسلمين ومقامات أنبياء االله- عليهم جميعاً أتمُّ السلام والتكريم: من إبراهيم وموسى وعيسى إبن مريم، إلى خاتم المرسلين محمداً صلى االله عليه وسلَّم. ويحضرني هنا «تفعيل أوسعُ « مَعَنَا، لطاقات إخوتنا وشركائنا في المصير، المسيحيون العرب، قادةً وأتباعاً. فلهم حق وعليهم واجب معنا، حماية القدس أرضاً ومقامات. ويبرز فوراً فهي ذهني هنا «ضرورة التواصل وتجديد وصيانة الجسور مع الكنائس المسيحيّة جميعها» في روسيا والمشرق وفِي الغرب، وتشكيل فريق مستقل ،فكري، ديني نوعيٍ من الأهل والأصدقاء ومن القطاع الخاص ، داعمٍ وبالتوازي مع جهود الدولة، وبعيدا عن إحراجاتها، بحيث يقوم–«بحملة إخاءٍ إنسانية», مؤونتها الإخاء والعدالة، والإنسانية تجوب المواقع الكنسية المؤثرة في العالم؛ والتواصل معها. وبالأخص مع شخصيتين دوليتين مرموقتين، ومن أتباع سيدنا عيسى عليه السلام هما: نيافة البابا صاحب القداسة الكاثوليكية فرانسيس في روما، -البابا ال 266 ، أكرمَه االله، الأرجنتيني الأصل، ونيافة الكاردينال جوستين ويلْبي–رئيس أساقفة كانتربري ال 105 في إنجلترا. لَقَد آثرت ذكرهما هنا كونهما ذوي مواقف ملموسة واعية صلبة، نافذة، ولهما مؤسسات وأتباع كُثْرْ.
يكفينا ان ندرك المواقف الإنسانية الجليلة للبابا فرانسيس من الفلسطينيين حين نادى بالسلام لهم، بعد وعْد ترمب الأخير حول القدس؛ وخطاب نيافته المشهور في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام؛ ودعمه اللاجئين وكرامتهم الإنسانية، عرباً ومسلمين وأفارقة في أوروبا واميركا، ومطلبه بمحاربة العنف والتمييز ودُعاتُه، أُولئِك ذوي الأصوات الناشزة، وبجميع اشكاله؛ وبالابتعاد عن ثقافة الخوف من اللاجئ وإصراره على عدم تركهم لفيروس الإهمال وإغلاق باب الأمل أمامهم ؛ ومطلبه الحوار لا الحرب حول الأسلحة النووية- لقد طبع نيافته، ووزع، على العالم صوراً للطفل الذي حمل أخاً له متوفٍ على ظهره، في نغازاكي؛ وكفاحه ضد العنصرية والفساد في أميركا اللاتينية والشمالية ومحاربة سيطرة الشركات وإحتكارها للغاز والذهب والنفط؛ ومحاربة فيروس الإستهلاك الرفاهي عند الشباب.
وكذلك، ومن بين ما أخصُّهم بالإحترام، رئيس أساقفة إنجلترا من موقعه في كانتربري في إنجلترا–نيافة جُوستِين وِلْبِي، أكرمه االله. لقد وقف مع المظلومين في العالم والفلسطينيين بالذات؛ وانتقد القيادات الفاسدة، و الطُغاة، أولئك الذين يخدعون الناس ويستعبدون الضعيف؛ ولقد برزت شجاعته القيادية والأدبية حين وقف وإنتقد بشدةٍ ما قام به الرئيس الأميركي ترمب حين قام الأخير بإعادة نشر ، وعلى موقعه الالكتروني، صوراً وافلاماً مكروهة، صنعها عُنصِريون في بريطانيا، إعْتُبِرت تروِّجاً لليمين المتطرّف، والتعصب الديني والعرقي، فأسمع، نيافته أمريكا ،وبريطانيا، والعالم، كراهيته للتطرف، كما رفض مقابلة غُلاتِه.
تلك صورة من صور التحرُّكِ وحشد «الآلية الناعمة» لدى شعوبنا ومؤسساتنا وأهلنا جميعاً، في عصر شحوب المال والعتاد العَربي، متضامنين، مُوَحَّدين، تجمعُنا قواسم مشتركة عديدة، كفيلة بأن تدفع الأذى عنّا، وتنصرنا على خصومِ أمتنا، وخصومِ وحْدَتِنا.