Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Apr-2019

عندما انفعل الروابده * بلال حسن التل

 السوسنة

لم يكن دولة الدكتور عبد الرؤوف الروابده بحاجة إلى هذه النوبة من الانفعال للتعبير عن مشاعرة نحو الشهيد وصفي التل, وغضبه من اللذين يستحضرونه في كل مناسبة, فقد غيّب الغضب عنه عدد من الحقائق, منها أن استحضار الرموز من قبل شعوبها هو أمر طبيعي خاصة في لحظات أزماتها أو عندما تهتز منظومة القيم لديها, والأردنيين في هذه لا يشذّون عن سائر الشعوب.
 
غير الحقائق التي غيبّها الغضب عن دولته, فقد أوقعه الغضب في خطأ القياس في التناقض وفي خطأ الاستشهاد, فعندما عاب على الأردنيين استحضار رمزاً من تاريخهم القريب استحضر في الرد عليهم رمزاً من التاريخ البعيد, مؤكداً من حيث لا يدري أن الناس عندما يحتاجون إلى مقارنات فإنهم يستحضرون رموزهم, والتي ربما تكون حجة عليهم لا لهم,  وهو ماحدث مع الروابدة, فقد أقام الحجة على نفسه عندما استحضر رمزاً في معرض الاحتجاج على الأردنيين, لأنهم يستحضرون رمزاً في مواجهة واقعهم, الذي يحتاج إلى رجال قادة أصحاب رؤية تحملها عزيمة, لتحولها إلى برامج لتغير الواقع الذي يشكون منه, وهذا النمط من الرجال لا يستسلم للواقع ولايجامل أحدا,  مهما ارتفع شأنه, مثلما أنه لا يساير تياراً من الناس طلبا للشعبوية, وهو مافعله الإمام علي الذي لم يستسلم لجمهور الناس, ولم يجامل السائل فرد على سؤاله واصفاً التغير الذي وقع للمجتمع منذ عصر الصدّيق والفاروق حتى عصره بقوله " أنهما كانا أمراء على مثلي وأنا أمير على مثلك" هذا الاستشهاد من الروابده يؤكد عظمة الإمام علي, لأنه لم يستسلم للتغيرات السلبية التي أصابت الناس, بل ظل يقاوم الانحرافات حتى استشهد, فمهمة القادة في مجتمعاتهم أن لا ينقادون لها بل يقودنها, كما فعل وصفي, لذلك لم يكن هذا الاستشهاد من قبل دولته موفقا لأنها حجة للذين يستحضرون وصفي لاعليهم, فوصفي لم يستسلم هو الآخر للظروف التي كان يعيشها مجتمعه, بل سعى إلى تغيرها, وظل على نهجه هذا حتى لحظة استشهاده, التي جعلت منه رمزاً خالداً عند الأردنيين, يستحضرونه عند كل مقارنة, لأن القيم التي يستحضر الأردنيين وصفي من أجلها لاتتغير بتغير الأحوال والأزمان, بل تشتد الحاجة إليها عندما تتغير أوضاع المجتمع إلى الأسوء, كما هو حال مجتمعنا, فسيتذكر الناس رموزهم الذين كانوا يجسدون هذه القيم.
 
  ما أريد قوله أن الشعوب تستذكر رموزها عندما تهتز قيمها, كما يفعل الأردنيين في استحضار وصفي في وجه اهتزاز هيبة الدولة ومواصفات رجل الدولة ودوره وشجاعته وجرئته, واهتزاز قيم نظافة اليد واحترام المال العام, ومدى اقترابه من الناس  والتعبير عن تطلعاتهم وأحلامهم, والدفاع عن حقوقهم مع إلزامهم بواجباتهم, فهذة هي القيم التي لا تتغير والتي يعتقد الأردنيين أن وصفي جسدها وهو بينهم, ثم اهتزت عند معظم من تلوه خاصة في السنوات الأخيرة, مع أنها قيم ثابتة لا تتغير بتغير الأزمان ولا الأدوار, ولا تهتز باهتزاز المجتمعات, التي تسعى إلى استردادها عبر استحضار الرموز التي تمثلها, كما يفعل الأردنيين مع وصفي الذي اشتد حنينهم إلى رجال يشبهونه بالسلوك القيمي وليس بالدور الوطني فقط.