Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Aug-2019

عمان ليست المدينة الفاضلة* نضال منصور

 الغد-كالعادة ينشغل الأردنيون بقصص تتناسل وتصبح حديث الناس، وكثيرون يلجأون لإصدار الفتاوى والأحكام، وهكذا تنتهي القصص مثل فقاعات الصابون، ونصحو بعد ذلك على قصص جديدة، حتى باتت هناك قناعات أن إثارة القضايا والتلهي بها، وتسريب الفيديوهات وحتى بعض التقارير والوثائق مبرمج يأخذ الناس لمزاج ومناخات لا تتعلق بالواقع وتحدياته، ويمهد لاستحقاقات غير منظورة.

في العيد غير سفر الأردنيين والكلام أن عمان أصبحت خالية انشغل الناس بفيديو لـ”مشاجرة” أو اشتباك وتلاسن شارع الجاردنز، و”بلطجة” في الصويفية وإطلاق النار على شاب والتنكيل به، والتباهي بتصويره.
من المهم التذكير ان حوادث التنمر والبلطجة و”الخاوات” ليست جديدة على عمان، ومحاولات الايحاء ان عمان لم تعد آمنة، او تنتشر بها النوادي الليلة و”الرذيلة” بالاستناد إلى حادث إطلاق نار هنا، أو ظهور فتيات بلباس لافت هناك، أمر معيب وفيه مبالغة متهاوية، وما يحدث الآن كان يحدث سابقا وربما أكثر، ولم نكن نعلم به ونراه، والجديد ان كل منا يشهر موبايله ويصور وينشر عبر السوشيال ميديا، ويسود الاعتقاد سواء بشكل مقصود، أو نتيجة لتزايد وتوسع مجتمع النميمة في الأردن أن هذه الظواهر تتعاظم في بلادنا.
قضية الجاردنز ابتداء من حادث سير بسيط تحول الى اشتباك وتلاسن واعتداءات، وكلنا لا نألف ولا نقبل عدم احترام سيدة أو رجل مسن مهما فعلوا وحتى لو اخطأوا.
ولكن سؤالي الأهم لولا تنميط صورة الفتاتين اللتين ظهرتا في الفيديو، وتوجيه الاتهامات لهما مسبقا دون أي دليل سوى ربط الإدانة باللباس، ولولا الإشارة لعلاقتهما بأشخاص قيل انهم من جنسيات عربية، والادعاء بمعرفتهم بأصحاب نفوذ فوق القانون، لولا كل ذلك لما كانت هذه الضجة، ولما أصبحت قصة لها تفسيرات وامتدادات ومطالبات بالتحقيق، ونبش في سجلات دائرة السير للتشهير بأشخاص قد لا يكونون متورطين بأي مخالفة للقانون.
الطريف والغريب بعد حادثة الاعتداء في الصويفية ان بعض رواد السوشيال ميديا تذكروا ان لدينا نوادي ليلية، وبأنها سبب المشكلات وخراب المجتمع، وانطلقوا للمطالبة بإغلاقها.
بصراحة عمان ليست المدينة الفاضلة، وهي مزيج مما نحبه وربما ما نكرهه، والواقع ان “البارات” والنوادي الليلة ليست وليدة اليوم وموجودة منذ عقود ومرخصة قانونا، وعلينا أن نتذكر أنها منتشرة في أكثر دول العالم ومنها دول اسلامية عديدة مثل مصر وتركيا حتى لا نجلد ونعاقب انفسنا، وهي جزء من متطلبات السياحة داخلياً وخارجياً، ولا توجد دلائل أنها سبب في شيوع الجريمة، أما مفهوم الأخلاق فهو أمر نسبي لا يتفق على تعريفه الجميع، والأجدى إن كانت هناك انتهاكات حقوقية في هذه النوادي مثل الاتجار بالبشر ملاحقتها ومحاسبة مرتكبها.
الحكومة دائماً توجّه لها أصابع الاتهام ويقولون ان شيوع هذه الأخبار، واظهار صور بلطجية وأصحاب اسبقيات يستخدمون مسدساتهم بشكل لافت مرتبط برغبة الحكومة تمرير مشروع القانون المعدل للأسلحة والذخائر، ومطالبتها بجمع الاسلحة من الناس، وحتى تجد هذه التوجهات قبولاً ودعماً شعبياً فان استحضار واثارة هذه القضايا يصنع رأيا ضاغطا مؤيدا.
باعتقادي نظرية المؤامرة في الغالب صناعة شعبية بامتياز والحكومة بريئة منها، والأمر لا يعدو أكثر من إجازة، والجميع بعد انجاز واجبات العيد تفرغ لرصد ما يبث على وسائل التواصل الاجتماعي، والمشاركة دون تحمل عناء التثبت من صحة ما ينشره.
كل يوم ستزداد الفوضى التي تنتجها السوشيال ميديا بسبب الأخبار الكاذبة والزائفة والإشاعات، بالتزامن مع تكاثر الشخصيات الراغبة بالاستعراض والظهور وتنصيب أنفسها حكماء واوصياء على المجتمع، خاصة في ظل ضعف الرواية الرسمية، وتأخر حضورها لتجيب عن كل الاسئلة وتملأ الفراغ، يضاف لكل ذلك تراجع هيبة القانون وسيادته وقناعة الناس أنه يسود على الجميع ولا أحد فوقه.