Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Apr-2018

منديل أزرق جميل: سيمياء العنوان - حنين ابداح
 
الغد- تحتوي المجموعة القصصية "منديل أزرق جميل" لإبراهيم غرايبة، على أربع وعشرين قصة، ويجد القارئ للقصة الأولى التي منح المؤلف عنوانها للمجموعة لتكون عنوان الغلاف أنها ذات فكرة واحدة غير متشعبة؛ لذلك اكتفى غرايبة بعنوان رئيسي، بدون الحاجة إلى عناوين فرعية، كان فيها العنوان "المنديل الأزرق الجميل" هو رمز الأمل الذي يتمسك السجين به، فمن وجود المنديل الأزرق الجميل في بدلة السجن استمد السجين الأمل كما تشير القصة، ثم يكتشف السجين عند مغادرته السجن بأن هذا المنديل ليس لإدارة السجن، وإنما تركه سجين سابق في بدلة السجن، فيتعاظم شعوره بالأمل ليبقى محتفظا بالمنديل على مدى سني حياته، وممنونا لذلك السجين الذي لم يعرفه، فالمنديل هو قماشة رقيقة، والأزرق لون مُحبَّب للنفس، ونُعت المنديل بالجميل، كل هذا جعل منه إشارة أو علامة أو رمزا منطقيا، للأمل الذي توالد لذاك السجين، وهذا يدفعنا للقول إن العنوان قدّم عتبة قرائية موازية للقصة التي أسهمت في تلقيها، وفهمها، وتأويلها.
كذلك انفردت القصتان الثانية والثالثة بعنوان رئيسي لكل منهما، فكان عنوان القصة الثانية هو "محمية طبيعية" وعنوان القصة الثالثة هو "مصنع النسيج" ذلك أن أرض سرد أحداث القصة الثانية كانت محمية طبيعية، في حين كانت أرض سرد أحداث القصة الثالثة هو "مصنع النسيج"، فيُظهر بذلك العنوان علاقته الانعكاسية للقصة؛ حيث تُختزل القصة -بناءً ودلالة- من العنوان، فأهمية العنوان سيميولوجيا إذن ليست هامشية، بل هو أشد العناصر وسماً للعمل الأدبي، لأنه يشكل واجهة النص، وبؤرة اختزال الأفكار التي ينوي النص إبلاغها.
ويستمر غرايبة في نهج استخدام العنوان الرئيسي دونما الحاجة لاستخدام عناوين فرعية خلال القصة، فكانت القصة الرابعة بعنوان "صيد الثعالب" وهو عنوان رمزي، فالثعلب رمز المكر والخداع، والخداع أساس اللعبة، كما يعبر غرايبة بأنَّ "صيد الثعالب لعبة إدارة المدينة". وفي القصة الخامسة "الحذاء" وهو عنوان رمزي، يشير إلى دلالة الصراع الإيديولوجي الذي يشكل نظماً من الأفكار في السياسة والقانون والأخلاق. أما عنوان القصة السادسة "إلى المدرسة" فيعيدنا إلى وظيفة سرد الأحداث.
ونظراً لأن المجموعة القصصية تُعنى بالمهمشين والوحيدين وأزمتهم في مواجهة الذات والمجتمع والدولة، فالقصة السابعة "أَنِي والخوف أردنيان" استخدم في عنوانها لفظ "أَنِي" بدلا من "أنا"؛ وهذا استخدام مقصود، فلفظ (أَنِي) يشير للبساطة على عكس (أنا) التي تحمل التعالي والكِبر. أما ذكر الخوف فهو مرتبط بالمعنى الوجودي؛ حيث يدفع الإنسان الذي يرغب في الحياة والحرية؛ لأن يعزل نفسه عن المجتمع، والمعنى الوجودي للإنسان قد يتأتى من الخوف، الذي قد يشكل طريقا ليصبح الإنسان حرا طليقا مسؤولا عن تصرفاته، وهكذا؛ يصل غرايبة إلى التطهير بكل ما يحمله من معاني التنقية الإنسانية، وتصفية النفس من انفعال الخوف، وهذا يجعلنا نقول إن العنوان تمكن من تحديد هوية النص، والإشارة إلى مضمونه، لا سيما أن وظيفة التحديد هي الأهم من غيرها.
وتعني القصة الثامنة "من اليقين إلى الشك" بالوعي، الذي هو المحصلة الكلية للعمليات العقلية التي تشترك في فهم الإنسان للعالم والوجود الإنساني، مركزا أكثر على وعي الذات، وهو عملية تمكين معرفة الإنسان بذاته وبسلوكه وأفكاره ورؤاه واهتماماته، فلا غرابة أن يمثل العنوان صورة من صور التحول في استخدام من وإلى. ولأن طريق التحول والتغير في حياة الفرد غالبا ما يحوفها كثير من الصعاب والمتاهات والمزالق، مما يُولد تشعبا في الطرق للوصول إلى نقطة التحول، هذا الأمر لم يغفله غرايبة في القصة، فكان تشعب أحداث القصة يتطلب عناوين فرعية ثانوية للقصة غير العنوان الرئيسي المركزي "من اليقين إلى الشك" وتلك العناوين الفرعية هي: "الذئاب الروسية" و"باص رقم5" و"نصائح" و"ديناصور"، التي كان من شأنها عكس تشعب الطريق للوصول من اليقين إلى الشك.
وتحتوي قصة "سقط غداً جعل" على فكرة مركزية واحدة، واحتوى عنوانها على وظيفة إيحائية وإغرائية للقارئ، ذلك أن العنوان يحوي انزياحا عن المألوف، وهو بأن يستخدم الفعل الماضي للسقوط وهو "سقط"، ثم الظرف الدال على المستقبل وهو "غدا". 
وتدل قصة "المِذْراة" على أن النفس البشرية بحاجة للتمسك بشيء، لكن المسألة الأساسية هي رمزية هذا الشيء! وأما قصة "حلم" فضجت بعناوين فرعية كثيرة؛ ويستمر غرايبة في سلك نهج اختيار عناوين فرعية لقصصه، كما في "الهمس" و"طفولة" و"المقهى" وكان من شأن كل منها أن تؤدي دلالات مختلفة.
اختتمت المجموعة بـ"الندم"؛ جاء هذا العنوان المركزي ليعكس إحساس خذلان المهمشين الضعفاء الذي حاولوا كل ما في وسعهم للارتقاء وإثبات الذات، لكن أحدا لم يهتم بأمرهم، فبعد سنوات من الأمل الذي رمز إليه "المنديل الأزرق الجميل" لم يلتفت إليه إلا ذاك البوم الوفي "رمز الحكمة" الذي كان يأوي كل ليلة إلى شرفة البيت.