Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Apr-2019

أكثر من مجرد الإضرار بأماكن النزهة..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد-مع قدوم تباشير فصل الربيع في الأردن، تعود نفس المسائل المتعلقة بالنزهات والمتنزهين إلى الواجهة. وتظهر بشكل خاص انتقادات لتاركي القمامة في أماكن التنزه، واعتداء بعضهم على الأشجار. لكنَّ في موضوع التنزه وعلاقة الناس بالأمكنة أكثر من ذلك.

في الأصل، يقتضي التصميم العمراني الحديث للمدن –خاصة تلك التي ليس فيها نهر أو شاطئ- ترك مساحات خضراء في داخلها، في شكل حدائق عامة ينبغي أن تكون موزعة في مختلف المناطق. وعادة ما تكون في هذه الحدائق مقاعد، وممرات مبلطة، وقدر جيد من الخضرة والألوان، ومضمار للمشي، وكثيراً ما يُضاف عنصر الماء في شكل برك اصطناعية أو شلالات أو جداول صغيرة.
لكن الافتقار إلى مثل ذلك، يدفع الناس إلى تحري بعض الترويح عن النفس في أماكن بلا مقومات. ربما يلاحظ المارون مثلاً توافد المتنزهين على جانبي “شارع الأردن”، لمجرد وجود بعض العشب الربيعي وبعض الخلاء الناجي من هجمة الإسمنت. وحتى عندما يجف العشب، يذهب الناس إلى هناك وأماكن مشابهة من أجل استنشاق هواء يقنعون أنفسهم بأنه مختلف. وعادة ما يجف العشب الذي يُنبته المطر اتفاقاً –وليس المزروع قصداً كما ينبغي- في أول الصيف، إذا نجا. وقد شاهدنا قطعان الخراف والماعز التي نبتت من العدم وسط أحياء عمان، وأتت على أي خضرة نبتت في المساحات الفارغة القليلة قبل اكتمال الاحتفال.
عندما نتحدث عن العلاقة مع المكان، سواء كان شارعاً أو غابة أوموقعا أثريا، فإننا نتحدث عن واحدة من علامات الثقافة المعنيّة كلها. وأول عنصر يعرِّف هذه الثقافة هو نوعية العلاقات التي تربط بين مكونانها، والتي يغلب أن تكون نفعية بقدر ما هي عاطفية. وقد تنفصم علاقة الإنسان بالمكان –ليس إلى حد عدم العناية به فحسب، وإنما إلى حد الرغبة في مغادرته جملة وتفصيلاً: الهجرة، إذا لم تتوافر على نفع محسوس.
هذا موضوع كبير وعميق، له علاقة بالعوامل الأساسية التي تحدد طبيعة العلاقات بين الناس والناس، والناس والمؤسسات، والناس والأماكن، وتعكس نفسها في طبيعة السلوك على كل هذه المستويات ومن كل الأطراف. ومن حيث المبدأ، عندما تكون هذه العلاقات مثالية، ينبغي أن يكون الشخص الذي يترك القمامة في متنزه أو يرميها في الشارع مختلفا وواضحا ومنتقَدا إلى حد يصرفه عن الرغبة في الإفصاح عن هكذا اختلاف. وكذلك حال الذي ينتهك قواعد السير، أو الذي يسيء تقديم الخدمة في وظيفة عامة، مهما كان مستوى هذه الوظيفة. ويعني شيوع السلوكيات السلبية حتى تصبح مألوفة وجود خطأ في الأساسيات.
في مقابل إساءة بعض الناس التصرف في أماكن النزهة، ثمة سوء الخدمات العامة في هذه الأماكن. سوف يقول لك الكثيرون أنها بلا مرافق صحية ولا مياه، ومفتقرة إلى مقومات أماكن النزهة العامة المعيارية. وسيقول آخرون أن كلفة قضاء عطلة في الوطن أغلى منها في الخارج. وسوف يعتذر الكثيرون لسوء التزامهم عموماً بأنهم لا يتلقون خدمات ورعاية تناظر قيمة ما يدفعونه من رسوم وضرائب وفرائض. وباختصار، لا يشعر الناس بملكيتهم للأشياء وبعوائد ملموسة لعلاقتهم معها.
قد يكون ما يحكم السلوك الجمعي خليطاً من التربية الأخلاقية، وحكم القانون، والمنفعة. وإذا ذهب أحد إلى بلد تحكمه ضوابط سلوكية أخلاقية وقوانين واضحة، فإنه يغلب ألا يجرؤ على إظهار اختلافه بالتصرف بعكس المجموع. كما أن المواطنين في الدول الحريصة على وضوح الخطوط والتزام مختلف الأطراف بالحقوق والواجبات على أساس المنفعة للجميع، لا يقبلون بعبور أحد الخطوط التي تضمن لهم سلامة نظامهم الذي يستفيدون منه.
ينبغي إدراك أن “الانتماء” لا يتعلق أساساً بالهتافات والشعارات الشكلية، وإنما يتعلق أكثر بعضوية مجموع منسجم ينخرط في مسيرة تقدمية واضحة الوجهة والغايات والفوائد. ويكون شرط قبول انتماء الفرد إلى حشد هذه المسيرة واستفادته من منجزها التزامه بالقواعد العامة الإيجابية التي تضمن عدم تعثر المسير أو سقوط أحد على الطريق –وإلا مواجهة الوحدة والعزل والحرمان من الفائدة المادية والعاطفية.
أما خلاف ذلك، فيعني أن هذا المجموع الجذاب المفيد، المتماهي مع ثقافة واضحة، غير متكون في الحقيقة، وأن أي تبعات لن تترتب على النشوز وغناء كل على ليلاه.