Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Jul-2018

عالم ماركسي.. ماذا توقعتم من الرأسمالية؟ في أي عالم نعيش الآن؟

 

 
 
روبين فارجيز
 
الغد- بعد كل انهيار اقتصادي تقريباً، تظهر أصوات تذكر بأن ماركس كان على حق في تنبؤاته. مشكلتنا اليوم ليست الأزمة الرأسمالية المفاجئة، بل هي أساليب الرأسماليةالمعهودة التي أدت في العقود الأخيرة إلى إحياء أمراض بدا وكأن العالم المتقدم قد تخلص منها.
 
منذ عام 1967، ظل متوسط دخل الأسرة في الولايات المتحدة، بعد تعديله بنسبة التضخم، راكداً لستين بالمئة من مجمل تعداد السكان، مع استمرارية ارتفاع الثروة للطبقة الغنية. وعلى الرغم من أن التغيرات الاقتصادية في اوروبا كانت اقل حدة فقد ظلت المؤشرات مشابهة لما يحصل في الولايات المتحدة .
 
واصلت أرباح الشركات بالارتفاع إلى أعلى مستوياتها منذ ستينيات القرن العشرين، ومع ذلك، فقد قامت الشركات بتوفير تلك الأرباح بشكل متزايد بدلاً من استثمارها، مما يضر بالإنتاجية والأجور. ومؤخرًا،ترافقت هذه التغييرات مع افراغ الديمقراطية من محتواهاواستبدالها بحكم تكنوقراطي من قبل النخب. 
 
يميل المحللون التقليديون إلى رؤية هذه التطورات بمثابة خروج محيرعن وعود الرأسمالية الا ان ماركس سبقهم الى ذلك. حيث تنبأ بأن المنطق الداخلي للرأسمالية سيؤدي مع مرور الوقت إلى زيادة عدم المساواة، والبطالة المزمنة، والتوظيف غير المكافىء للمؤهلات، والأجور الراكدة، وهيمنة الشركات الكبرى القوية، وخلق طبقة نخبوية تعمل قوتها كحاجز أمام التقدم الاجتماعي. في نهاية المطاف، تراكم النتائج السلبية لهذه التحديات من شأنه أن يشعل أزمة عامة قد تنتهي بثورة. 
 
اعتقد ماركس أن الثورة ستأتي في انظمة الاقتصاد الرأسمالي الأكثر تقدما الا ان الثورة أتت في الدول الأقل تطوراً مثل روسيا والصين، حيث دخلت الشيوعية في الحكم الاستبدادي والركود الاقتصادي بينما في غضون منتصف القرن العشرين، تعلمت الدول الغنية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة إدارة حقبة عدم الاستقرار وعدم المساواة التي ميزت الرأسمالية. اجتماع هذان النموذجان ادى الى افقاد ماركس لمصداقيته في نظر الكثيرين.
 
لكن على الرغم من كوارث الاتحاد السوفييتي والبلدان التي اتبعت نموذجه، فإن نظرية ماركس تظل واحدة من أكثر الانتقادات النظرية للرأسمالية على الإطلاق حيث تمكن ماركس وبشكل افضل من غيره من فهم الآليات التي تنتج سلبيات الرأسمالية والمشاكل التي تنشأ عندما لا تقاومها الحكومات بشكل فعال كما حصل على مدى الأربعين سنة الماضية. ونتيجة لذلك، فإن الماركسية، بعيدة كل البعد عن أن تكون بالية وهي أمر حاسم في فهم العالم اليوم. 
 
 
 
عالم مادي
 
إن مجمل اعمال ماركس وآثاره الفكرية كبيرة وشاملة،والعديد من أفكاره حول مواضيع مثل التنمية البشرية،والأيديولوجية، والدولة بقيت ذات أهمية دائمة منذ كتابتها. إن ما يجعل ماركس ذا صلة وثيقة بعصرنا اليوم هو نظريته الاقتصادية، حيث كتب في كتاب ( رأس المال) فصلا بعنوان "تعرية قوانين الحركة الاقتصادية في المجتمع المتحضر". وعلى الرغم من أن ماركس، مثل الاقتصادي ديفيد ريكاردو، كان يعتمد على" نظرية العمل المغلوطة" في بعض افكاره الاقتصادية الا ان رؤيته تبقى. 
 
يعتقد ماركس ان في النظام الرأسمالي الضغط على رواد الاعمال لتجميع رأس المال في ظل ظروف المنافسة الشديدة في السوق سوف يؤدي إلى نتائج نلمسها اليوم متمثلة بالتالي: 
 
أولاً، الزيادة في إنتاجية العمل التي أوجدها الابتكار التكنولوجي سيحصل عليها إلى حد كبير مالكو رأس المال. وكتب يقول: "حتى عندما ترتفع الأجور الحقيقية،فإنها لا ترتفع بشكل متناسب مع القوة الإنتاجية للعمالة". وببساطة، فإن العمال يتلقون دائماً أقل مما أضافوه إلى الإنتاج، مما يؤدي إلى عدم المساواة.
 
ثانياً، تنبأ ماركس بأن التنافس بين الرأسماليين لتقليل الأجور من شأنه أن يدفعهم إلى إدخال تكنولوجيا توفير العمالة. وبمرور الوقت، فإن هذه التكنولوجيا من شأنها القضاء على الوظائف، وخلق جزء دائم من العاطلين عن العمل بشكل كبير بين السكان. 
 
ثالثًا، اعتقد ماركس أن المنافسة ستؤدي إلى تركز الثروة في الصناعات والشركات الكبرى، حيث أن الشركات الأكبر والأكثر ربحًا تدفع الشركات الأصغر خارج نطاق العمل. وبما أن هذه الشركات الأكبر حجماً ستكون، بحكم تعريفها، أكثر تنافسية وتكنولوجية، فإنها ستتمتع بفوائض متزايدة باستمرار. ومع ذلك، فإن هذه الفوائض ستوزع على نحو غير عادل، مما يفاقم ما ورد في اولاً وثانياً.
 
ارتكب ماركس الكثير من الأخطاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة. ولأنه كان يعتقد أن الدولة كانت أداة للطبقة الرأسمالية، فقد قلل من قوة الجهود الجماعية لإصلاح الرأسمالية. في الاقتصادات المتقدمة في الغرب،من عام 1945 إلى حوالي عام 1975، أظهر الناخبون كيف يمكن للسياسة ترويض الأسواق، ووضع المسؤولين في السلطة الذين تابعوا مجموعة من السياسات الديمقراطية الاجتماعية دون الإضرار بالاقتصاد. في الفترة، التي وصفها الفرنسيون بالثلاثينية المجيدة (Les Trente Glorieuses)
 
حيث شهدت هذه الحقبة مزيجًا فريدًا تاريخيًا من النمو المرتفع، وزيادة الإنتاجية، وارتفاع الأجور الحقيقية،والابتكار التكنولوجي، وتوسيع أنظمة التأمين الاجتماعي في أوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية، واليابان. وبدا لبعض الوقت أن ماركس كان مخطئا في تقدير مقدرةالاقتصادات الرأسمالية على تلبية الاحتياجات البشرية،على الأقل ماديا. 
 
الطفرة والكساد
 
طفرة ما بعد الحرب، لم تدم طويلاً. وانتهى الأمر في نهاية المطاف مع أزمة الركود التضخمي في السبعينيات، عندما كانت السياسة الاقتصادية المفضلة للديمقراطيات الاجتماعية الغربية (إدارة الدولة الكينزية للطلب ) تبدوعاجزة عن استعادة العمالة الكاملة والربحية دون إثارة مستويات عالية من التضخم. ورداً على ذلك، قام زعماء الغرب، بدءاً برئيس الوزراء الفرنسي ريمون بار، ورئيس الوزراء البريطاني مارغريت تاتشر، والرئيس الأمريكي رونالد ريغان، بسن سياسات لإعادة الربحية من خلال الحد من التضخم، وإضعاف المنظمات العمالية،واستيعاب البطالة. 
 
كانت تلك الأزمة، والكساد الذي أعقب ذلك، بداية النهاية للاقتصاديات المختلطة في الغرب. ومع اعتقادها بأن تدخل الحكومة قد بدأ يعيق الكفاءة الاقتصادية، سعت النخب في دولة بعد أخرى إلى إطلاق العنان لقوى السوق عن طريق تحرير الصناعات وتقليص دولة الرفاه الاجتماعي. وبالاقتران مع السياسات النقدية المحافظة والبنوك المركزية المستقلة وآثار ثورة المعلومات، كانت هذه التدابير قادرة على تحقيق معدل منخفض من التقلب، وفي بداية التسعينيات، كانت الأرباح الأعلى في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت أرباح الشركات بعد الضريبة (المعدلة لتقييم المخزون واستهلاك رأس المال) من متوسط 4.5 في المائة خلال 25 سنة قبل تولي الرئيس بيل كلينتون منصبه في عام 1993 وإلى 5.6 في المائة من 1993 إلى 2017. 
 
ولكن في الديمقراطيات المتقدمة، أثبت الانتعاش الطويل منذ السبعينيات أنه غير قادر على تكرار ازدهار واسع النطاق في منتصف القرن العشرين. وقد تم تحديده بدلاً من ذلك من خلال التفاوت والبطء وعدم المساواة. هذا التباين الحاد في الثروات كان مدفوعا، من بين أمور أخرى، بحقيقة أن الزيادات في الإنتاجية لم تعد تؤدي إلى زيادات في الأجور في معظم الاقتصادات المتقدمة. في الواقع، كانت الاستجابة الرئيسية لأزمة الربحية في السبعينيات هي إبطال صفقة ما بعد الحرب بين الأعمال التجارية والعمل المنظم، حيث وافقت الإدارات على رفع الأجور بما يتماشى مع زيادة الإنتاجية.
 
بين عامي 1948 و1973، ارتفعت الأجور بالتوازي مع الإنتاجية في جميع أنحاء العالم المتقدم وبعد 1973 توقف التوفيق ما بين الأجور والانتاجية في الكثير من الدول الغربية. وكان هذا الفصل بين المفهومين حاداً بشكل كبير خاصة في الولايات المتحدة، حيث في العقود الأربعة منذ عام 1973، زادت الإنتاجية بنسبة 75 بالمائة تقريبًا،بينما ارتفعت الأجور الحقيقية بأقل من عشرة بالمائة وبالنسبة إلى 60 في المائة من الأسر، لم تتحرك الأجور على الإطلاق. 
 
إذا كانت الطفرة التي أعقبت الحرب جعلت ماركس يبدووكأنه عفا عليه الزمن، الا ان العقود الأخيرة أكدت صوابه. جادل ماركس بأن النزعة طويلة المدى للرأسمالية تتمثل في تشكيل نظام لم تواكب فيه الأجور الحقيقية الزيادة في الإنتاجية. تعكس هذه النظرة الملاحظة التي أبداها الخبير الاقتصادي توماس بيكيتي بأن معدل العائد على رأس المال أعلى من معدل النمو الاقتصادي، مما يضمن أن الفجوة بين أولئك الذين ينحدر دخلهم من الأصول الرأسمالية واولئك الذين ينحدر دخلهم من العمالة سوف تنمو بمرور الوقت. 
 
أساس فكرة ماركس لإدانة الرأسمالية لم يكن انها تجعل العمال أسوأ حالاً في حد ذاته. بدلا من ذلك، كان نقده هو أن تضع الرأسمالية قيودًا تعسفية على القدرة الإنتاجية التي أطلقتها. كانت الرأسمالية، دون شك، متقدمة على ما قبلها لكن البرنامج الجديد جاء مع خلل. على الرغم من أن الرأسمالية قد أدت إلى مستويات لا يمكن تصورها من الثروة والتقدم التكنولوجي في السابق، إلا أنها لم تكن قادرة على استخدامها لتلبية احتياجات الجميع. كان هذا،حسب زعم ماركس، لا يرجع إلى القيود المادية ولكن إلى القيود الاجتماعية والسياسية: وهي حقيقة أن الإنتاج منظم لمصلحة الطبقة الرأسمالية بدلاً من المجتمع ككل. حتى لو كان الرأسماليون والعمال الفرديون عقلانيين،فإن النظام ككل غير منطقي. 
 
من المؤكد أن السؤال حول وجود بديل ديمقراطي افضل من الرأسمالية وارد ومن الواضح أن البدائل غير الديمقراطية، مثل اشتراكية الدولة التي مارسها الاتحاد السوفياتي والصين الماوية، لم تفعل ذلك. بالتالي فلا مناص من أطروحة ماركس التي تقول بحتمية الشيوعية لقبول تحليله. 
 
قوانين الحركة
 
لم يتنبأ ماركس فقط بأن الرأسمالية ستؤدي إلى زيادة عدم المساواة والافقار النسبي. ولعل الأهم من ذلك هو تحديد الآليات الهيكلية التي ستنتجها. بالنسبة لماركس،فإن المنافسة بين الشركات ستجبرهم على دفع اعدادالعمال أقل وأقل من الناحية النسبية مع ارتفاع الإنتاجية ومن أجل خفض تكاليف العمالة. وبينما احتضنت الدول الغربية السوق في العقود الأخيرة، بدأ هذا الاتجاه يعيد تأكيد نفسه. 
 
منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت الشركات في جميع أنحاء العالم المتقدم تخفض فواتير الأجور، ليس فقط من خلال الابتكارات التكنولوجية الموفرة للعمالة ، ولكن أيضًا من خلال الدفع باتجاه إجراء تغييرات تنظيمية وتطوير أشكال جديدة من العمالة. وتشمل هذه عقود لمهمات بعينها، وبالتي تحويل الخطر المالي إلى العمال والتي تستثني الشركات من تزويد الموظفين بفوائد مثل التأمين الصحي. وكانت النتيجة أنه منذ بداية القرن الحادي والعشرين، انخفضت حصة العمال من الناتج المحلي الإجمالي باطراد في العديد من الاقتصادات المتقدمة. 
 
تؤدي المنافسة أيضاً إلى خفض حصة العمال من التعويض عن طريق إنشاء قطاعات من القوى العاملة ذات علاقة ضعيفة على نحو متزايد بالأجزاء الإنتاجية في الاقتصاد -وهي القطاعات التي أطلق عليها ماركس "جيش العمال الاحتياطي “، في إشارة إلى العاطلين عن العمل والعاملات العاطلات عن العمل. فكر ماركس في جيش الاحتياط هذا كمنتج ثانوي للابتكارات التي أدت إلى تشريد العمالة. عندما يتوسع الإنتاج، يزداد الطلب على اليد العاملة، مما يؤدي إلى سحب عناصر من جيش الاحتياط إلى مصانع جديدة. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأجور، مما يحفز الشركات على استبدال رأس المال للعمالة عن طريق الاستثمار في التكنولوجيات الجديدة، وبالتالي تشريد العمال، وتقليص الأجور،وتضخم صفوف جيش الاحتياط. ونتيجة لذلك، تميل الأجور نحو مستوى معيشي متدني "الكفاف"، مما يعني أن نمو الأجور على المدى الطويل سيكون منخفضًا إلى غير موجود. 
 
لقد عاشت الولايات المتحدة هذا الواقع منذ ما يقرب من عشرين عامًا. على مدى خمسة عقود، كان معدل المشاركة للرجال في القوة العاملة هزيلاً، ومنذ عام 2000، أخذ يتراجع بالنسبة للنساء أيضاً. وبالنسبة للمجموعات غير الماهرة أكثر، مثل تلك التي لديها أقل من شهادة الدراسة الثانوية، فإن نسبة المشاركة تقل عن 50 في المائة .ومرة أخرى ، كما توقع ماركس ، فإن التكنولوجيا تزيد من هذه التأثيرات ، واليوم ، يناقش الاقتصاديون مرة أخرى احتمال تحول العمالة على نطاق واسع من خلال الأتمتة..في الحد الأدنى، تقدّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن 14٪ من الوظائف في الدول الأعضاء، أي ما يقرب من 60 مليونًا، هي "قابلة للاتمتة". في النهاية، تقدر شركة الاستشارات ماكينزي أن 30٪ من ساعات العمل على الصعيد العالمي يمكن أن تكون أتوماتيكية او مؤتمتة. ومن المتوقع أن تتركز هذه الخسائر بين القطاعات غير الماهرة من القوى العاملة. 
 
اعادة تشغيل هؤلاء العمال ما زال سؤالاً مطروحا، و الخوف من إمكانية الأتمتة لتشتيت العمال يجب ان لا يلقي بالا لما يسمى ب (نظرية محدودية العمل المغلوطة) وتفرض هذه النظرية أنه لا يوجد سوى قدر محدود من العمل الذي يتعين القيام به، وبمجرد التحول الآلي، لن يكون هناك شيء للبشر. لكن الانخفاض المطرد في معدل مشاركة القوى العاملة من الرجال في سن العمل على مدى السنوات الخمسين الماضية يوحي بأن العديد من العمال الذين تم خلعهم لن يتم استيعابهم في القوى العاملة السوق. 
 
إن نفس العملية التي تؤدي إلى الاستغناء عن العمال -التغير التكنولوجي المدفوع بالمنافسة مرتبطة أيضًا بتركزفي السوق، مع وجود شركات أكبر وأكبر تهيمن على الإنتاج. لقد تنبأ ماركس بعالم يحتكر المنافسة، حيث يتمتع شاغلو المنصب بالأرباح الاحتكارية، وتحارب الشركات الأصغر للتخلص منها، ويحاول المنافسون الجدد الابتكار من أجل الحصول على حصة في السوق. وظهرت شركات ما يسمى نجومsuperstar ، التي تشمل شركات مثلAmazon، وApple، وFedEx، تهيمن على قطاعات بأكملها، تاركةً المنافسين الجدد يحاولون الاختراق والابتكار. تتفوق الشركات الكبيرة على خصومها من خلال الابتكار والشراكات، وأيضًا عن طريق شرائها للخصوم والاستغناء عن جيوشها الاحتياطية، أي استبعاد العمال. 
 
تشير الأبحاث التي أجراها الخبير الاقتصادي ديفيد أوتور وزملاؤه إلى أن ارتفاع الشركات السوبر ستارز قد يساعد بالفعل في تفسير انخفاض حصة العامل من الدخل القومي في جميع الاقتصادات المتقدمة. ونظرًا لأن الشركات الخارقة هي أكثر إنتاجية وكفاءة من منافسيها،فإن اليد العاملة هي أقل بكثير من تكاليفها. منذ عام 1982، ازداد التركيز في القطاعات الاقتصادية الستة التي تمثل 80٪ من العمالة في الولايات المتحدة وهي التمويل والتصنيع وتجارة التجزئة والخدمات وتجارة الجملة والمرافق والنقل. وكلما زاد هذا التركيز قلت حصة العمال من الدخل. في التصنيع الأمريكي، على سبيل المثال،انخفض تعويض العمال من نصف القيمة المضافة في عام 1982 إلى حوالي الثلث في عام 2012. 
 
الفائزون والخاسرون
 
في عام 1957، وفي أوج ازدهار أوروبا الغربية في فترة ما بعد الحرب، أعلن الاقتصادي لودفيج إيرهارد (الذي أصبح فيما بعد مستشارًا لألمانيا الغربية) أن "الرخاء للجميع والازدهار من خلال المنافسة مرتبطان بشكل لا متلازم؛ ومع ذلك، فإن المشهد الأول يحدد الهدف، والثاني هو الطريق الذي يؤدي إليه." ومع ذلك، يبدو أن ماركس كان أقرب إلى الواقع بتوقعه أنه بدلاً من الازدهار للجميع،فإن المنافسة ستخلق فائزين وخاسرين، حيث يحددالفائزون بأولئك الذين يستطيعون الابتكار والكفاءة.
 
يمكن أن يؤدي الابتكار إلى تطوير قطاعات اقتصادية جديدة، فضلاً عن خطوط جديدة من السلع والخدمات في القطاعات القديمة حيث يمكن أن تمتص العمالة من حيث المبدأ، وتقلل من صفوف جيش الاحتياط وتزيد الأجور. وبالفعل، فإن قدرة الرأسمالية على التوسع وتلبية رغبات واحتياجات الناس قد أذهلت ماركس، حتى عندما أدان تبذير النظام والتشوهات التي يسببها للأفراد.
 
المدافعون عن النظام الحالي، وخاصة في الولايات المتحدة،غالبا ما يجادلون بأن التركيز على عدم المساواة الاستاتيكي (توزيع الموارد في وقت معين) يحجب المساواة الديناميكية للحراك الاجتماعي. على النقيض من ذلك،افترض ماركس أن الطبقات تتوارث، وأن الثروة تنتقل بفعالية بين الأجيال، وأن أبناء الرأسماليين سيستغلون أبناء العمال عندما يحين وقتهم. لفترة، بدا أن أبناء الطبقة الوسطى لديهم فرصة عادلة في أماكن التبادل مع أبناءالخمسة بالمئة من الطبقة العليا ولكن مع تزايد عدم المساواة، تنخفض الحركية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال،نجد بحثان حديثان قام بهما الاقتصاديان برانكو ميلانوفيتش وروي فان دير وايدي أن عدم المساواة يضر بنمو الدخل للفقراء وليس الأغنياء.
 
وفي الوقت نفسه، تكهن Piketty بأنه في حالة استمرار الممارسات الحالية، يمكن أن تتطور الرأسمالية لتصبح نموذجًا جديدًا للتراكم "تراثيًا"، حيث تتفوق الثروة العائلية على الجدارة. 
 
التحدي الكينزي
 
لم تترك نظرة ماركس الشاملة للعالم مجالاً للتخفيف من سلبيات الرأسمالية. وكما ذكر هو ومساعده فريدريك إنجلز في البيان الشيوعي، "إن السلطة التنفيذية للدولة الحديثة ليست سوى لجنة لإدارة الشؤون المشتركة للبرجوازية." 
 
حتى وقت قريب، بدا أن الحكومات في الغرب تتحدى هذا الادعاء. التحدي الأكبر الذي واجهته وجهة نظر ماركس جاء من إنشاء وتوسيع دول الرفاهية في الغرب خلال منتصف القرن العشرين، في كثير من الأحيان (ولكن ليس فقط) من قبل الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي تمثل الطبقة العاملة. المهندس المعماري لهذه التطورات كان الخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز، الذي جادل بأن النشاط الاقتصادي لم يكن مدفوعًا بقرارات الاستثمار الرأسمالية بل بقرارات الاستهلاك الخاصة بالناس العاديين. إذا تمكنت الحكومات من استخدام أدوات السياسات لزيادة الطلب الكلي، فإن الطبقة الرأسمالية سوف تستثمر في الإنتاج. تحت راية الكينزية ، حققت أحزاب كل من يسار الوسط ووسط اليمين شيئًا اعتقد ماركس أنه مستحيل: الكفاءة ، والمساواة ، والعمالة الكاملة ، كلها في نفس الوقت. 
 
كان ماركس يؤمن باستقلال السياسة، واعتقد أن ذلك يكمن في القدرة على الاختيار بين الرأسمالية واي نظام آخر. كان يعتقد إلى حد كبير أنه من الحماقة محاولة ترويض الأسواق الرأسمالية بشكل دائم من خلال (سياسة الديمقراطية. (ومن هذا المنطلق ، يتفق ماركس مع الاقتصادي ميلتون فريدمان الموالي للرأسمالية.
 
في ظل الرأسمالية، تنبأ ماركس بأن المطالب التي يفرضها تراكم رأس المال و ربحيته ستحد بشكل دائم من الخيارات المتاحة للحكومات وتقوض استمرارية أي إصلاحات على المدى الطويل. يبدو أن تاريخ العالم المتقدم منذ السبعينات قد أثبت هذا التنبؤ. على الرغم من الإنجازات التي حققتها فترة ما بعد الحرب، وجدت الحكومات نفسها في نهاية المطاف غير قادرة على التغلب على القيود التي تفرضها الرأسمالية، حيث أن التوظيف الكامل، وقوة العمل التي جاءت معها، قللت من الربحية. في مواجهة المطالب المتنافسة للرأسماليين، الذين سعوا إلى التراجع عن تسوية ما بعد الحرب بين رأس المال والعمالة او سوق العمل،وبينما عملت الشعوب إلى إبقاء هذه التسوية، استسلمت الدول إلى الأول. وعلى المدى الطويل، كانت المصالح الاقتصادية لرأس المال هي التي انتصرت على التنظيم السياسي للشعب. 
 
الماركسية اليوم
 
واليوم، تظل مسألة ما إذا كانت السياسة قادرة على ترويض الأسواق مطروحة. إحدى القراءات للتغيرات التي طرأت على الاقتصادات المتقدمة منذ السبعينات هي أنها الاتجاه الطبيعي للرأسمالية للتغلب على السياسة أو الديمقراطية أو غيرها. ووفق هذه الرواية، كانت السنوات الثلاثين المجيدة قد اثبتت انه وفي ظل الظروف العادية، لا يمكن الجمع في وقت واحد بين الكفاءة، والتوظيف، والتوزيع العادل للدخل. وأي محاولة للجمع فهي عابرة،وعلى المدى الطويل، تشكل تهديدًا لكفاءة السوق. 
 
ومع ذلك، لابد من الاعتراف بأن السياسة في العصر الذهبي للعولمة، والتي جمعت بين النقابات القوية، وإدارة الطلب الكينزية، والسياسة النقدية المتساهلة، وضوابط رأس المال، لم تتمكن من تقديم شكل من أشكال المساواة الرأسمالية المستدامة. لكنها اثبتت أنه لا يمكن لأي شكل آخر من أشكال السياسة أن يفعل ذلك. 
 
التحدي اليوم هو تحديد ملامح اقتصاد مختلط يمكن أن يحقق بنجاح ما حققه العصر الذهبي، وهذه المرة بمساواة أكبر بين الجنسين ومساواة عرقية. وهذا يتطلب تبني روح الماركسية، إن لم يكن كل جانب من نظرياتها، معالاعتراف بأن الأسواق الرأسمالية، بل وفي الواقع الرأسمالية نفسها، قد تكون أكثر الترتيبات الاجتماعية ديناميكية على الإطلاق التي ينتجها البشر. إن الحالة العادية للرأسمالية هي تلك التي كما كتب ماركس وإنجلز في "البيان الشيوعي"، "كل ما هو صلب يذوب في الهواء". هذه الديناميكية تعني أن تحقيق الأهداف المتساوية سيتطلب تكوينات مؤسسية جديدة مدعومة بأشكال جديدة من السياسة. 
 
عالم التكنولوجيا
 
مع تفاقم أزمة العصر الذهبي في السبعينيات، تساءل الخبير الاقتصادي جيمس ميد ما هي أنواع السياسات التي يمكن أن تنقذ الرأسمالية الديمقراطية الاجتماعية القائمة على المساواة، مع الاعتراف بأن أي إجابة واقعية يجب أن تنطوي على تجاوز حدود الكينزية. وكان الحل الذي قدمه هو دعم إعادة توزيع دخل دولة الرفاه من خلال إعادة توزيع الأصول الرأسمالية، بحيث يعمل رأس المال لصالح الجميع. لم تكن رؤية ميد هي ملكية الدولة، بل هي ديمقراطية واسعة الملكية، حيث كانت الثروة موزعة بشكل متساوٍ أكثر، لأن توزيع السعة الإنتاجية كان أكثر مساواة. 
 
لا تكمن النقطة في أن الملكية الرأسمالية الأوسع هي حل لمشاكل الرأسمالية في يومنا هذا، على الرغم من أنها قد تكون جزءًا من احد الحلول. بدلا من ذلك، إذا كان الساسة دعاة المساواة اليوم، بمن فيهم بيرني ساندرز في الولايات المتحدة وجيريمي كوربين في المملكة المتحدة، سينجحون في مشاريعهم بتهجين الأسواق وإنعاش الديمقراطية الاجتماعية للقرن الحادي والعشرين، فإنها لن تنجح مع السياسات القديمة. و كما يعترف ماركس، في ظل الرأسمالية لا يوجد عودة للوراء.
 
* نشر المقال بمجلة الشؤون الخارجية، معهد العلاقات الخارجية "Council on Foreign Relations"، الولايات المتحدة، تموز/اب 2018.
 
** روبن فارجيز هو مدير مشارك في برنامج الانخراط في التقدم الاقتصادي لدى مؤسسة المجتمع المفتوح كما يعمل محرراً لمجلة "Three Quarkes Daily".
 
الترجمة بتصرف: مكتب النائب خالد رمضان.