Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Dec-2019

إشكالية التطور والخوف من الحداثة والتحديث (1-2)*د.عبد الرحيم جاموس

 الدستور

يقول الله عز وجل في محكم التنزيل (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ويقول عز وجل (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ويقول عز وجل (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) إلى آخره من الآيات الكريمة التي يقرُّ فيها الخالق عز وجل سنة وفطرة الحداثة والتنوع والتعدد، والتغيير، والتدافع التي فطر الله عز وجل الكون عليها، بما فيه من تنوع وتعدد وتباين في المناخ والتضاريس والكائنات الحية من حيوان ونبات، ويأتي من بيننا من يدبون الصوت، ويعلون عقيرة المحافظة، ورفض الحداثة والتنوع والتعدد والتغيير والتحول، بإسم الخوف على الدين وعلى العقيدة، التي تعهد الله في محكم التنزيل بحفظها في قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
التحديث والحداثة ضروتان تستقيمان مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها والخلق والكون فما هي مبررات الخائفين والمرتعدين من كل حديث وجديد، إنه قصور الفهم أولا للدين وللتوجيه الإلهي، والمحافظة على القائم لما فيه من مصالح متحققة ثانيا، هما مبررات أولئك الذين يتصدون لكل حديث وجديد، ولكل محاولة للتغيير والتطوير والتطور في حياة الناس والمجتمع، ولا يرون ذاتهم ومصالحهم إلا في السكون والثبات وعدم التغيير، ولا يدركون أن ذلك يتنافى مع أبسط مفاهيم التوجيه الإلهي ويجتهدون في تطويع بعض الأحاديث الشريفة، والآيات الكريمة لتبرير مواقفهم السلبية من الحداثة والعلمية والتنوير، دون أن يدركوا أن دون ذلك يعني التكلس والتجمد والتخلف، عبر التاريخ القديم كان التوجيه الإلهي والخطاب السماوي والرسل والأنبياء هم قادة الحداثة والتغيير ونقل المجتمعات البشرية من حال إلى حال، حيث تم تثبيت العبودية لله الواحد الأحد، وتكليف العقل بكل ما سواها في مختلف شؤون الحياة لقوله صلى الله عليه وسلم (أنتم أبصر بشؤون دنياكم).
في هذه المقالة وددت أن أطرح إشكالية الخوف من التغيير والحداثة والتجديد والتنوير والتطوير والعلمية، إنها ليست من الدين مطلقا، وإنما تعبر عن مصلحة من هم مستفيدون من أي وضع قائم لذا يرفضون مبدأ التجديد والحداثة وما شابه ذلك لأنهم يعتقدون أن في ذلك الإطاحة بمصالحهم وبتسيدهم، مدعين أن هذا هو الوضع الأمثل وفق التوجيه الإلهي، وينصبون من أنفسهم وكلاء ومتحدثين باسم الذات الإلهية، وهنا تكمن روح النفعية والإستبداد وتبريرهما بإسم الدين وبإسم الله، والله والدين من ذلك براء.
لا يمكن لأمة أن تنهض وأن تتقدم بالجمود والسكون، بل تفقد مبرر وجودها، لإفتقادها لمعايير الصلاح ومعاندتها فطرة الخالق في الخلق والكون، والذين يعيبون على أوروبا إنهاء حقبة القرون الوسطى قرون الحروب المقدسة والظلام حين كانت الكنيسة ورجال الدين المسيحي يتحكمون في كل شؤون الحياة الزمنية والأخروية إلى درجة بيع أراضي في الجنة، ومنح صكوك الغفران للمخطئين، وكأنهم يخطؤون عملية إنهاء إستبداد هذا الكهنوت المنحرف أصلاً عن التوجيه الإلهي سواء في الإنجيل أو غيره من الكتب السماوية، تحت إدعاءات سقيمة أن العلمانية تعني مخالفة الدين، وفصله عن الدولة، ويقومون بعملية إسقاط على المجتمعات العربية ليبرروا رفضهم للحداثة والتغيير والتنوير والعلمانية، دون أية مقاربة علمية لواقع المجتمعات العربية الإسلامية مع واقع أوروبا القرون الوسطى، حيث إننا أمام واقعين مختلفين، فلا يوجد في الإسلام أيٍ من المفاهيم اللاهوتية المسيحية التي كانت سائدة ومستبدة في حياة البشر والدول في أوروبا في القرون الوسطى.