Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Oct-2017

الملّف ! - د. لانا مامكغ

 الراي - «أشعرُ أنَّي أعرفكِ منذُ ألفِ عام... أرتاحُ جداً حين أراكِ... ما يحدث يقولُ لي إنَّكِ نصفي

الآخر الذي أبحثُ عنه!» عباراتٌ سمعتُها منه تباعاً وفي لقاءات عابرة بيننا، فرنَّت ببهجةٍ في أذني وفي قلبي... أربكتني وأسعدتني وملأتني فرحاً! لم يكن وسيماً بالمعنى الحرْفي للوصف، لكنَّه كان متحدِّثاً لبقاً، طليق الّلسان، يُحسنُ اختيارَ مفرداتِه؛ فيجذبُ ويأسرُ ويشدُّ الآخرإلى دائرةٍ من السّحرلا يستطيعُ منها فكاكاً...
 
وهكذا وجدتُ نفسي أبادلُه مشاعرَه، فكان من الطّبيعي أن نعلنَ خطوبتَنا ونشرعُ في الاستعدادِ لحياةٍ مشتركة، ولمَّا كان يردِّدُ دوماً أنَّه يرتاح بالتّفكيرِ أمامي بصوتٍ عال؛ بدأ يُطلعني تدريجيّاً على ظروف نشأتِه ومعاناتِه في طفولته التي بدأت برحيل الأم، ثمَّ اضطرارالأب للاستعانة بإحدى القريبات لتربيته، وما ترتّبَ على ذلك من حرمانٍ عاطفي ومادِّي، إضافة إلى الإهمالِ والعنف الذي كان يتعرَّضُ له، والذي كان يُضطره لاقتناص حاجاته الرّئيسيّة من طعامٍ وغيره بالتّحايل والالتفاف... فتعاطفتُ معه بشدّة، إلى درجةِ أنِّي عاهدته على تعويضِه عمَّا مرَّ به، وعلى إسعادِه بكلِّ ما أستطيع.
 
ثمَّ صارَ يُحدِّثني عن ظروفِ عملِه؛ الصّداقات والزّمالات والعداوات... فبدأت تستوقفني تدريجيّاً الأساليبُ التي كان يتّبعُها ممَّن يقتربُ من امتيازاتِه ومكاسبِه الوظيفيّة، منها مثلاً ما فعله حين عُيَّنَ مديرٌ جديد في مؤسسَّسته، ذاك الذي شاء إعادة النَّظر في البنيّة الإداريّة وإجراء بعض التّنقلات لغايات تطويرِ الأداء، فكان هو ممَّن نقلوا إلى موقعٍ آخرلم يناسبه، وبدلَ أن يعترض رسميَّاً، أو يحاولَ التّكيّف مع الوضع الجديد؛ أو يحاولَ تعلّم مهارة جديدة، قامَ بشنِّ حملةٍ « فيسبوكيّة « شعواء على الرّجل بحساباتٍ مزّيّفة...
وهمسَ لي بفخر أنَّه انتقمَ من مسؤولٍ آخر استبعده من إحدى الّلجان بشنِّ حملةٍ أخرى عليه بالاتّفاقِ مع صديقٍ له يملكُ موقعاً الكترونياً ! وحين كنتُ أبدي اعتراضي على تلك الأساليب؛ كان يردُّ بثقة أنَّنا نعيشُ في غابة... وإن لم يكن ذئباً، فستأكلُه الذّئاب... كان يُمارسُ ما يمكن أن يُسمَّى «القتلُ الأبيض»... بدمٍ بارد وبمتعةٍ ما بعدَها متعة !
هذا في الوقت الذي كان يتقنُ فيه فنونَ التّقرّب من بعضِ صانعي القرار بما يملكُ من طلاقةٍ وقدرة على قلبِ الحقائقِ وتشويهِها بأرقِّ الطّرق وأخبثِها !
 
وكلَّما كنتُ أُثيرُ موضوعَ القيم... كان يبتسمُ بسخرية ليتَّهمَني بعدها بالسّذاجةِ والمثالية وقِصَرِ النّظر... باختصار، وجدُتني أمامَ مخلوقٍ انتهازي، لازَمه بؤسُه الطّفولي ليُصبحَ نهجَاً ومرجعاً له في إدارة حياته لاحقاً؛ كنتُ أتعاملُ مع مخلوقٍ مذعور، قنّاصِ فرص، نفعيّ، وصوليّ، الغايةُ عنده تبرّرُ الوسيلة !
 
ومع مرورِ الوقت، بدأتُ أفكِّرُ بالانسحابِ... فليس هذا الذي يصلحُ أن يكونَ أباً لأطفالي، وليس قطعاً الرّجلَ الذي يمكن أن أشعرَ معه بالأمان، إذ ليس لدّي ما أقدّمُه له سوى الإشفاق...
تجربةٌ جعلتني أكتشفُ كيف أنَّ لكلٍّ منّا ملَّفاً ما يحوي تاريخاً غيرَ موثّقٍ وغيرَ منظورٍمن التّجارب والخبرات الطّفوليّة، تلك التي يصعبُ التنبّؤ بردودِ أفعالِنا تجاهَها لاحقاً، فلا قاعدة مطلقة يمكنُ اعتمادُها في تكوينِ النّفسِ البشريّة.
 
في السّياقِ ذاتِه، بدأتُ بمحاسبةِ نفسي؛ لماذا تهالكتُ وضعفتُ سريعاً لمَّا أسمعني تلك العباراتِ في بدء العلاقة ؟ كنتُ قد استمتعتُ بإرضاء غروري ليسَ إلا، لكن لم يكن ذلك كافياً للدّخول معه في ارتباط... لعلّي بحاجةٍ لالتفاتةٍ متمعّنة إلى ملفّي الشّخصي أيضاً... أتُراني أعاني من نقصٍ ما له جذورُه في طفولتي أنا أيضاً... من يدري ؟