Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Dec-2019

دارة للتصميم الفني ومطلة جبل الجوفة

 الراي-وليد سليمان

الدوق ممدوح بشارات هوعاشق ولهان لفنون العمارة، وتراث عمان الضاربة جذورها في التاريخ الانساني.
 
والبشارات يدفعه شغفه وحبه للأردن للإلتزام بإخلاص بتقديم صورة بلاده عبر جهود فنية مختلفة، سواءً عبر إنقاذ الآثار، أو المحافظة على التراث الثقافي، أو تشجيع ودعم المواهب في مختلف المجالات الإبداعيّة.
 
والبشارات هو العَمَّاني الحريص على أماكن عمان القديمة.. فقد كانت له أفكار وإسهامات جليلة بإبراز ذاكرة المدينة التاريخية والشعبية لتكريس ألقها وحضورها الدائم في أيامنا الحاضرة.
 
فقد ساهم منذ سنوات سابقة بفكرة إنشاء متحف الفسيفساء في إحدى قاعات المدرج الروماني.. ثم بإنشاء بيت الشِّعر بجبل الجوفة.. وبدارة الفنون بجبل اللويبدة.. وبتأسيس المتحف الوطني بجبل اللويبدة.. وبرفع أعمدة هرقل على أعلى قمة جبل القلعة... وغير ذلك من المتاحف والأماكن والبيوتات الثقافية والفنية والشعبية في عمان.
 
ومن آخر أعماله للمحافظة على التراث وتشجيع الفنون والفنانين في عمان أنه وقبل سنة تقريباً وبالقرب من بيته العريق في جبل الجوفة، أستأجر بيتاً كان مهجوراً- يطل على وسط البلد وعلى معظم جبال عمان القديمة الجميلة–حيث أعاد ترميم هذا البيت مع ساحته الواسعة للوقوف والجلوس فيها، كي يستمتع الضيوف بمشاهدة جبال عمان القديمة والساحرة بجمال تفاصيلها البديعة.
 
ومن أعماله الشخصية الأخيرة كذلك أنه قام بتخصيص دارةٍ للتصميم الفني لكل من يرغب من الفنانين، في شارع الملك الحسين- السلط قديماً- والذي يقع قُرب نفق الحدادة في عمان.
 
أما متحفه الخاص القديم- ديوان الدوق- والذي أنشأه في العام 2001 في شارع الملك فيصل بجانب البنك العربي فقد أشتهر في كل أنحاء العالم، حيث زاره ويزوره المواطنون والعرب والسياح الأجانب بكثرة.
 
فديوان الدوق مقره في مبنى حجري تراثي أقيم قديماً في عام 1924، حيث تنبعث من جدرانه ونوافذه وبلاطات أرضه وسقوفه رائحة التاريخ والحنين الى ماضٍ عَمَّاني مجبول بالكثير من المحبة والألفة والتواصل الاجتماعي.
 
فقبل نحو 20 عاماً كان سمو الأمير الحسن بن طلال على رأس من يفتتح هذا الديوان المزدهي بالذكريات والبراءة وعراقة الجذور.. تلك التي كوَّنت نواة عمان القديمة والمتحضرة، بتفاصيل وتصاميم بناء تلك العمارات والبيوت والمحلات على الطراز السلطي و الدمشقي و المقدسي.
 
فهناك العديد من الأقواس والحنايا الحجرية التي تعلو نوافذ وأبواب هذا الديوان.. كذلك تلك الزخارف وفنون الحفر لتلك الأبواب والنوافذ الخشبية.. ثم هذا العلو الشاهق للأسقف، مع تواجد الجسور الحديدية القديمة لتقوية الأسطح والسقوف.
 
وفي هذا المتحف يشاهد الزائر العديد من مقتنيات هذا الديوان او المتحف والذي ضم بين جنباته (6) غرف او قاعات صغيرة عدا عن صالون يتوسط المكان.
 
ومن تلك المقتنيات الاردنية التراثية التي قام على جمعها صاحب الذوق الفني الرفيع البشارات: عدد من الطاولات الكبيرة، والمناضد الصغيرة القديمة بأشكالها المختلفة، فمنها ما صنع من الخشب، ومنها النحاسي ومنها الرخامي، أما الكراسي فمنها ما كان من الخشب والقش والقماش.
 
وفي هذا المتحف الديوان نرى هذا الاهتمام الخاص بلوحات الفن التشكيلي الكبيرة والصغيرة التي تُجمِّل وتُثري المكان بالمتعة البصرية إذ ان بعضها كان مشغولاً بالفسيفساء.
 
أما عن بعض الأعمال الفنية التطبيقية فقد تنوعت من صحون وأطباق وأكواب، جميعها مصنوعة من الخزف المطلي بالميناء وبرسوم وزخارف ملونة.
 
وفي نظرة لبعض رفوف خشبية في قاعتين.. فقد شاهدنا العديد من كتب الفنون والمجلات وبعضها كان باللغة الانجليزية.
 
وفي إحدى القاعات رجعت بنا الذاكرة الى البيت القروي العربي القديم، حيث الفرشات والوسائد والبسط الأرضية المزخرفة للجلسات العائلية، والزيارات الأخوية التي تُذكرنا بالبساطة والهناء. ولم يترك الدوق البشارات أي قديم يذكرنا بالماضي الجميل إلَّا وعرضه في ديوانه، من صور فوتوغرافية نادرة كانت باللونين الأبيض والأسوَد ولشخصيات ملكية أردنية وفنانين عرب مشاهير.
 
وفيه أيضاَ صور لمشاهد قديمة جداً من عمان، كسيل عمان وشوارعه عام 1938، وصور أخرى لجسر العسبلي، والمدرج الروماني قديماً قبل ترميمه.
 
وما يلفت الانتباه كذلك تواجد عدة مرايا دائرية ضخمة، كانت وما زالت مثبتة على جدران الصالون حيث يعتقد انها موجودة في هذا المكان من حوالي خمسين عاماً، وصندوق نحاسي جميل لماس أحذية، وتلفونات قديمة وغير ذلك.
 
ويُذكر ان هذا المكان والذي انشئ في العام 1924 قد أُستخدم كمقر لبريد عمان.. ثم كمقر للمالية حتى عام 1950، لكنه تحوَّل الى فندق اسمه «فندق حيفا» فيما بعد وقد استمر استخدامه كفندق لمدة تقدر بأربعين عاماً، حتى توقف عن العمل وظل المكان خالياً ومهجوراً.. الى أنْ دبت على أرضه وجدرانه وهوائه الحياة والحركة بتحويله الى متحف صغير وديوان عربي تراثي أردني عريق، بعد القيام ببعض الترميمات الأولية البسيطة ليظل المبنى محافظاً على أصالته القديمة.
 
أما عن ممدوح الدوق البشارات فهو يتقن ثلاث لغات هي العربية والانجليزية والفرنسية، ومثقف فريد مطلع على معظم ثقافات العالم.
 
ومع كل ذلك فإن المهم لديه أكثر هو الفعل.. ماذا فعلت؟! وماذا قدمت لبلدك ووطنك؟! وما أثر ذلك على أبناء شعبك أو مدينتك؟! من ناحية ثقافية أو اجتماعيه أو حتى مهنية؟!.
 
لذا فقد ساهم الدوق بتشجيعه الفنانين التشكيليين بشراء بعض أعمالهم وإتاحة الفرصة لهم لعرض أعمالهم في ديوانه بوسط البلد في شارع الملك فيصل مجاناً.
 
ثم ان البشارات يقوم بإطلاع المثقفين والفنانين على تراث لوحات المستشرقين عبر الكتب الضخمة المصورة التي اشتراها قديماً من لندن وبريطانيا.
 
وفي منزله القديم والتراثي الجميل والكائن على أحد تلال جبل الجوفة المقابل لآثار جبل القلعة ما زال الفنان البشارات متمسكاً بكل ذرة تراب وحجر وشجر في هذا المكان الذي عاش فيه وأسرته منذ القديم.
 
إنه صديق رائع لكل شيء في هذا المكان الشعبي والقريب أيضاً من المدرج الروماني ولبيت الشِّعر الذي سكنه قديماً الأمير نايف بن عبدالله الأول.
 
أما عن حجارة منزل الدوق فقد كان هناك محجر في جبل الجوفة نفسه، اقتطعت منه الحجارة، أما الرمل فقد تم نقله من سيل عمان على الدواب، ثم كانت العزيمة والإرادة والحب فشيَّد والده هذا البيت الجميل الذي يعانق سماء عمان. وفي منزله الواسع هذا يمكن شم رائحة العراقة والشعبية والاصالة العربية وتاريخ الحضارات القديمة أيضاً.
 
فهناك في حديقة المنزل بقايا حجارة وأعمدة وآثار رومانية كانت قديماً جداً وما زالت، ومن حولها الاشجار المعمرة من الخروب والصنوبر والبلوط.. وننظر الى داخل هذا البيت فنلاحظ متحفاً رائعاً يجمع ما هو قديم محلي وعالمي أصيل، مثل لتماثيل الأثرية ولوحات لفنانين أردنيين وعرب وأجانب، وتحف نادرة، وكتب تراث وتاريخ وفكر وفنون وآداب.