Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Sep-2020

تراث الشعر الأمازيغي في المغرب: لمحة عن شعر سيدي حمو الطالب

 القدس العربي-رشيد أمديون

 
إن الناظر إلى الثقافة الأمازيغية يجد أن التراث الشعري الأمازيغي الشفهي، ما زال يحظى باحترام وتقدير المغاربة من أبناء منطقة سوس في الأطلس الصغير والكبير، باعتباره شكلا تعبيريا ساهم في تنمية ملكتهم الإبداعية… وكما أنه ما زال الشعراء منهم ينظمون قصائدهم على منوال السالفين، مستحضرين أعلام هذا الشعر، وما طبعوا به هذا الفن من إبداع ساهم في بنية الأغنية السوسية وتطويرها، ومنهم خاصة مؤسس فن الروايس* الشاعر الغنائي الحاج بلعيد (1873-1945) وغيره من الشعراء قبله، ممن لم تصمد الذاكرة الجماعية أمام التحولات والمتغيرات الزمنية من الاحتفاظ بأسمائهم، إلا قلة منهم تركوا إرثا أدبيا ضخما، يحتاج إلى مزيد من الجهود قصد جمعة ودراسته. ومن هذا المنطلق يعد كتاب «الشعر الأمازيغي المنسوب إلى، سيدي حمو الطالب نبشا في التراث الشعري الشفهي لأحد أبرز شعراء سوس في الأطلس الصغير، يسمى سيدي حمو بن عبد الله. وقد حاول الباحث عمر أمرير من خلال هذا الكتاب أن يتناول الشعر المنسوب إلى هذا الشاعر، سائرا في ذلك على منهج التعريف، والتركيز على الوصف، والتقرير والتحليل.. فبيّن أن الشاعر عاش ما بين القرنين الميلاديين 17 و18، وعاصر أواخر حكم السلطان المولى إسماعيل، وما عرفته سياسة المغرب إبانها من اضطراب، بين السلاطين أحمد وعبد الملك وعبد الله، وما نتج عن ذلك من تمزق سياسي، أدى إلى كثرة الثوار، خصوصا في القطر سوسي. وهذه المرحلة هي التي صادفت نبوغ الشاعر سيدي حمو الطالب، إلى أن تولى محمد بن عبد الله بن إسماعيل الحُكم، وهو ما يمثل المرحلة الثانية، أي أنها آواخر حياة الشاعر.
كما أشار الباحث في سياق التعريف إلى قرية الشاعر التي تسمى «آزڭروز» وتقع في إقليم تارودانت، مسقط رأسه، ثم ذكر الأماكن الأخرى التي زارها، أو حيث فتح عليه بالشعر (كأولوز التي كانت البداية). ثم أشار الباحث إلى تكوينه الثقافي والفقهي، وذكر اسم شيخه سيدي حسين الشرحبيلي (1142هـ) الذي كان ينتقل في بقاع سوس، حيث بنى فيها المدارس والأسواق.. وهذه الثقافة الفقهية للشاعر هي التي منحته لقب الطالب (أي الفقيه) فألحق باسمه. أما عن نسبه الصوفي، فقد تمظهر في عبارة التقدير (سيدي)، والتي تدل على ما له في قلوب معاصريه من مكانة رفيعة، بحيث أن الناس كانوا يعتبرونه من الصلحاء الصوفية ممن يطلق عليهم في المجتمع السوسي «ايڭورامن»، وهذه الكلمة مشتقة من «تيڭورّما» أي التصوف، ولهذا السبب يلحق باسمه كلمة «ايڭلين» في الشعر المروي عنه، وهي كلمة تعني في العربية «الفقير» وهو اللقب الذي يطلق على المتصوفة في عموم المغرب، الفقير/الفقراء، أي الدراويش كما في المشرق العربي.
أما في ما يخص شاعريته، فإن هناك من يماثله بشخصيات وشعراء في تاريخ الآداب الإنساني، فنجد في المغرب من شبهه بالصوفي سيدي عبد الرحمن المجذوب، ومنهم من شبهه بامرئ القيس والنابغة الذبياني عند العرب، وبهوميروس عند اليونان (من ناحية الشهرة طبعا). وذهب الباحث إلى أن الشعر الأمازيغي عرف تطوره انطلاقا من عهد الرومان، حيث كان الأمازيغ ينظمون الملاحم. ثم ظل الشعر حاضرا بعد مجيء الإسلام، فنجد أن هناك ملحمة تصف فتح افريقيا وتشيد بشهامة عبد الله بن جعفر… إلى غاية القرن العاشر، حيث عرف المجتمع الأمازيغي نشاطا دينيا صوفيا، خاصة في سوس. أما القرن الحادي عشر فقد ظهر الشاعر محمد آمحاولو الأيسي.. إلى جانب فقهاء كان لهم دور في ترجمة كتب فقهية من العربية إلى الأمازيغية، قصد التعليم والحفظ، خاصة للذين لا يتقنون العربية، وكانت هذه الترجمة عبارة عن منظومات.. ومنهم امحند أو علي آوزال نموذجا، الذي عاصر سيدي حمو الطالب، وصولا إلى القرن الرابع عشر الهجري، الذي هو عصر تجديد انطلاقة الشعر الأمازيغي، إبداعا وتدوينا ودراسة.
ويقر الباحث عمر أمرير كلمة «آمارڭـ» مصطلحا خاصا للشعر الأمازيغي، رغم وجود كلمات غيرها مثل «أورار»، «تازرّات»، «أيموريڭ»، «نضم»، «لغا»، «لهاوا»، «الشعر»، ثم «تاقصيت»، لكن هذه الكلمات ومن بينها آمارك يطلقها الناس بدون تحديد المصطلح، إذ من بينها ما هو خاص بالغناء «أورار»، ومنها ما هو نوع من الشعر «تازارّات»، ومنها ما هو من أصل عربي، ولعله أُخِذ من الملحون مثل «النضم»، و«الشعر» و«القْصِيدة».
 
للشعر الأمازيغي أوزانه الخاصة، وهي أحد عشر وزنا، تبتدئ بـ«آسيف آمزوارو» (أمرزوار تعنى الأول) وتنتهي بـ«آمڭارو» (الأخير). وتسمى الأوزان «أيسافن»، مفرده «آسيف»، ولكل آسيف «اسقّول» أي القياس، ولكل قياس «تالالايت» التي تقوم مقام التفعيلة في العروض العربي.
 
وقد تناول الباحث عمر أمرير في الباب الأول من هذا الكتاب، ما يتعلق بشخصية سيدي حمو الشاعر، ومصادر شعره، موضحا أن اشتهار هذا الشاعر عند الناس واهتمام الأجانب بالترجمة له، وجمع شعره لا ينفي وجود شعراء آخرين في عصره، إضافة إلى الذي ذكره الباحث وهو سيدي امحند أوعلي آوزال، وهو شاعر تذكره القصة التي حدثت لسيدي حمو في بداية حياته الشعرية، إذ أنه كانت بين حمو الطالب وآوزال مناظرة شعرية انهزم فيها الأخير، فثبت ذلك رسوخ كعبه في الشعر. غير أن الباحث يذكر سبب عدم اشتهار بعضهم في الشعر، وهو أنهم كانوا فقهاء، ترجموا من العربية إلى الأمازيغية في شكل منظومات مطولة فقهية وتصوفية، ومع ذلك بقي إنتاجهم محصورا في بطون المخطوطات، في الخزانات الخاصة والعامة… في حين سلك شعر معاصريهما أوزال وسيدي حمو، طريقه إلى صدور الناس، وجرى على الألسن عبر الأجيال إلى الآن.. ويرجع الباحث هذا الأمر إلى أسباب ذكرها، وهو أن هناك ثلاثة عناصر أساسية وضرورية، لابد أن تتوفر عند الشاعر: 1- الموهبة الشعرية 2- الثقافة الشعبية 3- الثقافة الإسلامية. وعلى هذا فالذين طُمس ذكرهم نهائيا قد يكونون افتقدوا واحدا من هذه العناصر.
أما عن مصادر شعره، سواء منها الأجنبية أو المغربية. فقد تناولها الباحث بالدراسة مجموعة من الكتب والمخطوطات، ومنها على سبيل الذكر مخطوطة عبد الرحمن الجشتمي، ومخطوطات الخزانة العامة في الرباط، ومخطوطة الباعقلي التي نشرها «جيستنار».. ومقالة شتوم، وكتاب عن الأطلس الكبير لبول شاتينير، وكتاب هـ. باسي حول الأدب الأمازيغي، وغيرها كثير…
وفي الباب الثاني عرض لمضامين شعر سيدي حمو، وهي الموضوعات المتنوعة التي نظم فيها الشاعر، بحيث تناول في شعره: المرأة، والحب، والزواج… والحياة الدنيا بما فيها من قيم ثابتة تؤهل الإنسان لأن يكون مرضيا، ثم تلك الصفات اللاأخلاقية كالطمع والكبر والغش… كما نجد مؤهلات السعادة التي يعتبرها في محور الأرزاق (المال، العقل، الجمال). ومن الموضوعات أيضا ما يؤهل المتلقي لشعره معرفة المجتمع، حيث يصف القبائل، ونظرته إلى الحكام، وحقيقة الدنيا، واتخاذ الموقف عبر طرح الحِكم. وهذا الشعر الذي كان في الأصل مطولات تجزأت الآن وتفرقت على ألسن الحفاظ، كان هم الشاعر الوحيد هو إصلاح المجتمع، بنعمة الشعر، إضافة إلى ما ضاع من هذا التراث، وهو كثير، خاصة في مجال الأحداث والأوبئة، الذي لم يصلنا منه إلا بعض الإشارات.
 
أما في موضوع الحياة الآخرة، فهو متأثر فيها بتكونيه الديني، كسائر أبناء منطقته من معاصريه، لأن جل هذه الأشعار تستمد غرضها من الأحاديث النبوية، إضافة إلى تصور الشاعر الشخصي للمشهد الأخروي الغيبي، منها سؤال القبر ونعيمه أو عذابه، وقيام الساعة، والمحشر ونفخة الصعق والبعث.. شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والحساب والصراط ومرحلة موت الموت ووصف الجنة، ورؤية وجه الله، والجنة الثامنة… كل هذه المراحل هي موضوع أشعار تُصوّر الحدث الأخروي بشيء من خيال الشاعر غير المفرط. وأعتقد أنه تصور بني على عقيدة الشاعر المعتمدة على المنقول (النصوص)، مع بعض التصورات الشعبية التي لم ترد في الأحاديث التي ذكرت الآخرة. أما في ما يخص الشكل فقد أشار الباحث إلى أن هناك نصوصا شعرية من هذا المنسوب لا تخص موضوعا بعينه، وإنما تعالج موضوعات مختلفة حسب السياق الذي وردت فيه، مثل أن يكون بيتا مستقلا أو بيتين، ثانيهما يكمل معنى الأول، وهو ما يسمى «لمعاني» وتأتي في شكل ما صرح فيه الشاعر بمقصوده الأساسي أو ما كنى به.
وللشعر الأمازيغي أوزانه الخاصة، وهي أحد عشر وزنا، تبتدئ بـ«آسيف آمزوارو» (أمرزوار تعنى الأول) وتنتهي بـ«آمڭارو» (الأخير). وتسمى الأوزان «أيسافن»، مفرده «آسيف»، ولكل آسيف «اسقّول» أي القياس، ولكل قياس «تالالايت» التي تقوم مقام التفعيلة في العروض العربي.
هذا الكتاب، الذي هو في الأصل رسالة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا (1985) بإشراف عباس الجراري، تكمن قيمته الأدبية في إبراز الجانب الشعري لأهل سوس، وغزارة إنتاجهم الأدبي والفني، إلى جانب نبوغهم في مجال العلم والفقه، كما أكد ذلك صاحب كتاب «سوس العالمة» محمد المختار السوسي. كما أن هذا الكتاب يعد مقدمة لعمل يرتجى أن يكون جماعيا، حتى ينكب الباحثون والمهتمون بالثقافة الشعبية على جمع وثائق أخرى غير التي اعتمدها صاحب هذا الكتاب، لإغناء الموروث الشعري الشعبي المغربي بمختلف أنواعه…
٭ فن شعبي غنائي يعتمد فيه الشاعر الغنائي على آلة الرباب الأمازيغي، وقد تكون لهذا الفن جذور تاريخية قبل الحاج بلعيد، لكن فترة ازدهاره بدأت مع هذا الشاعر، خاصة لما سجل في فرنسا سنة (1938) أعماله الفنية في أسطوانات، لتتجاوز بذلك الحدود الجغرافية المحلية لمنطقة سوس.
 
٭ كاتب مغربي