Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Dec-2019

هل ستؤدي الاحتجاجات في إيران إلى إطلاق مفاوضات مع الولايات المتحدة؟

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

نيكولاي كوزانوف* – (معهد الشرق الأوسط) 4/12/2019
في الوقت الحالي، من غير المرجح أن تهدد المظاهرات الحالية بشكل خطير بقاء النظام. ومع ذلك، فإن الشعور واسع النطاق بالقلق الاقتصادي بين السكان قد يؤدي إلى قيام مزيد من الاحتجاجات، مما يزيد الضغط. وفي ظل هذه الظروف، يمكن للاضطرابات أن تحدث تغييراً في التفكير الاستراتيجي الإيراني. في العام 2012، كانت الاضطرابات الناجمة عن ارتفاع أسعار الدواجن والانخفاض اللاحق في قيمة الريال قد أجبرت إيران على العودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
* * *
قد يكون للاحتجاجات التي بدأت في إيران في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) تأثير مباشر على علاقات طهران مع واشنطن. وقد أوضحت المظاهرات التي بدأها قرار الحكومة الإيرانية المفاجئ برفع أسعار الوقود، الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الهش في البلاد. وقد يحفز ذلك القيادة الإيرانية على استخدام كل الوسائل المتاحة تحت تصرفها لتخفيف العقوبات الأميركية. ومع ذلك، بدلاً من محاولة إطلاق مفاوضات مع الولايات المتحدة على الفور، قد تحاول إيران أولاً تكثيف الضغط على أميركا وحلفائها في الخليج لتحسين موقفها التفاوضي وإجبار الولايات المتحدة على أن تكون، رسمياً على الأقل، الأولى التي تقترح إجراء محادثات مباشرة من دون شروط مسبقة.
هل تعمل العقوبات؟
تركت الأحداث التي وقعت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 القليل من الشك حول تأثير العقوبات الأميركية على البلد. فمنذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة فرض العقوبات على إيران وحرمانها من الوصول إلى النظام المصرفي الدولي والأسواق المالية والنفطية، تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد بشكل مطرد. وبحلول نهاية العام 2019، كان النمو الاقتصادي للبلد قد انخفض إلى أقل من 9 سالب في المائة، حيث تسببت العقوبات والمشكلات الهيكلية الداخلية في إيقاع حصيلتها من الخسائر. وفي الوقت نفسه، أدت معدلات البطالة المرتفعة، والتضخم بنسبة 35 في المائة، وزيادة أسعار المواد الغذائية السنوية بنسبة 63 في المائة إلى خلق بيئة مواتية للاضطرابات. وكانت مسألة وقت فقط قبل أن يخرج الناس إلى الشوارع.
وهكذا، عندما قررت السلطات الإيرانية رفع أسعار الوقود، فإنها كانت تدرك جيداً أن اندلاع الاحتجاجات ممكن. وقد لاحظ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه كان هناك منذ أواخر العام 2017 عدد من الاحتجاجات التي تثور في إيران كل شهر “حول قضايا مثل تدهور الأوضاع الاقتصادية، والتدهور البيئي، والمظالم السياسية”. وكان ينبغي أن لا تترك حركات الاحتجاج الكبيرة في العراق ولبنان ضد التقشف أي شكوك بين قادة إيران بأن مواطنيهم لن يتقبلوا جيداً زيادة في أسعار الوقود.
بكونها محرومة من الوصول إلى سوق النفط العالمي، اضطرت إيران إلى قطع برامجها الاجتماعية الضخمة، التي كانت تضمن ولاء شرائح المجتمع ذات الدخل المنخفض، وبالتالي بقاء النظام نفسه. ومثل هذه البرامج مكلفة، حيث بلغ إجمالي دعم الوقود وحده 1.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2017-2018، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وفي 17 تشرين الثاني (نوفمبر)، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، أقر الرئيس حسن روحاني أن الطريقة الوحيدة التي يمكن لإيران من خلالها مواصلة تقديم الدعم الكافي للفقراء هي إعادة الهيكلة وخفض الدعم.
يبدو أن قيادة البلاد كانت تأمل في أن تسمح لها تدابير التقشف والإصلاحات الاقتصادية، إلى جانب إدارة الاضطرابات الداخلية، بالصمود على الأقل حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020؛ حيث تتوقع طهران الدخول في مفاوضات شاملة مع الغرب لرفع العقوبات عنها. لكن السؤال الأساسي هو ما إذا كانت إيران ستكون قادرة على النجاة حتى ذلك الحين. وقد أقر قادة إيران ضمناً بأن الوضع الاقتصادي غير مستدام. وخلال خطاب ألقاه في 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن الاضطرابات (أو “المؤامرة” كما وصفها)، كانت “واسعة وخطيرة للغاية”. وفي الواقع، اتخذت الحكومة سلسلة من التدابير غير المسبوقة لقمع الاحتجاجات، بما في ذلك عزل البلد عن حركة الإنترنت الدولية.
في الوقت الحالي، من غير المرجح أن تهدد المظاهرات الحالية بشكل خطير بقاء النظام. ومع ذلك، فإن الشعور واسع النطاق بالقلق الاقتصادي بين السكان قد يؤدي إلى قيام مزيد من الاحتجاجات، مما يزيد الضغط. وفي ظل هذه الظروف، يمكن للاضطرابات أن تحدث تغييراً في التفكير الاستراتيجي الإيراني. في العام 2012، كانت الاضطرابات الناجمة عن ارتفاع أسعار الدواجن والانخفاض اللاحق في قيمة الريال قد أجبرت إيران على العودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
لا عجلة
ومع ذلك، لا يعني هذا أن ما حدث في العام 2012 سوف يتكرر بالكامل. من الممكن تماماً أن تحاول إيران قبل أن تعود إلى طاولة المفاوضات استخدام جميع الوسائل المتاحة لرفع الرهانات وزيادة قوتها التفاوضية مع الولايات المتحدة. وبالنسبة للقيادة الإيرانية، هناك درسان رئيسيان من احتجاجات تشرين الثاني (نوفمبر). فبينما أوضحت الاضطرابات هشاشة الوضع الاجتماعي-السياسي، فإنها أظهرت للقيادة أنها تستطيع، حتى الآن على الأقل، التعامل مع الأزمة. وقد طورت السلطات الإيرانية أدوات لإدارة الاضطرابات باستخدام مزيج من القمع الذي تمارسه قوات الأمن، ومراقبة المعلومات. وهذا يجعل من الصعب على الاحتجاجات أن تتطور إلى تمرد واسع النطاق.
بالإضافة إلى استخدام سياسة الإكراه، طبقت إيران أيضاً إجراءات شعبوية مستهدفة لتهدئة الاضطرابات. في 17 تشرين الثاني (نوفمبر)، وقع روحاني مرسوماً يقضي بدفع تعويضات للمواطنين الذين عانوا جراء ارتفاع أسعار الوقود. وبعد أن اتخذت في البداية نهجاً قاسياً تجاه المتظاهرين (وخاصة في المناطق التي تسكنها الأقليات العرقية)، غيرت السلطات التكتيكات في وقت لاحق وحاولت تهدئة مخاوف السكان، ووعدت بإعادة النظر في جوانب من رفع أسعار الوقود (على سبيل المثال، من خلال توفير البنزين الرخيص للسائقين الذين يقومون بتسليم السلع الاستهلاكية).
بالإضافة إلى ذلك، كانت طبيعة الاحتجاجات الحالية قد منعتها من التطور إلى شيء أكبر. فعلى الرغم من أنها كبيرة من حيث النطاق الجغرافي -حيث جرت الاحتجاجات في ما يصل إلى 100 مدينة وبلدة وقرية- إلا أنها ظلت محدودة من حيث عدد المشاركين وافتقرت إلى القيادة والتنسيق الموحد. وكان معظم المحتجين مدفوعين بالاعتبارات الاقتصادية، في حين عبرت قلة محدودة للغاية عن مطالب بتغيير النظام.
أخيراً، تبدو النخبة السياسية الإيرانية متحدة إلى حد كبير في قرارها دعم زيادة أسعار الوقود ومواجهة الاحتجاجات، مقارنةً باحتجاجات 2017-18، عندما كانت الاضطرابات الأولية ناجمة عن مواجهة بين روحاني ومعارضيه من المعسكر المحافظ. أما هذه المرة، فيتمتع الرئيس بدعم خامنئي الكامل. وقد تحدث القائد الأعلى للإعلان عن تأييده لتدابير التقشف الحالية، والتي وافق عليها في نهاية الأمر المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، وهي مجموعة كان قد أنشأها في حزيران (يونيو) 2018 لاتخاذ قرارات طارئة للتعامل مع الآثار السلبية للعقوبات الأميركية على الاقتصاد. وبطبيعة الحال، سوف يتحمل روحاني وحلفاؤه “الإصلاحيون” وطأة رد الفعل السياسي. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر في شباط (فبراير) 2020، ستحاول الحكومة على الأرجح إتاحة الفرصة للمحافظين الإيرانيين المتشددين لاستعادة المقاعد التي فقدوها في العام 2016. وسوف يرضي مثل هذا السيناريو خامنئي، الأقرب سياسياً من الدوائر المحافظة.
في ظل هذه الظروف، يمكن أن تكون نتيجة الاحتجاجات ذات شقين: فمن ناحية، سوف تشعر طهران بالتأكيد بالقلق من احتمالات حدوث تصعيد في الانتفاضة وستحاول تسريع إطلاق مفاوضات مع الولايات المتحدة لتخفيف الضغط الاقتصادي. لكن من المرجح، من ناحية أخرى، أن تكون القيادة الإيرانية ما تزال تعتقد بأن أمامها الوقت للاستعداد عن طريق رفع المخاطر والرهانات لتأمين مركز انطلاق أقوى في المحادثات وتمكينها من المطالبة برفع فوري للعقوبات الثانوية.
التحضير للمساومة
لتحقيق هذين الهدفين التوأمين، يمكن لإيران أن تقوم بتكثيف التكتيكات التي استخدمتها خلال الأشهر العشرة الماضية، والتي تؤدي إلى زعزعة الأمن الإقليمي، واستغلال التعزيز التدريجي لبرنامجها النووي لرفع قيمة الصفقة المحتملة، وكذلك تحذير الأميركيين من العواقب المحتملة لممارسة المزيد من الضغط الاقتصادي. وفي الفترة الفاصلة بين استخدام هذه الأدوات الضاغِطة، عادةً ما كان المجتمع الدولي يُمنَح الوقت لإعادة النظر في دعمه للعقوبات الأميركية قبل أن تعمد إيران إلى تكرار أعمالها.
أدى عدم وجود رد حاسم من جانب الولايات المتحدة على أسر ناقلات النفط في الخليج خلال الصيف وإحجام المجتمع الدولي عن البحث عن الطرف الذي يقف وراء هجمات أيلول (سبتمبر) على البنية التحتية النفطية السعودية، إلى تكوُّن اعتقاد لدى صانعي القرار الإيرانيين بأن إستراتيجية البلطجة التي يستخدمونها تعمل. ويدرس الاتحاد الأوروبي الآن كيفية إحياء الحوار الإيراني-الأميركي من أجل تجنب نشوب صراع إقليمي. وفي الوقت نفسه، تبحث دول مجلس التعاون الخليجي (بما في ذلك المملكة العربية السعودية) عن طرق لنزع فتيل التوترات مع طهران لوحدها، بالنظر إلى تزايد شكوكها بشأن قدرة الولايات المتحدة -وميلها- إلى حمايتها
في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، اتخذت إيران خطوة أخرى في اتجاه الابتعاد عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي للعام 2015 من خلال استئناف تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو وزيادة مستواه إلى ما فوق 3.67 في المائة المسموح بها. ومنحت طهران الغرب شهرين لإعادة النظر في استخدام العقوبات ضدها قبل أن تتخذ قراراً آخر بمزيد من انتهاك الاتفاق النووي أو التخلي عنه بالكامل. ومع ذلك، فإن احتجاجات تشرين الثاني (نوفمبر) قد تقنع طهران بمراجعة الموعد النهائي لخطوتها التالية من أجل تحفيز الولايات المتحدة على بدء المفاوضات. وقد لا يكون ما يأتي بعد ذلك بالضرورة على المسار النووي أيضاً. فلأنها واثقة من قدرتها على زعزعة استقرار الخليج، يمكن أن تعمد إيران إلى استخدام وكلائها لزيادة الضغط على الولايات المتحدة لبدء المحادثات والتخفيف من وطأة الضغط عليها.
 
*أستاذ مشارك في مركز الدراسات الخليجية بجامعة قطر، وزميل بحث رفيع في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية (IMEMO) التابع للأكاديمية الروسية للعلوم (موسكو)؛ حيث يقود مشاريع بحثية حول الاقتصاد السياسي والسياسة الخارجية الإيرانيين.
*نشر هذا التحليل تحت عنوان: Will protests in Iran lead to negotiations with the US?