Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Jun-2019

كانت قِبلتهم قبل النكبة*حسني عايش

 الغد-لم تكن فلسطين قبل النكبة زهرة الوطن العربي فقط، بل كانت قبلته أو حلمه أيضاً. فهو وبخاصة في آسيا العربية – لم يكن يعرف غيرها مكاناً للعمل أو التعليم ولا أقرب منها إليه، وليس للتعليم فقط كما في مصر ولبنان. لقد استقبلت فلسطين الشريف حسين بأعظم المحبة والتقدير وقبره ما يزال هناك. كما استقبلت جثمان الملك فيصل بعد وفاته في أوروبا بالبكاء والأحزان. ومن حيفا تم نقله إلى بغداد. كما كان نحو نصف جمعية العربية الفتاة فلسطينيين. وكان كثير منهم ضباطاً وجنوداً وفلاسفة ومفكرين في الثورة العربية الكبرى. كانت فلسطين تعج بالعرب القادمين من سورية والأردن ولبنان والعراق والجزيرة العربية الباحثين عن عملٍ أو تعليم أو سياحة وترويح أو لتقديس الحج. 

أذكر ذلك ولا أنساه طفلاً. وقد علمت فيما بعد أن والدي سمى ابنته الأولى في أوائل عشرينيات القرن الماضي سورية تيمناً بقيام الدولة السورية الفيصلية وأن كل مدينة أو قرية فلسطينية كانت تستقبل عرباً كثراً في المواسم مثل: موسم قطف الذرة (البيضاء) أو قطف الزيتون، أو البرتقال، أو للعمل في حيفا ويافا والقدس واللد… 
في حينه وحتى 1948 كان نحو 94 % من أرض فلسطين ملكاً للفلسطينيين، فلا ينبرينّ أحد ليدعي أنه كان يأتي إلى العمل في المستعمرات اليهودية، لأن معظم اليهود آنذاك كانوا – إجمالاً- مشلحين وحريصين على العزلة والعمل السري. 
ترى لو كان اليهود والانتداب البريطاني يعملان في بلدٍ عربي آخر فكم سنة كان اليهود سيحتاجون إلى امتلاك أرضه. لقد كان كل ما حصل عليه اليهود من أرض فلسطين حتى سنة 1948 أي بعد ثلاثين سنة من الانتداب ومحاولات التهويد أقل من ستة في المائة.
ولما بليت فلسطين بنكبة 1948 ثم بكارثة 1967 وتشتت كثير من أهلها في الآفاق العربية، وطال شتاتهم، صاروا يرون ويسمعون من بعض الأشقاء الاتهامات والإهانات والشتائم، ويرونهم يتقربون إلى العدو ويطبعون معه على حسابهم. بل إن رئيس جمهورية لبنان ادعى أن بقاء الفلسطينيين في لبنان سيؤدي إلى ضياع لبنان، ناسياً أو متناسياً أن لبنان لم يكن شيئاً مذكوراً اقتصادياً قبل النكبة، وأنه تم على أيدي فلسطينيين عدهم الأستاذ طلال سلمان واحداً واحداً، في إحدى مقالاته ليذكره بذلك. 
يبدو ان مصير الفلسطينيين في بلاد العرب (أوطاني) قد يحاكي مصير أبي مسلم الخراساني الذي قامت الدولة العباسية على أكتافه، فقد اغتاله الخليفة أبو جعفر المنصور لأنه قال في جلسة خاصة لأحد أبناء عمومته: والله إن ابن عمك ما أكل الخبز إلا بفضلي. 
صار بعضهم في بلاد العرب (أوطاني) يتناسون أحداث الأمس القريب وأن جيوشهم هي التي ضيعت فلسطين مرتين: 1948 ، 1967 وإلا لولا الهزيمتان ما رأوا فلسطينياً لاجئاً عندهم، ولا أحداً منهم واقفاً بالباب ينتظر زكاتهم. إن لسان حاله يقول لهم من لا يعجبه وجوده بينهم أو عندهم يجب عليه أن يعيدهم إليها وسيقيم لهم التماثيل والأفراح والليالي الملاح في كل قرية ومدينة مستعادة. 
لا نلوم الأجيال الجديدة والجاهلة التي تتفلت ضدهم وإنما نلوم الآباء والأجداد والمدرسة والجامعة الذين لم يعلّموهم. لو كانت الأجيال العربية منصفة أو تعرف التاريخ لوضعت الفلسطينيين على رأسها ورقصت بهم إلى يوم يعودون بعد كل الدمار الذي تسبب به أجدادهم وآباؤهم لهم في الهزيمتين. 
بين هذا وذاك ظل الشعب الأردني التوأم لشعب فلسطين وليس مجرد شقيق أو أخ تضيق عينه بهم. أنهما توأمان متماثلان نبتا من بذرة واحدة ذات فلقتين: فلقة منها ضربت جذورها في فلسطين منذ آلاف السنين والأخرى ضربت جذورها في الأردن في الوقت نفسه. إنك لولا سايكس بيكو ما كنت تفرق بين الواحد والآخر منهم. وكثير من العائلات والعشائر الفلسطينية أصلها أردني أو لها امتداد في الأردن، وكثير من العائلات والعشائر الأردنية أصلها فلسطيني، أو لها امتداد في فلسطين.. ويجب أن يخرس لسان وتشل يد كل من يحاول التفريق والتمزيق وإثارة الفتن بينهم.