Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Jan-2019

ماذا بعد المغادرة الأميركية لسورية؟ الجغرافيا السياسية الجديدة للشرق الأوسط

 الغد-تقرير خاص – (الإيكونوميست) 3/1/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
كما حدث في حالة معاودة انخراطهم مع العراق، يأمل عرب الخليج في أن تعطي استعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، بمرور الزمن، سورية سبباً لتقليل اعتمادها على إيران -حتى مع أن السيد الأسد سيبقى مديناً لها إلى الأبد في نجاته. وإذا لم يكن ثمة شيء، فإن العرب أصبحوا خائبي الأمل من حقيقة أن الذي يقرر مصائر الربيع العربي عملياً الآن هي القوى غير العربية -روسيا وإيران وتركيا.
 
* *
لم يستغرق الأمر طويلاً حتى يتم الشعور بتداعيات القرار الأميركي بالانسحاب من سورية في كل أنحاء الشرق الأوسط. فقد ابتهج النظام السوري، إلى جانب حليفيه الروسي والإيراني. وسارعت الدول العربية إلى محاولة إصلاح الأمور مع الرئيس السوري بشار الأسد، وسوف تناقش الجامعة العربية في القريب مسألة عودته إلى الحظيرة. وحلفاء أميركا الأكراد، الذين يتألمون من الخيانة، حثوا الأسد على المساعدة في صد غزو تركي محتمل يلوح في الأفق. كما اندفعت إسرائيل بدورها إلى محاولة احتواء الضرر.
بتغريدة واحدة في 19 أيلول (سبتمبر) -“لقد هزمنا داعش في سورية، سببي الوحيد للتواجد هناك”- جعل الرئيس دونالد ترامب جيوسياسات المنطقة تدور وتتغير مثل البيانات على لوحة عرض ميكانيكية قديمة في مطار. وتعلن هذه اللوحة عن تغييرات كبيرة: خروج أميركي؛ انتصار على إيران وروسيا؛ عودة سورية، وإعادة تموضع كل الآخرين.
أذهل قرار الرئيس ترامب سحب الألفي جندي أميركي الناشزين من شرق سورية الصديق والعدو على حد سواء -ولا أحد أكثر من مبعوثيه الخاصين إلى المنطقة. وكان قد أعلن بالتأكيد في شهر نيسان (أبريل) من العام الماضي أن القوات الأميركية سوف تغادر في القريب. لكن إدارته عادت فأعلنت في أيلول (سبتمبر) أن الأميركيين سوف يبقون في سورية إلى أجل غير مسمى لضمان إلحاق الهزيمة النهائية والدائمة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومغادرة القوات الإيرانية والقوات الأجنبية الأخرى كافة، وتشكيل حكومة مقبولة دولياً في سورية. وعشية استدارة ترامب الكاملة وتغيير الاتجاه، كان مبعوثه الخاص إلى سورية قد سخر من فكرة أن الأسد ربما يكون ببساطة بصدد انتظار أن تتخلى أميركا عن المنطقة. وقال: “أعتقد بأنه إذا كانت هذه هي استراتيجيته، فسوف يكون عليه أن ينتظر لوقت طويل جداً”. لكن بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي الخاص للحرب على “داعش” استقال في غضون أيام.
كما يلاحظ أحد الوزراء العرب بقلق: “كان القرار مفاجأة كاملة؛ وإنما لم تكن كذلك حقيقة أن أميركا تغير سياساتها. هذا هو التغيُّر الخامس أو السادس في موقف أميركا تجاه سورية”. فهل يمكن أن يغير الرئيس ترامب رأيه مرة أخرى؟ يوم 30 كانون الأول (ديسمبر)، بدا أن السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، قد أقنع ترامب بتبطيء الانسحاب، بحيث يحدث على مدى أربعة أشهر بدلاً من شهر واحد. وكانت إسرائيل تمارس الضغط من أجل بقاء القوات الأميركية في بعض المناطق، خاصة منطقة التنف في الجنوب.
يحاول الرئيس ترامب أن يعرض نفسه على أنه النقيض لباراك أوباما. وقد مزق اتفاق سلفه النووي مع إيران وأعاد فرض العقوبات على نظامها الديني، واحتضن السعودية، واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي حين أن أوباما تردد في اتخاذ أي إجراء عسكري ضد الرئيس الأسد بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية في العام 2013، قام الرئيس ترامب بإطلاق وابل من صواريخ كروز على القواعد السورية.
مع ذلك، ربما يكون ترامب أكثر شبها بأوباما من القدر الذي يمكن أن يعترف به، خاصة فيما يتعلق برغبته في خفض التورط الأميركي في الشرق الأوسط؛ حيث عانى الرؤساء الأميركيون من العديد من الإخفاقات واختبروا القليل من النجاحات. وفيما يتعلق بسورية، يقول السيد ترامب بوضوح ما يكرر تردد سلفه أوباما في الانخراط: ليست لأميركا أي مصالح حيوية هناك. ويقول فيليب غوردون من المؤسسة الفكرية، “مجلس العلاقات الخارجية”، والذي كان مسؤولاً عن سياسة الشرق الأوسط في بيت أوباما الأبيض: “هناك الكثير من الاستمرارية بين ترامب وأوباما: لا تمتلك الولايات المتحدة إجابات عن المشكلات المعقدة للشرق الأوسط، وهي ليست راغبة في خوض حرب رئيسية كبرى لكي تحاول حلها”. ومع ذلك، يقول غوردون أن العملية الأميركية في سورية تبقى صغيرة ورخيصة الكلفة نسبياً، وأن سلوك ترامب المتهور تسبب بالكثير من الضرر.
بالنسبة للكثيرين في واشنطن، يعني قرار السيد ترامب سحب قواته إلقاء أوراق الولايات المتحدة من دون أن فائدة. فهي تسيطر الآن على آبار نفط تنتج 95 في المائة من نفط سورية والكثير من غازها؛ وعلى مياه نهر الفرات؛ وأراضٍ زراعية رئيسية؛ وخمس قواعد عسكرية كبيرة.
سوف يكون الخاسرون الرئيسيون من خطوة ترامب هم أكراد سورية، الذين يبدو أن حلمهم في إقامة منطقة متمتعة بالحكم الذاتي أصبح في مهب الريح. وقد أثبت مقاتلوهم في وحدات حماية الشعب الكردية أنهم الحلفاء الأكثر قدرة في حرب أميركا على “الدولة الإسلامية”، والذين تمكنوا من دحر الجهاديين من الحدود التركية إلى الحدود العراقية. وفي المقابل، ساعد الوجود الأميركي في حماية مقاتلي وحدات حماية الشعب من هجوم تشنه تركيا، التي تعتبرهم هم ومتمردوها الأكراد الانفصاليون من حزب العمال الكردستاني، شيئاً واحداً.
في العام الماضي، اجتاحت القوات التركية الجيب الكردي في عرفين إلى الغرب من نهر الفرات؛ كما هدد الأتراك بفعل الشيء نفسه على الفور في منطقة شرق النهر؛ حيث ينتشر الجنود الأميركيون في المعظم. وجاء إعلان السيد ترامب عن الانسحاب بعد أن تحدث مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. أما إذا كان ترامب قد خشي من حدوث اشتباك بين القوات الأميركية والتركية، أو أنه قبل بوعد السيد إردوغان بخفض ما تبقى من جيوب، فيبقى غير واضح. وربما تكون صفقة مبيعات محتملة لصواريخ باتريوت المصنوعة في الولايات المتحدة لتركيا قد ساعدت في تسهيل التفاهم بينهما. لكن أولوية السيد إردوغان سوف تكون الدفع بالمقاتلين الأكراد بعيداً عن حدود تركيا، وليس محاربة “داعش” الذي ما يزال يمتلك الآلاف من المقاتلين أبعد إلى الجنوب في سورية. وربما يعطي هذا للجهاديين فرصة لمعاودة الانبعاث، كما فعلوا سابقاً بعد قيام الرئيس أوباما بسحب قوات بلده من العراق في العام 2011.
أما الكاسب الأكبر، فهو بلا شك الرئيس الأسد. ففي حرب قتلت أكثر من 500.000 شخص وشردت أكثر من 13 مليون آخرين، بدا السيد الأسد على حافة الهزيمة في العام 2015. لكنه تمكن، باستخدام التكتيكات الوحشية -وبمساعدة من روسيا في الجو، وإيران والميليشيات الشيعية على الأرض- من استعادة معظم الأراضي الرئيسية لبلده. وهو يبدو مصمماً على الاستمرار في القتال حتى يستعد كل أراضيه.
لم تضيع وحدات حماية الشعب الكردية أي وقت لدعوة القوات السورية إلى دخول منبج لردع الأتراك. وسوف يترتب على السيد إردوغان، على أي حال، أن يقيس ويعاير أي إجراء ينوي اتخاذه ضد الأكراد هناك. وربما تقاوم روسيا وإيران أي محاولة تبذلها تركيا لمساعدة الخليط غير المتجانس من حلفائها العرب السنة (الذين يختلط بهم جهاديون مرتبطون بتنظيم القاعدة أيضاً) وتوسيع إقطاعها في شمال سورية وإحكام السيطرة على الحدود. ويقول أويتُن أورهان، من مركز الدراسات الاستراتيجية الشرق أوسطية، وهو مؤسسة فكرية مقرها اسطنبول: “سوف يترتب على تركيا أن تكون حذرة إزاء الخطوط الحمراء للطرف الآخر”. ويمكن أن يؤدي الفشل في ذلك إلى استفزاز هجوم تشنه الحكومة السورية على محافظة حلب، الملاذ الأخير للمعارضة المناهضة للرئيس الأسد.
كما تتحول الدول العربية السنية أيضاً من دعم الثوار السنيين إلى التصالح مع السيد الأسد. وفي 16 كانون الأول (ديسمبر)، أصبح الرئيس السوداني عمر البشير أول رئيس دولة عربي يزور دمشق منذ الربيع العربي في العام 2011. وفي 27 كانون الأول (ديسمبر) أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة افتتاح سفارتها في دمشق. ومن المتوقع أن يناقش اجتماع للقادة العرب يعقد في بيروت في وقت لاحق من هذا الشهر دعوة الرئيس الأسد إلى قمة ستعقد في تونس في آذار (مارس). وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية ما تزال حذرة، فإن المسؤولين السوريين يرون أملاً في استبدال وزير الخارجية السعودي الصقري، عادل الجبير، بالوزير الأكثر اعتدالاً، إبراهيم العساف.
كما حدث في حالة معاودة انخراطهم مع العراق، يأمل عرب الخليج في أن تعطي استعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، بمرور الزمن، سورية سبباً لتقليل اعتمادها على إيران -حتى مع أن السيد الاسد سيبقى مديناً لها إلى الأبد في نجاته. وإذا لم يكن ثمة شيء، فإن العرب أصبحوا خائبي الأمل من حقيقة أن الذي يقرر مصائر الربيع العربي عملياً الآن هي القوى غير العربية -روسيا وإيران وتركيا.
من جانبها، تقوم إيران بحث القوات العراقية على المساعدة على ملء الفراغ الذي سيتركه الأميركيون في سورية. وقد عرض رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، تقديم دعم غير محدد؛ وكانت الطائرات العراقية تقصف سلفاً جبوب “داعش” المتبقية في سورية. وإذا ما غادرت الولايات المتحدة سورية تماماً، فسوف تتمكن إيران بقدر أكبر من السهولة من إقامة جسر بري إلى لبنان، ليدعم الجسر الجوي العامل الآن، لإمداد حليفها القوي هناك، حزب الله.
بعد أن قامت بإنقاذ السيد الأسد وأتاحت إعادة تأهيله، أصبحت روسيا تحل محل أميركا في الاضطلاع بدور وسيط القوة في المنطقة. وربما تكون روسيا قد تصرفت كقوة جوية لـ”المحور الشيعي”، لكنها تحتفظ مع ذلك بعلاقات قوية مع كل اللاعبين الرئيسيين الآخرين، بمن فيهم إسرائيل ودول الخليج العربية. ويجعلها استعدادها للوقوف حتى مع أكثر حلفائها تنفيراً، تبدو في أعين القادة العرب السنة أكثر موثوقية وإمكانية للاعتماد عليها من أميركا. وقد عملت المملكة العربية السعودية عن قرب مع روسيا في مسألة تنسيق إنتاج النفط. ولا يمكن أن يفوّت أحد الحركة الاحتفالية المتحمسة بملامسة الراحتين في تشرين الثاني (نوفمبر) بين السيد بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وإسرائيل، أيضاً، خطبت ود روسيا منذ وقت طويل. والتقى رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بشكل متكرر مع السيد بوتين على أمل إغرائه بالابتعاد عن إيران، أو على الأقل ضمان أن تتمكن إسرائيل من التصرف ضد إيران وحلفائها. وقد بذل السيد بوتين وعداً: “سوف نعتني بإسرائيل”، لكنه سرعان ما أصابها بالقلق حين قال أن الإيرانيين يستطيعون “بصراحة أن يفعلوا ما يريدون” في سورية”.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: After America leaves Syria, what next? The new geopolitics of the Middle East