Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Oct-2017

معضلة الاتفاق بين «حماس» و«فتح» - حسن أبو هنية

 الراي - توصلت كل من «حماس» و«فتح» إلى صيغة جديدة من التفاهمات برعاية مصرية أخيراً في سياق تحولات دولية وإقليمية عميقة ألقت بظلالها على تصورات الحركتين وأدت إلى تغيرات في صلب المبادئ التقليدية لتراث الحركتين نحو مزيد من البراغماتية وقليل من الإيديولوجية، ورغم ترحيب رئيس «السلطة الفلسطينية» محمود عباس بالتفاهمات باعتبارها «الاتفاق النهائي لإنهاء الانقسام» إلا أنه أشار في ذات الوقت إلى معضلات الاتفاق وأهمها مصير سلاح حماس وجناحها العسكري «القسام»، وهو الأمر الذي شددت عليه الولايات المتحدة وإسرائيل.

 
في سياق انجاز الاتفاق تم تجاوز البحث في مسألة السلاح، والبحث في سبل إرساء الاستقرار وتقديم بعض الإغاثة الإنسانية إلى غزة، لكن المعضلة الأخرى أن شروط الاتفاق ليست نهائية وتأتي في إطار التفاوض حول تطبيق اتفاق سابق كانت حماس وفتح قد توصلتا إليه عام 2011 في ذات المكان الذي أنجز فيه الاتفاق الحالي وهو المقر الرئيسي لـ»جهاز المخابرات العامة» المصري، ورغم التغيرات التي طرأت منذ ذلك التاريخ إلا أن المعضلات الشائكة ذاتها التي حالت دون تحقيق المصالحة النهائية لا تزال قائمة.
 
معضلة السلاح ونهج المقاومة العسكرية الذي تتمسك به حماس وإصرار فتح على نهج المقاومة السلمية تكشف عن تعقيدات صمود التفاهمات، في ظل موقف أميركي وإسرائيلي واضح ولا لبس فيه، ففي وقت سابق قرّرت الحكومة الإسرائيلية عدم الدخول في مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية، قبل نزع سلاح حركة «حماس» واعترافها بإسرائيل، ضمن حزمة شروط جاءت بعد أقل من أسبوع على توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، ومطالبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات بضرورة «الالتزام بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل»، ورعم تأكيد حماس وفتح على أن تلك المطالب تعتبر «تدخلا» في الشأن الداخلي الفلسطيني، إلا أن كليهما يعلم جوهر المعضلة.
 
لا جدال بأن مصر هي المحرك الرئيس للتفاهمات وهي تحركات لا تنفصل عن مواضعات ما بعد الربيع العربي وإعادة تموضع القوى في المنطقة، وتقع في سياق «صفقة القرن» الدولية التي تهدف إلى خلق وقائع جديدة باقتناص الفرصة السانحة بتبدل المنظورات الاستراتيجية حول العدو والصديق باعتبار «الإرهاب» العدو المشترك ممثلا بالجهاديين وإيران كمصدر خطر على المنطقة بدلا من إسرائيل، وهي تحولات أدت إلى تغيرات في صفوف «حماس» وتوترات داخل حركة «فتح»، وعلى الرغم من غياب النقاش حول إيران ومليشياتها كحزب االله والجهاديين وولاياتهم كولاية «سيناء» إلا أن ذلك أحد الأسباب المحركة للتفاهمات على كافة الأصعدة، فالقاهرة قلقة من الجهاديين من جهة وتسعى إلى تقويض دور قطر وتركيا في غزة من جهة أخرى وفق تحولات مفاهيم الإرهاب وداعميه.
 
لم تكن التفاهمات ممكنة في سياقات مختلفة فقد أدّت التغييرات الداخلية الأخيرة التي طالت حماس على مستوى القيادة بنقل مركز ثقل الحركة إلى مسؤولين أقل انسجاماً مع مصالح الدوحة وأنقرة وأكثر حساسية تجاه مسائل مرتبطة بغزة، وذلك عقب فشل المساعي القطرية والتركية بالتوصل إلى وقف إطلاق نار بعد حرب «حماس» مع إسرائيل عام 2014 ،الأمر الذي جعل قيادة غزة تقتنع أن القاهرة مفتاح تحسن أوضاع القطاع، وهو ما دفع حماس إلى عقد تفاهمات بوساطة مصرية مع محمد دحلان.
 
إن التفاهمات الحالية بين حماس وفتح لا ترقى إلى منزلة الاتفاق فهي تقع في إطار تفاهمي ينطوي على جدول زمني طموح، فمن المنتظر أن يفضي بحلول 1 ديسمبر إلى تولي «السلطة الفلسطينية» المسؤولية على قطاع غزة، بعدها ستبدأ النقاشات حول إجراء انتخابات وإعادة تشكيل «منظمة التحرير الفلسطينية» في 14نوفمبر، وسيبدأ البحث بعدها بمعضلة موظفي الخدمة المدنية المنتمين إلى حماس بحلول الأول من فبراير، مع غياب كامل لتواريخ محددة لمعضلة السلاح وسائر القضايا الأمنية، فالمعضلة الوحيدة التي تم تذليلها وإزالة الغموض حلها تتمثل بمصير معبر رفح، الذي يفترض أن الطرفين وافقا على إعادة فتحه ووضعه تحت سيطرة «الحرس الرئاسي» التابع لـ»السلطة الفلسطينية» في نوفمبر القادم.
 
معضلات الاتفاق بين حماس وفتح ستبدأ مع بدء تمدد نفوذ «السلطة الفلسطينية» على غزة، فقد تسمح حماس لوزراء السلطة الفلسطينية باستئناف مهامهم في غزة، وقد تعمل على دعم تشكيل حكومة «توافق وطني» جديدة، لكن المعضلة ستبرز على مستوى حجم التغيرات على باقي المستويات الوظيفية دون الوزارية، فمنذ سيطرة»حماس» على القطاع عام 2007 وضعت الحركة موالين لها في كافة المناصب القيادية في وزارات غزة، الأمر الذي يجعل من أدوار الوزراء مسألة شكلانية رمزية، وهو ما ظهر جليا سابقا خلال حكومة «الوفاق الوطني» التي تشكّلت عام 2014 برئاسة رامي الحمد االله، وبهذا فإن السلطة الفعلية بيد حماس.
 
بعيدا عن المعضلات السياسية والإدارية فإن المعضلة الأساسية في نجاح التفاهمات وتطورها رهن بمعضلة المسألة العسكرية والأمنية،فعندما بسطت «حماس» سيطرتها على قطاع غزة، أسست جهازاً أمنياً رسمياً خاصاً بها مكلَفاً بمهام الشرطة و»الأمن الداخلي»، وتسعى حماس حاليا إلى دمج هذا الكيان ضمن «قوات أمن السلطة الفلسطينية»، وهو أمر سيخلق إشكاليات معقدة حول المهام والصلاحيات، والأهم هو رفض المجتمع الدولي الصريح إدماج الأجنحة الأمنية لحماس، وقد تفضي هذه المعضلة إلى قطع المساعدات الدولية للسلطة.
 
كل تلك المعضلات تعتبر هامشية حين الحديث عن سلاح حماس، فكتائب «عز الدين القسام» تشكل القوة الأساسية والأكثر راديكالية وهي كتائب عسكرية مسلحة شبه مستقلة تتوافر على تصورات راسخة حول نهج المقاومة وتضم قرابة 25 ألف مقاتل، وسوف تشكل معضلة كبرى بين طرفي التفاهمات، فمصير هذه القوة سيحدّد الجهة التي تتحكم فعلياً بقطاع غزة، الأمر الذي دعا الرئيس عباس إلى الإعلان الصريح بالمطالبة بحلها، وقال أنه لن يقبل بـتكرار نموذج «حزب االله» في غزة، وفي المقابل أعلن قادة حماس مرارا أن «سلاح المقاومة غير قابل للتفاوض».
 
خلاصة القول أن التفاهمات الحالية بين حماس وفتح حققت تقدما أفضل من سابقاتها في ظل التحولات والظروف الجديدة، التي دفعت بمزيد من البراغماتية في ظل تقلص الخيارات وتبدل التصورات، لكن معضلات التوصل إلى اتفاقات قابلة للحياة والديمومة سوف تبدأ بالتحقق مع مرور الزمن، إذ يمكن تذليل العقبات السياسية والإدارية، لكن المعضلة العسكرية والأمنية يصعب تجاوزها مع إصرار السلطة الفلسطينية الالتزام بمسارات أوسلو في ظل هيمنة منظورات الإرهاب على الفاعلين الدوليين والإصرار على نزع سلاح حماس والقبول بإسرائيل، وتلك معضلة لا يزال الوقت مبكرا لانجازها، إذ يصعب تصور حماس دون القسام ويستحيل استدخال حماس بسلاحه