الغد
هآرتس
عاموس هرئيل
زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأسبوع الحالي في فلوريدا، لا تبشر بالضرورة بمواجهة علنية بينهما. يوجد لهما بالتحديد أسباب للتعاون. ترامب بحاجة إلى نتنياهو كي يدفع قدما بما يريد عرضه "كالإنجاز الأكبر" لسياسته في المنطقة – الانتقال إلى المرحلة الثانية في الاتفاق في قطاع غزة، استمرارا لوقف إطلاق النار الذي فرضه على اسرائيل وحماس في تشرين الأول الماضي. هذا يمكن أن يحدث قبل منتصف الشهر المقبل. في الوقت نفسه، نتنياهو يجب أن يتجنب التصادم مع المستضيف لأن كل مواجهة كهذه ستنعكس بشكل سيئ على وضعه الاقتصادي الهش أصلا في الداخل.
براك ربيد قال في نهاية الاسبوع في "اخبار 12": "إن كل الحاشية المقربة من ترامب سئمت من نتنياهو، باستثناء الرئيس نفسه الذي ما يزال يحب رئيس الحكومة. نتنياهو صمد فترة طويلة كهذه امام الرئيس السابق جو بايدن خلال سنتين – منذ عودته إلى السلطة في كانون الأول (ديسمبر) 2022، ومرورا بتشريع الانقلاب النظامي الذي أثار انتقادا شديدا لدى الإدارة الأميركية الديمقراطية في واشنطن وانتهاء بالحرب (الخلاف حول احتلال رفح، وبعد ذلك شن الجيش الاسرائيلي هجوم ضد حزب الله في لبنان). مع ترامب الخصام خطير أكثر. نتنياهو يتعين عليه الحصول من المستضيف على مقابل للتنازلات المطلوبة منه في القطاع. في هذه الأثناء تصعب رؤية احتمالية كبيرة لسيناريو فيه ينجح في إقناع ترامب بألا يتقدم نحو المرحلة الثانية، رغم الخطر الكبير في أن تواصل حماس الاحتفاظ بالسلطة (وبالقوة العسكرية)، غرب الخط الأصفر في القطاع.
ضباط الجيش الإسرائيلي الذين يوجدون على اتصال مباشر مع أعضاء القيادة الوسطى الأميركية (السنتكوم)، التي تتولى تفعيل مركز الارتباط في كريات غات، يتحدثون عن سيطرة شبه مطلقة للولايات المتحدة على ما يحدث. الضباط الأميركيون مشاركون مسبقا تقريبا في كل عملية إسرائيلية، ويتابعون كل شاحنة تدخل المساعدات الإنسانية إلى القطاع ويستخدمون ضغطا ثابتا على الجيش الإسرائيلي للوفاء بتعهدات إسرائيل.
هذه الإجراءات تتعلق باستمرار إدخال المساعدات (الولايات المتحدة تطالب بـ4200 شاحنة الأسبوع، وهو رقم لم يتحقق بعد)، إلى جانب تسريع العمل على تفكيك الأنفاق وإزالة الأنقاض من المنطقة التي يخطط الأميركيون لبناء اول مستوطنة نموذجية (تجريبية) فيها، لإعادة توطين الفلسطينيين على أنقاض رفح. ويتوقع أن يزداد الضغط الأميركي على إسرائيل وأن يصبح مركزا أكثر بعد دخول المرحلة الثانية حيز التنفيذ، ومع اقتراب نشر القوة الدولية. ما تزال اسرائيل متشككة، لكن من المرجح أن يفضل نتنياهو فشل هذه الخطوة لأسباب أخرى، من دون اتهامه بعدم التعاون.
أول من أمس، حدثت عملية قاسية عندما قام فلسطيني من قباطية قرب جنين بقتل مواطنين في عملية دهس وطعن في بيسان والعفولة. وفي أعقاب ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي عن عملية في منطقة جنين وقامت الشرطة، بالبدء في عملية اعتقال لعدد من الماكثين غير القانونيين في خط التماس.
عمليا، تلتزم إسرائيل الصمت حيال هذه القضية. فبعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تم منع الفلسطينيين من الضفة الغربية منعا باتا من العمل داخل الخط الأخضر، لكن الحقيقة هي أن هذا الخط ما يزال مفتوحا في اماكن كثيرة. ورغم عمليات الاعتقال التي تقوم بها الشرطة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 20 ألف فلسطيني، يعملون بانتظام في إسرائيل من دون تصاريح. وهذا ليس مجرد تقصير، بل يبدو وكأنه غض متعمد للنظر. ولأن الحكومة لا تستطيع سياسيا تحمل تكلفة إعادة العمل الفلسطيني الشرعي من الضفة الغربية، فإن غياب تطبيق القانون يسمح للسلطة الفلسطينية بالبقاء واقفة على قديميها اقتصاديا. المشكلة تكمن في أن من يعملون من دون تصاريح، الذين عددهم أكبر من الذين يعملون بتصاريح، يشكلون تهديدا أمنيا. النتيجة، كما حدث يوم الجمعة، قد تكون فظيعة.
نتنياهو نشر بيان عزاء لعائلات القتلى قال فيه: "رغم أنه نفذت عمليات كثيرة ضد الإرهاب في السنة الماضية، إلا أننا نشاهد للأسف هجمات دموية بين حين وآخر". يبدو بوضوح أن مكتبه قد بذل جهدا وعاطفة في بيانات أخرى أصدرها في نهاية الاسبوع، منها بيان حاول فيه من جديد التطرق الى تورط كبار المسؤولين في وزارة العدل في قضية المدعية العسكرية العامة السابقة، وبيان آخر نفى فيه بشكل غير مقنع تورط المتحدث السابق باسمه للشؤون العسكري ايلي فيلدشتاين، ومشكوك فيه أن ينجح في ذلك. وستبقى قضية صحيفة "بيلد"، ولا سيما قضية قطر، تلاحقه في المستقبل القريب. وحتى بين مصوتي اليمين القدامى هناك من يطالبون بتفسيرات، في ضوء الشكوك الجدية حول وجود علاقات مشبوهة جدا بين حاشيته وبين القطريين.
في غضون ذلك سجل أيضا حدث سياسي غير مسبوق. فقد أعلنت اسرائيل اعترافها بأرض الصومال، وهي جمهورية في شرق أفريقيا انفصلت عن الصومال بمبادرة منها. وبذلك أصبحت اسرائيل أول دولة في العالم، تتخذ مثل هذه الخطوة. وقد جاءت هذه الخطوة في أعقاب مساع لإسرائيل في كسب ود أرض الصومال، في إطار الجهود الفاشلة للتوصل إلى اتفاقيات بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة في السنة الماضية.
وقد جاء في البيان الإسرائيلي أن هذه الخطوة استكمال لاتفاقات ابراهيم التي قادها ترامب. وقد أظهر الرئيس الأميركي، الذي يبدو أنه لم يكن لديه الوقت الكافي لمتابعة تحرك نتنياهو استغرابه من ملعب الغولف الخاص به، متسائلا: "هل يعلم أي أحد ما هذا؟". ولكن هناك قضية جوهرية في الخلفية: إسرائيل وإيران تخوضان صراعا على النفوذ في القرن الأفريقي، في ظل استفزازات الحوثيين في المنطقة، والصراع على تأمين الملاحة في البحر الأحمر، وتهريب السلاح الإيراني. يبدو أن الخطوة الاسرائيلية هي جزء من الاستعداد لصراع أوسع محتمل بين إيران ودول الخليج، بسبب الدعم الإيراني للحوثيين وكبح النفوذ المزعج لنظام طهران في المنطقة.