الغد
هآرتس
بقلم: ديمتري شومسكي
 
 
 
خلال سنوات كثيرة مفهوم "دولة يهودية وديمقراطية" عمل في الخطاب في إسرائيل وفي تشكيل الواقع المدني في إسرائيل بمثابة أداة للتحايل. أسلوب إسرائيل المجدي، "السير مع والشعور بـ"لا"، الدفع قدما بالفعل بالتفوق اليهودي مع تسهيلات طفيفة هنا وهناك بوسائل إجرائية للديمقراطية الليبرالية من أجل الحفاظ على الصورة الذاتية الثمينة، التي تمس القلب الإسرائيلي، "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
 
 
في الوقت نفسه، هذا المفهوم مكن من التحدث بصوت مرتفع عن التوترات الداخلية العميقة في الواقع الإسرائيلي، التي تعكس بشكل صحيح المفهوم ثنائي الأبعاد – يهودية وديمقراطية. ولكن عمليا، تطبيق سياسة مركزية عرقية خالية من الشك والتعقيد – ديمقراطية لليهود ويهودية للعرب.         
لكن المفهوم المزدوج الأهمية والغامض والمراوغ، لم يلب طموحات أتباع التفوق اليهودي. فيما يتعلق بفرض الهيمنة القومية – العرقية – اليهودية، اعتبر دعامة ضعيفة ومفهوما ديمقراطيا جدا. هؤلاء عملوا على سحق الحقوق الأساسية للمواطنين العرب الفلسطينيين من دون أي رادع أو تحفظ، لكن المكونات المدنية الليبرالية لصيغة "يهودية وديمقراطية"، لم تسمح لهم بالانطلاق بحرية. هذا هو السبب الذي جعلهم يركلون هذه الصيغة بصورة نهائية بواسطة سن قانون القومية، الذي ينص فعليا على أنه من الآن فصاعدا "يهودية وديمقراطية" ستخلي مكانها لـ"يهودية ويهودية". وكإضافة، هم عمقوا هذه التوجهات القمعية في إطار الانقلاب النظامي.
لذلك، إذا كان أنصار الدولة اليهودية والعنصرية، تنازلوا في نهاية المطاف عن فكرة الدولة اليهودية والديمقراطية، فهل ما تزال هذه الفكرة تنطوي على إمكانية تمكنها من النضال ضد العرقية اليهودية بأمانة؟ هل هناك فائدة من أن يتوقف أنصار المساواة المدنية الحقيقية عن التهرب من هذا المفهوم، بل ويتمسكون به بكل القوة ويضعونه في مواجهتها بكل عنصريتها؟.
هذه ليست قضايا نظرية، بل أسئلة سياسية عملية يجب طرحها على الأحزاب العربية. إن أعداء الديمقراطية يزدرون علنا وثيقة الاستقلال، وهي المصدر الرسمي وشبه الدستوري لفكرة الدولة اليهودية والديمقراطية. وهذا يعود جزئيا إلى أن الالتزام بمبدأ المساواة الموجود فيها يقيد أيديهم عن طريق سحق حقوق المواطنين العرب الفلسطينيين. على خلفية ذلك، ألم يحن الوقت لممثلي المواطنين العرب الفلسطينيين، الحاليين والمستقبليين، في الكنيست لإضافة المبادئ الديمقراطية في وثيقة الاستقلال الإسرائيلية إلى ذخرهم من المفاهيم السياسية، ودعم مفهوم الدولة اليهودية والديمقراطية علنا ضد من قاموا بالانقلاب، الذين تخلوا عنها؟.
إن المكاسب السياسية الفورية لهذه الخطوة اليوم، قبل الانتخابات المصيرية المقبلة، هي مكاسب واضحة: إذا أظهرت القائمة المشتركة التي سيتم تشكيلها، الدعم المطلق للدولة اليهودية والديمقراطية، فإن ذلك قد يدفع أحزاب الكتلة المناهضة لبيبي إلى التوقف عن استبعاد الأحزاب العربية من الائتلاف في المستقبل. مع ذلك، أنا لا أعتبر فكرة انحياز القائمة المشتركة الجديدة إلى الراية اليهودية الديمقراطية خطوة سياسية انتهازية، بل محاولة أخرى لتقديم أنفسهم كـ"عرب جيدين" مع إذلال ذاتي وطني.
حجتي هي أنه في واقع وجود دولة يهودية عنصرية، هذا سيكون خيارا استراتيجيا، اخلاقيا ووطنيا، شجاعا، والخيار الواقعي الوحيد في النضال ضد سحق الحقوق الفردية والجماعية للأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل – وهو خيار دعم صيغة غير مهيمنة من الدولة اليهودية.
إن الدولة اليهودية والديمقراطية تستطيع بالفعل خدمة الديمقراطيين، اليهود والعرب، في إسرائيل، كصيغة غير مهيمنة ومتسامحة للدولة اليهودية. السبب الرئيسي في فشل هذه الصيغة لسنوات في تعزيز المساواة المدنية في الدولة، يكمن في استخدامها بشكل متكرر لتعزيز الهيمنة اليهودية. مع ذلك، عندما تبين أن هذه الصيغة عمليا لا تقل ديمقراطية عن اليهودية، فإن العنصريين قاموا بإلقائها جانبا، وهي الآن تنتظر الفرصة لشن حملة شاملة ضد دولة العرق اليهودي.
هذه الفرصة لن تسنح لهم طالما أنه لم يدعمها ممثلو المواطنون العرب.
هل سيشمرون عن سواعدهم؟ هل سيكونون مستعدين من خلال الثقة الوطنية الأصيلة لصياغة وثائق رؤية جديدة ومحدثة، حيث يكون لها احتمالية حقيقية في أن تترجم إلى لغة الواقع، كي تواجه بشكل ناجع في المعركة ضد دولة التفوق اليهودية؟.