Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Sep-2020

أفضل أمل للعراق هو تأسيس علاقات أمتن مع الخليج

 الغد-رانج علاء الدين* – (معهد بروكينغز) 19/8/2020

 
بينما كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي متوجّهاً نحو العاصمة الأميركية واشنطن لإجراء محادثات في البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر، فإنه كان يترك خلفه بلداً غارقاً في أزمة. فالبيئة السياسية العراقية منقسمة للغاية، وتعمّ البلاد احتجاجات حول الشكاوى الاجتماعية الاقتصادية. ويواجه الاقتصاد العراقي انهياراً محتملاً وسط تراجع أسعار النفط وتداعيات التوتّرات الأميركية-الإيرانية. وقد أدّى كلّ ذلك إلى زعزعة البيئة الأمنية، خاصة وأن هذا كله يجري في خضمّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ.
وليس رئيس الوزراء، الذي تسلم منصبه في أيار (مايو) في خضمّ هذه الأزمات، غافلاً عن ضرورة معالجة هذه التحديات بأسرع وقت. وقد صوّر حكومته على أنّها حكومة انتقالية، عازماً على إعادة بعض الاستقرار إلى البلاد. ولكن كيف يستطيع الكاظمي تخطّي هذه التحديات كافّة؟ فالطريق نحو التعافي سيكون محفوفاً بالمشاكل المتداخلة والمتنوّعة في وقت يبحث فيه شعب مُحاصر عن بعض الراحة من الدمار والصراعات التي شابت البلاد على مدى العقدَين الماضيين. لكنّ مسار العراق الأهمّ نحو التعافي قد يأتي في شكل صلات أوثق بالدول الخليجية العربية. حتّى الآن، لم تستثمر الملَكيات الخليجية طاقة وموارد كبيرة في العراق فيما واجه شركاؤها الأميركيون والأوروبيون صعوبات لتعبيد الطريق أمام المزيد من الدعم والاستثمارات الخليجية للعراق مع محاولتهم إحلال الاستقرار في البلد خلال الحملة المناهضة لتنظيم “داعش” في الأعوام الأخيرة. ويستطيع العراق، بدعم وقيادة أميركيين، أن يندمجَ من جديد في العالم العربي ويعيدَ تنشيط علاقة مع الخليج ترتكز على المصالح المشتركة للمساعدة على إنعاش الاقتصاد وتخفيف اعتماده على إيران في الأثناء.
لمحة تاريخية
اتّسمت علاقات العراق مع دول مجلس التعاون الخليجي بعدم الاستقرار والتأزّم منذ تعرض العراق للاجتياح في العام 2003؛ حيث أصبح البلد بعد ذلك نقطة انطلاق للصراع بالوكالة والحرب السياسية بين إيران والعالم العربي. ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، خاصة بعد الربيع العربي في العام 2011 عندما دعمت شخصيات سياسية ودينية بارزة عراقية المحتجّين الشيعة في الخليج. وقد أبعد المالكي معظم العالم العربي، فيما أبعدت سياساته المذهبية وتهميش العرب السنّة أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي أكثر فأكثر. في الأثناء، افتقر مجلس التعاون الخليجي إلى استراتيجة متينة وطويلة الأمد إزاء العراق، وانخرطت بعض الدول الخليجية في تمويل جماعات في العراق كانت مسؤولة عن هجمات إرهابية متنوّعة.
وتتحمّل الولايات المتّحدة جزءاً من اللوم عن هذا التدهور في العلاقات. فقد دعمت المالكي في العام 2010 بعدما أجرى البلد انتخابات نيابية، ممهّدة الطريق لصعود القائد السلطوي بشكل متزايد لكي يشكّل تحالفاً ويقمع خصومه السياسيين من العرب السنّة. وفي الكثير من النواحي، أقنع ذلك دول مجلس التعاون الخليجي أن العراق بات فعلياً قضية خاسرة. لكن بعض بوادر الأمل تخللت المشهد، على غرار الاتصالات الثنائية في العام 2017 التي وعد خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القيام باستثمارات في العراق. وفي ذلك العام، أصبح عادل الجبير أول وزير خارجية سعودي يزور بغداد منذ عقود، فيما زار رئيس الوزراء العراقي آنذاك، حيدر العبادي، الرياض مرّتين.
لكن الديناميات السياسية المحلّية العراقية أجهضت هذه الجهود غالباً. ولم تساعد حقيقة أنّ الفاعلين السياسيين العراقيين المعتدلين الذين يستطيعون تأييد إقامة علاقات أمتن مع الخليج وتأسيسها لم تمتعوا بالكثير من السلطة. وفي الوقت عينه، زاد نفوذ المجموعات المتحالفة مع إيران، وعارضت بقوّة فكرة بروز علاقات أوثق بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي لأنّ ذلك يضرّ بها سياسياً، خاصة إذا ترأست واشنطن الجهود.
الوضع الراهن
في الوقت الراهن، تندرج مقاربة الخليج العربي الواسعة إزاء العراق ضمن ثلاثة خطوط عريضة: عند الإمكان، الانخراط دبلوماسياً مع النخبة الحاكمة في بغداد؛ وتنمية الصلات السياسية والاقتصادية؛ واحتواء النفوذ الإيراني.
وكانت لبعض الدول الخليجية؛ كالكويت، علاقات إيجابية أكثر مع العراق. وكانت الكويت الدولة الوحيدة التي لها حضور بارز في قمة الجامعة العربية في بغداد في العام 2012، واستضافت مؤتمر إعادة إعمار العراق منذ عامين. وفي المقابل، ليس للمملكة العربية السعودية سفيرٌ حتى الآن في بغداد، مع أنّه أُفيد في أيار (مايو) بأنّ السفير السعودي في العراق سيستأنف مهامه في أقرب وقت ممكن. والعلاقات مع قطر رديئة، على ضوء التمويل المزعوم الذي قدمه مانحون قطريون أثرياء للمقاتلين السنّة في العراق وتواطؤ المجموعات المتحالفة مع إيران في خطف قطريين في العام 2016.
وكانت للبحرين علاقات مختلطة مع العراق، خاصة منذ العام 2011 بعد أن احتشد المحتجّون ضدّ الحكومة بدعم من الطبقة السياسية الشيعية في بغداد. وأنشأت الإمارات العربية المتّحدة علاقات متينة وشخصيّة مع وسطاء ومراكز قوّة بارزين، بمن فيهم شخصيات وأحزاب قوية في إربيل وبغداد. وهي تحظى بسمعة محترمة في العراق باعتبارها مركزاً إقليمياً للإبداع والتجارة. وقد استثمرت شركة نفط الهلال الإماراتية للطاقة أكثر من ثلاثة مليارات دولار في العراق وأبرمت اتفاقية لبيع الغاز لمدة عشرين عاما مع حكومة إقليم كردستان.
لكن من المستبعد أن تزدهر الصلات بين العراق ومجلس التعاون الخليجي قبل أن يتوقّف عن النظر إلى العراق من خلال عدسة اعتباراته الأمنية الخاصة إزاء المجتمعات الشيعية في الخليج وقبل أن يصبح العراق قادراً بالفعل على تأسيس علاقاته الخارجية من دون الإذعان لتفضيلات إيران. لكنّ ذلك لا ينبغي أن يؤخّر محاولات الجهتَين تعزيز قيام شراكة استراتيجية ومستدامة.
الدور الأميركي المحتمل
ما الذي تستطيع الولايات المتّحدة أن تفعله؟ على عكس المسائل والأهداف الأخرى (مثل إجراء انتخابات حرّة وعادلة لإحلال الاستقرار في البلاد واستعادة ثقة الشعب بالدولة أو لكبح جماح الميليشيات)، يبرز نفوذ وقدرة أكبر لأميركا في رسم معالم العلاقات بين العراق ومجلس التعاون الخليجي، نظراً إلى اعتماد العراق على الدعم الأميركي والشراكات الأميركية الاستراتيجية العريقة في الخليج.
أولاً، ينبغي على واشنطن أن تستمرّ في مساعدة العراق على تنفيذ خريطة الطريق الموضوعة للوصول إلى الاستقلالية في مجال الطاقة. ويتطلّب ذلك وصل شبكات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي والعراق لمعالجة النقص المزمن في الكهرباء في العراق، وهو شيء رحّب به الشعب العراقي ويمكنه أن يشكّل أساساً لعلاقة ذات منفعة متبادلة بين العراق والدول المجاورة.
لكن هذا الجهد وغيره لن يكون مفيدا إذا تُركت مسألة رسم معالم العلاقات بين العراق والخليج للقوى المعارضة لمجلس التعاون الخليجي وللولايات المتّحدة. لن يبدو الوضع من الخليج جيداً إذا اعتمدت استثمارات مجلس التعاون الخليجي بشكل شبه تام على بقاء الكاظمي في السلطة، وسيفشل الاعتماد على مؤسّسات الدولة العراقية إذا خضعت هذه المؤسّسات للنفوذ الإيراني. وسبق أن جرّبت الولايات المتّحدة هذه المقاربة وفشلت عندما وضعت استراتيجية ترتكز بشكل شبه حصري على قدرة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على البقاء في السلطة. وقد روّجت له واشنطن في المنطقة، لكن لم يتم اعتباره في الخليج يوماً على أنّه قائد قوي وقادر. وقد حلّ في مرتبة ثالثة مُحرجة في انتخابات العام 2018، على الرغم من نيله دعماً هائلاً من الولايات المتحدة.
وللكاظمي علاقات عريقة مع دول خليجية وسبق أن استُقبل بحرارة، شأنه شأن وزير المالية في حكومته ونائبه علي علاوي. لكنّ انخراط بغداد وحكومة إقليم كردستان (وهي شريك للولايات المتحدة من زمن بعيد) حالياً في خلاف كبير حول صادرات النفط وتقاسم العائدات يعقّد الأمور. وسيكون لهذا الوضع تداعيات سياسية واقتصادية ويضيف تحدياً آخر إلى لائحة التحديات الكثيرة التي يواجهها العراق أصلاً. لذا يعد التسلسل مهماً: إذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على مساعدة حليفَين من أهمّ حلفائها في العراق في الوصول إلى اتفاق حول النفط، فسيتساءل مجلس التعاون الخليج كيف ستُنشئ واشنطن شراكة استراتيجية بين العراق وثلاث جهات فاعلة إقليمية على الأقلّ في خطوة يمكن أن تعيد رسم المشهد الجيوسياسي أو إذا كانت واشنطن قادرة على ذلك.
ما تستطيع الولايات المتحدة فعله وما ينبغي عليها فعله هو وضع مجموعة من المبادئ التوجيهية لتشكّل إطاراً لتأسيس ما سيكون فعلياً محوراً بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي في بغداد وتحالفاً سياسياً مؤيداً لمجلس التعاون الخليجي في بغداد، الذي يولّد إحساساً بالاتّجاه وتناغماً بين الصلات الواسعة التي تتحلّى بها بعض الجهات الفاعلة أصلاً بالخليج. وسوف يطوّر ذلك السبل للوصول إلى علاقة طالت الحاجة إليها. وهي تسمح باعتماد مقاربة ترتكز على الإنجازات وتخفّف من المخاطر على استثمارات مجلس التعاون الخليجي، فتكون مقاربة تبتعد عن التركيز المعياري على الاستقرار السياسي في البلاد ككلّ (وهو أمر غير واقعي). عوضاً عن ذلك، تفسح هذه المقاربة المجال أمام تشديد على الاستقرار السياسي بين حلفاء الولايات المتحدة كنقطة انطلاق، لكي ترتبط الاستثمارات الاقتصادية التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي في العراق بقدرة واشنطن على التوسّط في النزاعات بين حلفائها وفي التوافق السياسي بين المجموعات ذاتها التي ستكون قدرتها على العمل معاً عنصراً أساسياً لقيام علاقة مجدّدة بين العراق والخليج.
ومن شأن إنشاء مجموعة من المحفّزات والهيكليات المالية والدبلوماسية لهذه المجموعة من صانعي القرارات أن يساعدهم على تخطّي حالة التجزّؤ وتوجيه بغداد أكثر نحو الخليج. وسيسهم ذلك في معالجة المسائل الكامنة الأخرى التي تترافق مع التحسين الكبير في صلات مجلس التعاون الخليجي بالعراق: التهديد الآتي من إيران. فمن خلال مزيج من التهويل والإكراه، سوف تُفشِّل إيران والجهات المتحالفة معها العلاقات المحسّنة بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، لكنّ قدرتها على تحقيق ذلك ستضعف بشدة في حال عجزت عن استغلال الانقسامات بين أخصامها وواجه نفوذها السياسي مقاومة شرسة داخل البرلمان العراقي. فبإرشاد أميركي، بإمكان الفرصة لتحويل مكانة الخليج ومداه ونفوذه العالمي، فضلاً عن مراكزه التجارية وقدرة وصوله إلى الأسواق العالمية وقدرته الإنفاقية، إعادة إحياء علاقة يحتاج إليها العراق والمنطقة ككلّ بشدّة لتحقيق استراحة ما من الصراع وعدم الاستقرار.
 
*زميل زائر -مركز بروكينغز الدوحة