ثقافة الاحتجاج والإضراب.. من «اللوفر» إلى «النقابة»!*باسم سكجها
الراي-صادف أنّني كنتُ في باريس، وفي طريقي مع أصدقاء لزيارة متحف «اللوفر»، ولكننا علمنا أنّ موظفي المتحف الشهير أعلنوا الإضراب عن العمل، فندبنا حظّنا، ولكنّنا فوجئنا عند وصولنا بطوابير طويلة من الناس، تنتظم في دخولها السريع من البوابات، فانضمننا لهم، ودخلنا مجاناً!
كانت نوافذ بيع التذاكر مغلقة، معلّقاً عليها يافطات تقول: «إضراب!»، والشرطة الفرنسية تنظّم عملية دخول الناس بمجرّد تفتيش سريع، وأظنّ أنّ المتحف الرائع إستقبل يومها أكبر عدد من الناس في تاريخه، وخلال تجوالنا في الأروقة والقاعات ظلّ إنتظام الزوّار حضارياً.
الصمت، أو الكلام الهامس، هو المسيطر على الأجواء، وحتى لوحة «موناليزا» ليوناردو دافنشي، التي يريد كلّ من زار «اللوفر» رؤيتها على الطبيعة، كان الزوار يمرّون أمامها بهدوء وبسرعة للسماح لغيرهم بهذه اللحظة التاريخية، والطريف أنّ «المضربين عن العمل» كانوا موجودين، ويساهمون في تعريف الناس والشرطة على المكان!
ثقافة الاحتجاج الحضارية تتكرّس في المجتمعات من التجربة، ومن الحرص على المصلحة العليا، وفي يوم قبل عشرات السنوات، وجدت نفسي بالصدفة ضمن مظاهرة احتجاجية على طرف شارع في أثينا، يحمل أصحابها يافطات تعبّر عن مطالبهم، ويهتفون بهدوء، وانسياب حركة السيارات شبه طبيعية إلى جانبنا، وفي يوم آخر إضطررت للتواجد في مطار فيينا ساعات لسبب إضراب في مؤقت في مطار فرانكفورت!
العالم لا يعرف شيئاً إسمه إضراباً مفتوحاً إلى ما لا نهاية، وخصوصاً في المرافق العامة التي يُعنى بها ملايين الناس، فهذا يصبح أقرب إلى «العصيان المدني»، وعند الإعلان عن إضراب في مثل هذه المرافق يكون محدوداً لساعات معيّنة، ولا أكثر من يوم أو إثنين في أصعب الحالات، لإيصال الصوت إلى العامّة، ولكنّنا نشهد في الأردن الآن خروجاً حقيقياً على أبسط القواعد المتعارف عليها دولياً، ليبدو أنّه لا علاقة لـ“إضراب نقابة المعلمين» بالثقافة الاحتجاجية، ولا الإعتراضية، ولا المطلبية.
بدأت مقالتي بالحديث عن تجارب شخصية مع الإضرابات، وخصوصاً متحف «اللوفر»، وأتذكّر أنّني كتبت في الاسبوع الماضي في هذه الزاوية إقتراحاً لنقابة المعلمين باستثمار التوقّف المؤقت عن الدخول إلى الحصص المدرسية، بتنظيم رحلات إلى المتاحف الأردنية، في بادرة حسن نية تُفيد بأنّ المعلّمين يعملون، ولكنّهم للأسف: «أذن من طين وأخرى من عجين»، والهدف كما بات واضحاً ليس القضيّة المالية التي يمكن تسويتها بهدوء وترافق، بل هو مسألة كسر عظم سياسي، ووضع الدولة أمام إستحقاق وطني، صار ضرورياً، لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وللحديث بقية!