الغد -
جون فيفر – (فورين بوليسي إن فوكَس)
بدلًا من جائزة نوبل للسلام، يستحق دونالد ترامب أن يُمنح جائزة الحرب. من إيران إلى فنزويلا، أعادت إدارته العمل العسكري كخيار رئيسي في السياسة الخارجية الأميركية. وهو يستخدم في الغالب التعريفات الجمركية كشكل مفضل لمعاقبة الأصدقاء والأعداء على حد سواء؛ لكنه يستخدم أيضاً التهديد بالحرب، وهنا أيضاً لا يميز بالضرورة بين الحلفاء والخصوم.
* * *
خلال جولته الأخيرة في آسيا، تلقّى الرئيس دونالد ترامب عدداً من الهدايا، كان من بينها نسخة ذهبية عن تاج مملكة شِيلا في كوريا الجنوبية، ومضرب غولف ذهبي في اليابان. ولدى ترامب ميل قوي معروف تمامًا إلى الذهب -حتى أن ديكورات المكتب البيضاوي في البيت الأبيض أُعيد تركيبها باللون الذهبي، تُكملها جوائز ذهبية وقطع فاخرة مطلية بالذهب نُقش عليها اسم ترامب.
يحب ترامب الذهب، لكنه يطمع في شيء أثمن منه بكثير: جائزة نوبل للسلام. وفي محاولاتهم لكسب ود الرئيس الأميركي، وعده العديد من قادة العالم بترشيحه لنيل الجائزة. وقد تلقى خلال رحلته الأخيرة في آسيا وعوداً كهذه من رئيسة الوزراء المحافظة الجديدة في اليابان، سانايي تاكايشي، وكذلك من رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت. وفي وقت سابق من هذا العام، قدّم بارك وون‑سون من الحزب الديمقراطي الحاكم في كوريا الجنوبية حالياً ترشيحاً لترامب إلى لجنة نوبل في النرويج. وانضم إلى جوقة المديح هذه العديد من القادة الآخرين في مختلف أنحاء العالم، من رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى وزير خارجية مالطا.
كما هو الحال مع كل هدايا التكريم الذهبية التي تُقدَّم لترامب، ليست هذه الترشيحات سوى محاولات مكشوفة للتملّق لزعيم متقلّب، قاسٍ، واستبدادي. وهي أيضاً مناقضة تماماً للواقع.
في نهاية المطاف، لا يهتم ترامب بالسلام بأكثر مما يهتم به رجل مافيا؛ حيث يريد كلاهما أن يطيع التابعون أوامرهم فحسب، وأن يرتعد الخصوم منهم فرَقًا. يريد ترامب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ينحني للرئيس الأميركي وأن يأتي صاغرًا إلى طاولة المفاوضات مع أوكرانيا. ويريد من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يتوقف عن تحدي الضغط الأميركي والتفاوض مع "حماس" على وقف إطلاق النار في غزة. ومثل رجل المافيا، يريد ترامب أن يُظهر أنه السلطة المطلقة التي توزّع الهبات والعقوبات بحسب أهوائه.
غالباً ما يحاول ترامب تغيير نسيج الواقع عن طريق تأكيد صحة أكاذيب مطلقة -مثل أن الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، وُلد في إفريقيا، وأن انتخابات العام 2020 سُرقت منه، وأنه يكون دائمًا أذكى شخص في كل غرفة يدخلها.
وكذلك هو حاله مع جائزة نوبل للسلام. يفاخر ترامب بأنه أنهى "سبعة أو ثمانية" حروب. وهو ادعاء مشكوك فيه على الأقل، نظراً لأنه لم يكن مشاركاً في التوسط لوقف إطلاق النار في العديد من تلك الصراعات (صراع كشمير؛ وتايلاند ضد كمبوديا)، بينما ما تزال بعض هذه "الإنجازات"، مثل غزة، غير محسومة إلى حد كبير. وفي حالة مصر وإثيوبيا، لم تكن هناك حتى حرب لينهيها من الأساس.
بدلاً من ذلك، وبالنظر إلى خطابه وأفعاله، يستحق ترامب أن ينال النقيض تماماً: جائزة نوبل للحرب.
يستخدم ترامب، في الغالب، التعريفات الجمركية كشكل مفضل لمعاقبة الأصدقاء والأعداء على حد سواء. لكنه يستخدم أيضاً التهديد بالحرب، وهنا أيضاً لا يميز بالضرورة بين الحلفاء والخصوم. وعلى سبيل المثال، هدد بإرسال قوات إلى غرينلاند، مما سيؤدي إلى نشوب صراع مع الدنمارك، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي. كما هدد بضم كندا، الجارة الودودة.
وفي الآونة الأخيرة -في ما يشكل باعثًا على قلق أكبر- تفكر إدارة ترامب جدياً في توجيه ضربات بالطائرات المسيّرة -بل وحتى إرسال قوات أميركية إلى المكسيك لمهاجمة عصابات المخدرات. وقد رفضت الحكومة المكسيكية بشدة أي خطط من هذا النوع، لكنّ ذلك لم يردع إدارة ترامب.
تشكل الخطة المحتملة للتدخل في المكسيك -على الرغم من معارضة الحكومة المكسيكية- توسيعًا للحرب على المخدرات التي تشنها الإدارة في منطقة الكاريبي والمحيط الهادئ. وقد هاجمت مُسبقًا أكثر من اثنتي عشرة سفينة وقتلت أكثر من 60 شخصاً. وكان إعلان البنتاغون "الحرب" مضللًا فحسب، لأنه يقوم على فكرة أن ما تفعله الولايات المتحدة هو مجرد "أعمال دفاعية". لكن الإدارة لم تقدّم أي دليل على أن تلك القوارب هاجمت -أو كانت لديها خطط لمهاجمة- أهداف أميركية.
كما أنه ليس هناك أي دليل أيضاً على أن تلك القوارب كانت مشاركة حقًا في تهريب المخدرات. ولكن، حتى لو استطاعت الإدارة إثبات ذلك، فسوف يعني ذلك أن هذه القضايا ينبغي أن تخضع للقانون وإنفاذه. لكن إدارة ترامب لجأت بدلاً من ذلك إلى القتل خارج نطاق القضاء.
كما أن الولايات المتحدة وضعت ما يكفي من القوة النارية في المنطقة للسعي نحو تغيير النظام في فنزويلا. وعلى الرغم من أن ترامب قال أن الحرب مع ذلك البلد غير مرجحة، فإنه قام بتصعيد الضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن طريق شن هجمات بحرية قرب حدوده، والسماح لوكالة المخابرات المركزية بالعمل داخل بلاده، والنظر في خطة للاستيلاء على حقول النفط الفنزويلية.
وليست الحروب المحتملة في المكسيك وفنزويلا سوى أحدث الأسباب التي تجعل ترامب يستحق جائزة نوبل للحرب. على سبيل المثال، ركب ترامب موجة الهجمات الإسرائيلية على إيران من خلال قصف ثلاث منشآت نووية في ذلك البلد. ولو لم يدمر الرئيس الاتفاق النووي مع إيران في بداية ولايته الأولى لما كانت هناك حاجة لأن تستخدم إسرائيل أو الولايات المتحدة القوة ضد البرنامج النووي الإيراني.
كما أرسل ترامب الجيش الأميركي إلى مدن أميركية، في خطوة غير مسبوقة أدت إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع الأميركي. وهدد باستخدام القوة العسكرية ضد الحركات الاحتجاجية في الداخل -بل وحتى بترحيل مواطنين أميركيين إلى سجون خارج البلاد.
وأعلن ترامب مؤخراً أن الولايات المتحدة ستستأنف اختبار الأسلحة النووية، في انتهاك مباشر لـ"معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية" (التي وقعتها الولايات المتحدة ولم تصدّق عليها). ويصرّ وزير الطاقة الأميركي على أن الولايات المتحدة ستختبر فقط المكونات غير النووية للأسلحة -مثل أنظمة الإطلاق- لكنّ ترامب يريد عودة التجارب تحت الأرض لموازنة ما يزعم أنها تجارب مماثلة تجريها روسيا والصين.
وثمة سبب واحد أخير يجعل ترامب مستحقًا لجائزة نوبل للحرب هو عزمه على زيادة ميزانية ما أصبح يسميها الآن "وزارة الحرب". في أيار (مايو)، قدم الرئيس أول ميزانية دفاعية بقيمة تريليون دولار: ما يقرب من 900 مليار دولار للإنفاق بالإضافة إلى نحو 120 مليار دولار من الإنفاق الإضافي من خلال مشروع قانون المصالحة.
وإذن، ثمة تريليون دولار خصصت لخوض الحروب والاستعداد لخوض الحروب. ويذهب جزء كبير من هذه الأموال إلى المعدات الضخمة في ترسانة "وزارة الحرب" المصممة لخوض حرب مع الصين.
لم تكن إدارة بايدن سلمية تماماً، على الرغم من أنها قامت بسحب القوات الأميركية من أفغانستان ورفضت إرسال قوات إلى أوكرانيا (أو حتى إنشاء منطقة حظر طيران فوقها).
لكن إدارة ترامب أعادت اليوم العمل العسكري كخيار رئيسي في السياسة الخارجية الأميركية. ويستحق ترامب جائزة على هذا التحول. لكنها ليست الجائزة التي يظن أنه يستحقها.
*جون فيفر John Feffer: مؤلف الرواية الديستوبية "أرض الانقسام" Splinterlands (2016)، ومدير مركز "السياسة الخارجية في بؤرة التركيز" Foreign Policy In Focus في "معهد دراسات السياسة". روايته "أرض الصقيع" (2018) هي الجزء الثاني من ثلاثية "أرض الانقسام"، وقد صدر الجزء الثالث المعنون "أرض الأغاني" Songlands في العام 2021.
*نُشر هذا المقال تحت عنوان: Donald Trump Deserves the Nobel Prize for War