Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Mar-2020

قراءة سيميائيّة في روايات «الأتون» و»أرقام عابرة» و»حلوى مالحة»

 الدستور-محمد درويش عواد

تسعى هذه القراءة النّقديّة لدراسة الروايات الثلاث «الأتون» لرند حدّاد، و»أرقام عابرة» لفرح عيّاد، و»حلوى مالحة» لحلا أبو هنطش، من خلال الغوص في المعاني القريبة والبعيدة، وقراءة ما بين السطور؛ في محاولة جادّة لاكتشاف الأفكار التي أرادت الكاتبات إيصالها للقارئ، من خلال أنساق العلاقات والأدلّة والرموز الواردة فيها، بعد أن قمتُ بقراءة الروايات وتشرّبها وتمثّلها وتفرّس كلّ ما جاء فيها .
 
اعتمدتُ للدخول في هذه الروايات على عدد من العتبات، هي:
 
 أولاً: عتبة العنوان:
 
يشكّل العنوان – كما هو معلوم – عتبةً رئيسيّة وملمحاً مهمّاً لأيّ عمل إبداعيّ؛ من خلاله يستطيع الدارس أخذ انطباع أوليّ عن فكرة هذا العمل، وعلاقته بالمحتوى والفكرة الرئيسيّة، وهذا ما نجده في عناوين الروايات الثلاث، حيث (أرقام عابرة) التي جاءت جملة اسميّة مكوّنة من خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذه) وصفة (عابرة)، هذه الجملة الإسميّة التي حملت بلاغة جميلة في معناها، جعلتنا نذهب إلى الاعتقاد بأنّ تلك الأرقام هي سنوات عمرنا التي تذهب ولا تعود، والتي تحمل في طيّاتها ذكريات سعيدة وأليمة، وهذا ما جعلنا نلتهم بكل شفف كلّ حرف من الرواية، لكنّ دهاء الكاتبة الجميل جعل العنوان ينزاح إلى معنى آخر في عالم غرائبي مدهش، أعطى الرواية مذاقاُ وطعماً لذيذين .وهذا ما فعلته حلا أبو هنطش حين اعتمدت في عنوان روايتها _ التي تكونت أيضاً من خبر لمبتدأ محذوف وصفة –على الطباق حين جعلت الحلوى مالحة، والذي شكّل فضولاً لدى القارئ لمعرفة سرّ هذا الطباق الغريب . أما رند حدّاد فقد اكتفت في عنوان روايتها باسم واحد (الأتون : نار متأجّجة أو الموقد الكبير)، والذي أثار فينا أسئلة كثيرة : لمن الأتون ؟ ستحرق من؟ويبقى السؤال الأهم : لماذا اختارت كاتبات في عمر الورد هذه العناوين الموحية بالاغتراب والعذاب ؟
 
سؤالنا مشروع قبل البدء بقراءة الروايات، يضع الكاتبات أمام تحد للإجابة عليه، ولهذا ندخل تلك العوالم التي صنعتها الكاتبات لمعرفة الإجابة، والتي ستجيب عن سؤالنا الآتي: هل نجحت هذه العناوين في مطابقة مضامين الروايات ؟
 
 ثانياً: المضمون:
 
لقد استطاعت الكاتبات بذكائهن من خلال اختيار عناوين شائقة، تعتمد على المفارقة والانزياح في العنوان، إلى جذبنا لقراءة هذه الروايات بشغف للإجابة عن السؤال السابق، فأدخلتنا القراءات إلى عوالم واقعيّة وغرائبيّة نجملها على النحو اللآتي:
 
رواية الأتون:
 
عالم الأتون عالم واقعيّ؛ حيث يعيش (هادي) بطل الرواية الرئيسيّ مع ذويه في بيئة فقيرة معدمة، تسكن بيتاً مستأجراً، ويشترون بالدّيْن من الدكاكين، حيث يضطرّ للعمل بشكل جزئي في محطة للوقود بينما يعمل بشكل رئيسيّ في مصنع للحوم، وهذا يعني أنّه انقطع عن التعليم واضطرّ للعمل؛ بسبب مرض والده الذي أقعده عن العمل . تسير الأحداث حتى يكتشف هادي مؤامرة يشترك فيها مدير المصنع السيد شريف مع بعض عمّاله لبيع اللحوم الفاسدة للناس، فيقوم يإبلاغ الشرطة فيقبضون عليهم، ويحكم عليهم بالسجن عشر سنوات، ببنما يبتسم مدير المصنع ويخرج من الجريمة (كما تخرج الشعرة من العجين) .
 
لقد استطاعت رند حدّاد في هذه الرواية اختيار أسماء شخصياتها بعناية فائقة، حيث (شمس) والدة هادي، والتي كانت له شمساً أضاءت له الحقيقة وما يجب عمله في مجتمع كثر فيه الفساد، كذلك اختارت لرأس الفساد اسم (أمين) أرادت من خلاله أن تحقّق الانزياح في المعنى، والذي يكمن في الطباق بين الأمانة والخيانة، هذا الطباق الذي حفلت به الرواية، حيت سُجن الصغار من الموظفين وخرج المسؤول الكبير . لقد وُفّقت الروائيّة في نقل صورة واقعيّة مؤلمة من صور الحياة، التي باتت أُتوناً مستعراً يحرق العديد من الناس الضعفاء، ومع هذا فالخير موجود كما هو واضح في شخصيّة (هادي) الذي هداه الله إلى الخير بإبلاغه الشرطة، ورفضه للمال الحرام .
 
أرقام عايرة:
 
من خلال سرد غرائيبيّ عجائيبيّ مدهش، ندخل أرقام فرح عيّاد العابرة لنطلّ منها على عالم مسحور، إنّه (عالم ليتوكسش)، البعيد عن الناس، الزاخر بالأجهزة المعقّدة والشاشات الإلكترونيّة، المليء بالمجموعات المقسّمة إلى مجموعة الطبيعة التي تنتمي إليها البطلة (42) وغيرها من المجموعات، هذا العالم الذي يقبع تحت الأرض يتحكّم في برمجنه البروفيسور كريستوفر العظيم، تساعده ياسمين (نانا)، والذي يهدف من خلاله إلى السيطرة على العالم؛ حيث تخرج (42) إلى الخارج في مهمّة لمساعدة الناس، وهنا يبدأ الصراح في هذا العالم المليء بالمتناقضات، فكيف ل (42) التأقلم مع هذا العالم، وكيف لها أن تحبّ (رامي)وهي بلا مشاعر، وهنا تنتهي الحكاية وتعود في النهاية إلى عالمها، ويبدأ البروفيسور بتجهيز (43) إلى مهمّة جديدة مع الإنسان، مع إجراء التعديلات المناسبة عليه .
 
إنّ حيرة القارئ بين عالمين متناقضين : عالم الحقيقة الحسيّ وعالم التصوّر والوهم والخيال، هو ما أعطى للرواية مذاقها اللذيذ، إضافة إلى العالم الغرئيبي المدهش الذي أعطى للبناء الروائيّ ملمحاً فنيّاً جميلاً، وفوق كلّ هذا جمال النهاية التي عرفنا من خلالها أنّ الرقم (42) هو ريبوت يبقى رقماً عابراً في حياة الإنسان، يساعده في كثير من شؤونه لكنّه لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يحلّ محلّه .
 
حلوى مالحة:
 
تسعى حلا أبو هنطش في روايتها (حلوى مالحة) إلى التأكيد على الاستمتاع بالحياة رغم ملوحتها؛ فعبير بطلة الرواية الرئيسيّة ؛ والتي تعيش مع زوجها غازي وأولادها كريم وليث ولين حياة سعيدة،تتعرّض من خلال أحداث الرواية إلى إصابتها بسرطان المثانة من الدرجة الثالثة، فتخفى سرّها عن زوجها وأولادها، وتبوح به فقط لصديقتها ريم، حتى تُبقي على سعادة بيتها، التي لم تدم حيث يتعرّض ابنها كريم للخطف، ليعود في النهاية إلى بيته معزّزاً وتثبت براءة الحارس (شاكر) من تهمة اختطاف ابنها كريم.
 
لقد تناولت الرواية عدداً من القضايا المهمّة في حياتنا، مثل: الصبر على الشدائد، وتجارة الأعضاء، وضرورة التأكّد من الخبر المنقول إلينا، والابتعاد عن رفاق السوء، والاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي بما يفيدنا، والصداقة الحقيقيّة؛ حتى نستطيع تذوّق حلاوة الحياة رغم بعض ملوحتها.
 
وبعد، لقد استطاعت الكاتبات – رغم حداثة سنّهنّ - بكلّ براعة من نقد كثير من السلوكيّات الخاطئة في مجتمعاتنا، عبر عناصر روائيّة محكمة، من اختار مناسب للعناوين ومضامين هادفة وحوار جميل وسرد شائق وأمكنة وأزمنة مناسبة، كان لمبادرة (راوينا) التي يقودها بحنكة واقتدار صديقنا الدكتور محمود الرجبي ورفاقه الأثر الكبير، ورعاية مباركة من مدرستي الأهليّة والمطران التي تولّت طباعة هذه الروايات على نفقتها، وأقامت للكاتبات حفل توقيع حضره عددٌ من النقّاد والمهتمّين، فلهم جزيل الشكر والعرفان، وأمنياتنا الصّادقة للروائيّات المبدعات بمزيد من التقدّم والإبداع في حقل الرواية الجميل.