Sunday 22nd of December 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Dec-2024

‏الطريق إلى تحرير فلسطين يجب أن يمر عبر فلسطين نفسها

 الغد-‏رمزي بارود‏* - (سكووب) 10/12/2024

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
ساعد وضع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في إطار كولنيالي الكثيرين على تحرير أنفسهم من المفاهيم المشوشة حول غلبة "الحقوق المتأصلة" لإسرائيل على حقوق الفلسطينيين. في الواقع، لا يمكن أن يكون هناك مبرر لوجود إسرائيل كـ"دولة يهودية" حصرية في أرض تنتمي إلى الشعب الفلسطيني الأصلي.‏
 
 
 
ثمة نوع جديد من الوحدة حول فلسطين يجد طريقه أخيرًا إلى حركة التضامن مع فلسطين في جميع أنحاء العالم. والسبب واضح: غزة.‏
تجري أول ‏‏إبادة جماعية‏‏ يتم بثها على الهواء مباشرة في العالم في قطاع غزة. وقد ساعد التعاطف والتضامن المتزايدان مع الضحايا الفلسطينيين على إعادة تركيز الأولويات، عائدة من الصراعات السياسية والأيديولوجية النموذجية إلى ما كان ينبغي أن تكون عليه دائمًا: محنة الشعب الفلسطيني.‏
إنه، ‏بكلمات أخرى، الإجرام المطلق الذي يميز إسرائيل؛ إنه ثبات الفلسطينيين وصمودهم وكرامتهم؛ وهو الحب الحقيقي لفلسطين وشعبها من الناس العاديين الذين فرضوا أنفسهم على بقية العالم.‏
في حين أن العديد من مجموعات التضامن، على الرغم من الاختلافات بينها، وجدت دائمًا هوامش للوحدة حول فلسطين، فإن العديد منها لم تفعل. بدلاً من التعبئة والاحتشاد لدعم خطاب فلسطيني قائم على العدالة، والذي يركز بشكل أساسي على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتفكيك نظام الفصل العنصري والحصول على الحقوق الفلسطينية الكاملة، احتشدت العديد من الجماعات حول أولوياتها الأيديولوجية والسياسية والشخصية في كثير من الأحيان.‏
‏وأدى ذلك إلى ظهور صدوع عميقة، وفي نهاية المطاف، إلى ذلك الانقسام المؤسف لما كان من المفترض أن يكون حركة عالمية واحدة. وعلى الرغم من أن الكثير من الناس يزعمون، محقين، أن الحركة عانت من ‏‏العواقب‏‏ الوخيمة للحرب السورية والصراعات الأخرى المرتبطة بما يسمى "الربيع العربي"، إلا أن الحركة كانت في الحقيقة عرضة للانقسامات تاريخياً، قبل وقت طويل من الاضطرابات الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط.‏
ترك ‏‏انهيار‏‏ الاتحاد السوفياتي، الذي بدأ في العام 1990، ندوبًا دائمة على جميع الحركات التقدمية في جميع أنحاء العالم. وعلى حد تعبير‏‏ دومينيكو لوسوردو‏‏، فقد تراجع "الماركسيون الغربيون" إلى مراكزهم الأكاديمية، وتُرك "الماركسيون الشرقيون" وحدهم في معركتهم لمحاربة ويلات "النظام العالمي الجديد" بقيادة الولايات المتحدة.‏
‏وما يزال بالإمكان رؤية بلقنة الحركة الاشتراكية على مستوى العالم -ولكن بشكل أساسي في البلدان الغربية- في وجهات نظر العديد من الجماعات الاشتراكية في ما يتعلق بالأحداث في فلسطين، و"حلولها" المحظورة فعلياً للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي. وسواء كانت هذه "الحلول" ذات صلة أم لا، فإنها ليست ذات قيمة تذكر لنضال الفلسطينيين على الأرض. بعد كل شيء، غالبًا ما يتم تطوير هذه الصيغ السحرية في المختبرات الأكاديمية الغربية، مع وجود صلة ضئيلة -أو معدومة بشكل مطلق- بالأحداث التي تجري في جنين أو خان يونس أو جباليا.‏
بالإضافة إلى ذلك، ثمة مشكلة التضامن العبر-وطني. إن هذا النوع من التضامن مشروط ببساطة بالعودة المتوقعة لقدر مماثل من التضامن في شكل معاملة سياسية بالمثل. وتجدر ملاحظة أن هذه الفكرة هي تطبيق مضلل لمفهوم‏‏ "التقاطعية"‏‏ intersectionality (1)، كما هو الحال مع مختلف المجموعات الساخطة التي تعرض التضامن المتبادل لتضخيم صوتها الجماعي وتعزيز مصالحها.‏
‏في حين أن التقاطعية على المستوى العالمي بالكاد عاملة وظيفياً، ناهيك عن كونها غير مختبرة -عادة ما تحكم العلاقات بين الدول استراتيجية سياسية ومصالح وطنية وتكوينات جيوسياسية- فإن التقاطعية داخل إطار وطني ومحلي تظل ممكنة إلى حد كبير. ومع ذلك، حتى يكون للتقاطعية في الإطار الوطني معنى، فإنها تتطلب فهماً عضوياً لنضالات كل مجموعة، ودرجة من الانغماس الاجتماعي والحب الحقيقي والرحمة لبعضها بعضا.‏
مع ذلك، في حالة فلسطين، غالبًا ما يتم الخلط بين هذه الفكرة النبيلة والتضامن القابل للتفاوض والمعاملات، والذي قد ينجح في المسرح السياسي، خاصة في أوقات الانتخابات، ولكنه نادرًا ما يساعد على توطيد الروابط طويلة الأمد بين المجتمعات المضطهدة بمرور الوقت.‏
‏من المؤكد أن الإبادة الجماعية المستمرة التي تنفذها إسرائيل في غزة ساعدت العديد من الجماعات على توسيع هوامش الوحدة حتى تتمكن من العمل معًا لوضع حد للإبادة في القطاع، ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين بكل طريقة ممكنة. ومع ذلك، يجب أن يستمر هذا الشعور الإيجابي لفترة طويلة بعد انتهاء حملة الإبادة الجماعية الحالية -إلى أن يتحرر الشعب الفلسطيني أخيرًا من نير الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.‏
‏النقطة المهمة هنا هي أن لدينا مسبقًا أسبابًا عديدة للعثور على الوحدة حول فلسطين والحفاظ عليها، من دون أن نبذل جهداً شاقاً للعثور على أرضية أيديولوجية أو سياسية أو أي نوع آخر من القواسم المشتركة.‏
‏إن المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي ليس سوى مظهر من مظاهر الاستعمار الغربي والإمبريالية في تعريفاتهما الكلاسيكية. ولا تختلف الإبادة الجماعية الجارية في غزة عن الإبادة الجماعية لشعب ‏‏هيريرو وناما‏‏ في ناميبيا في مطلع القرن العشرين. كما لا يختلف التدخل الأميركي الغربي في فلسطين عن الدور المدمر الذي لعبته الدول الغربية في فيتنام والعديد من الأماكن المتنازع عليها الأخرى في جميع أنحاء العالم.‏
ساعد وضع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في إطار كولنيالي الكثيرين على تحرير أنفسهم من المفاهيم المشوشة حول غلبة "الحقوق المتأصلة" لإسرائيل على حقوق الفلسطينيين. في الواقع، لا يمكن أن يكون هناك مبرر لوجود إسرائيل كـ"دولة يهودية" حصرية في أرض تنتمي إلى الشعب الفلسطيني الأصلي.‏
‏وبالطريقة نفسها، لا تنطبق فكرة "الحق الإسرائيلي في الدفاع عن النفس" التي يتم الترويج لها كثيرًا، والتي ما يزال بعض "التقدميين" يرددونها كالببغاوات، على المحتلين العسكريين الذين في حالة عدوانية نشطة أو أولئك الذين يرتكبون إبادة جماعية.‏
للتركيز على الأولويات الفلسطينية أيضًا فوائد أخرى، بما في ذلك الوضوح الأخلاقي. إن أولئك الذين لا يجدون حقوق الشعب الفلسطيني مقنعة بما يكفي لتطوير جبهة موحدة ما كان يجب أبدًا أن يكونوا جزءًا من الحركة في المقام الأول، وبالتالي فإن "تضامنهم" سطحي.‏
‏إن الطريق إلى تحرير فلسطين لا يمكن أن يمر إلا عبر فلسطين نفسها، وبشكل أكثر تحديدًا، وضوح هدف الشعب الفلسطيني الذي دفع، أكثر من أي أمة أخرى في العصر الحديث، وما يزال يدفع الثمن الأكبر لحريته.‏
 
*رمزي بارود Ramzy Baroud: كاتب وصحفي فلسطيني ومحرر صحيفة "وقائع فلسطينية" Palestine Chronicle، وهو مؤلف لستة كتب عن فلسطين، منها: "أبي كان مقاتلاً من أجل الحرية"  My Father was a Freedom Fighter، و"الأرض الأخيرة "The Last Earth، و"هذه السلاسل سوف تُكسر: قصص فلسطينية عن النضال والتحدي في السجون الإسرائيلية" These Chains Wil Be Broken: Palestinian Stories of Struggle and Defiance in Israeli Prisons، (منشورات كلاريتي، أتلانتا). آخر كتبه كمحرر مشارك مع إيلان بابيه، هو "رؤيتنا للتحرير‏: قادة ومفكرون فلسطينيون منخرطون يتحدثون علنًا" Our Vision for Liberation: Engaged Palestinian Leaders and Intellectuals Speak Out. وبارود باحث غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA)، جامعة إسطنبول زعيم، وفي "مركز الشرق الأوسط الأفريقي" (AMEC) ومقره جوهانسبرغ.
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Unity Above Else: The Only Road to the Liberation of Palestine
 
هامش المترجم:
(1) التقاطعية Intersectionality: هي مفهوم وأداة تحليلية ظهرت لفهم كيف تتقاطع وتتداخل الهويات والأنظمة الاجتماعية المختلفة لتشكيل تجارب الأفراد والجماعات مع التمييز أو الامتياز. يركز هذا المفهوم على دراسة كيفية تفاعل عوامل عدة مثل العرق، والجنس، والطبقة الاجتماعية، والميول الجنسية، والإعاقة، وغيرها، لتحديد مظاهر القهر أو التمييز التي يتعرض لها الأشخاص.