Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2020

كيف خسرت أميركا الحرب على “كوفيد- 19”

 الغد-بول كروغمان* – (نيويورك تايمز) 6/7/2020

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
لا أعتقد أن أي دولة متقدمة أخرى (ولكن، هل ما نزال نحن بلدًا متقدمًا حقاً؟) والتي لديها مثل هذا العدد من الأشخاص الذين يستجيبون بالغضب عندما يُطلب منهم ارتداء قناع للوجه في محل “سوبر ماركت”. وبالتأكيد لا يوجد أي بلد متقدم آخر حيث يقوم المتظاهرون ضد تدابير الصحة العامة بالتلويح بالبنادق في الأنحاء ويعمدون إلى غزو عاصمة ولايتهم. كما أن الحزب الجمهوري فريد بشكل أو بآخر بين الأحزاب السياسية الغربية الكبرى في عدائه المعلَن للعلم بشكل عام.
 
* *
متى بدأت أميركا في خسارة حربها ضد فيروس كورونا؟ كيف وجدنا أنفسنا وقد أصبحنا منبوذين دوليين، لا يُسمح لهم حتى بالسفر إلى أوروبا؟
أود أن أقترح أن نقطة التحول تعود وراء إلى 17 نيسان (أبريل)، وهو اليوم الذي غرد فيه دونالد ترامب “حرِّروا مينيسوتا”، ثم تلتها تغريداته “حرروا ميتشيغان”، و”حرروا فرجينيا”. وبفعله ذلك، أعلن بطريقة عملية عن دعم البيت الأبيض للمتظاهرين الذين يطالبون بإنهاء الإغلاق الذي فرضه حُكام الولايات من أجل السيطرة على تفشي “كوفيد- 19”.
كما يحدث، ظل الحكام الديمقراطيون الذين استهدفهم ترامب في تلك التغريدات واقفين بثبات. لكن الحكام الجمهوريين في أريزونا وفلوريدا وتكساس وأماكن أخرى سرعان ما ألغوا الأوامر بالبقاء في المنزل ورفعوا العديد من القيود التي كانت مفروضة على الأعمال التجارية. كما أنهم رفضوا أيضًا، سائرين على خطى ترامب، مطالبة الناس بارتداء أقنعة الوجوه، وحرمت تكساس وأريزونا الحكومات المحلية من الحق في فرض مثل هذه المتطلبات. وضرب الحُكام الموالون لترامب بعُرض الحائط تحذيرات خبراء الصحة من أن اللامبالاة وإعادة فتح قطاعات الاقتصاد والحركة قبل الأوان يمكن أن تؤدي إلى موجة جديدة من تفشي العدوى.
وجاء الفيروس.
كان ينبغي أن يعلِّمنا التفشي الأول لـ”كوفيد-19″، الذي تمحور حول نيويورك، أن نكون حذرين. يمكن أن تبدو معدلات الإصابة المتصاعدة مصدر قلق بسيطا في البداية، خاصة إذا لم تكن تجري عدداً كافياً من الاختبارات، حتى تنفجر هذه المعدلات بسرعة مرعبة.
ولكن، لم يكن السياسيون الجمهوريون ولا إدارة ترامب على استعداد للاستفادة من هذا الدرس. وبحلول الأسبوع الثاني من شهر حزيران (يونيو)، كانت حالات الإصابة بـ”كوفيد- 19″ الجديدة تتصاعد في أريزونا، وتحلِّق بوضوح في تكساس أيضاً. ومع ذلك، رفض حكام الولايتين الدعوات للتوقف مؤقتًا عن إعادة الفتح، وأصروا على أن الأمور كانت تحت السيطرة.
وفي 16 حزيران (يونيو)، بطبيعة الحال، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مقال رأي لنائب الرئيس، مايك بنس، والذي أعلن فيه أنها لم تكن هناك موجة ثانية من فيروس كورونا، ولن تكون. وبالنظر إلى سجل إدارة ترامب، فقد كفل ذلك تقريبًا أن تكون الموجة على وشك أن تضرب. وكذلك كان.
خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ساءت الأمور بسرعة شديدة. أصبحت المستشفيات في أريزونا وتكساس في أزمة. ونعم، كان من السابق لأوانه إعادة الفتح، سواء بشكل مباشر أو عن طريق إرسال إشارة إلى الأفراد بأن الخطر قد ذهب وانقضى.
ولكن، لماذا أخفقت أميركا بشدة في التعامل مع “كوفيد- 19″؟
كان هناك قدر لا بأس به من التعليقات التي قالت إن ردنا الفاشل على الوباء كان متأصلاً بعمق في الثقافة الأميركية. نحن، كما تقول الأطروحة، متحررون للغاية، وغير واثقين من الحكومة، وغير راغبين في قبول حتى بعض المضايقات الشخصية الطفيفة من أجل حماية الآخرين.
هناك بالتأكيد شيء من هذا. لا أعتقد أن أي دولة متقدمة أخرى (ولكن، هل ما نزال نحن بلدًا متقدمًا حقاً؟) والتي لديها مثل هذا العدد من الأشخاص الذين يستجيبون بالغضب عندما يُطلب منهم ارتداء قناع للوجه في محل “سوبر ماركت”. وبالتأكيد لا يوجد أي بلد متقدم آخر حيث يقوم المتظاهرون ضد تدابير الصحة العامة بالتلويح بالبنادق في الأنحاء ويعمدون إلى غزو عاصمة ولايتهم. كما أن الحزب الجمهوري فريد بشكل أو بآخر بين الأحزاب السياسية الغربية الكبرى في عدائه المعلَن للعلم بشكل عام.
لكن ما يذهلني، عند النظر إلى فشل أميركا غير العادي في مجابهة الجائحة، هو كيف أن كل ذلك كان من أعلى إلى أسفل.
لم تكن تلك المظاهرات المناهضة للإغلاق شؤوناً عفوية وشعبية. لقد قام بتنظيم وتنسيق العديد منها نشطاء سياسيون من المحافظين، بعضهم على صلة وثيقة بحملة ترامب، ومولها جزئياً المليارديرات اليمينيون.
ولم يكن الاندفاع إلى إعادة الفتح في ولايات “حزام الشمس” (الولايات التي تمتد من الجنوب الشرقي إلى الجنوب الغربي) استجابة لطلب شعبي بقدر ما كانت قضية تتعلق بالحُكام الجمهوريين الذين يتبعون ترامب ويحذون حذوه.
كانت القوة الدافعة الرئيسية وراء إعادة الفتح، على حد علمي، هي رغبة الإدارة في تحقيق مكاسب كبيرة في الوظائف حتى تشرين الثاني (نوفمبر)، بحيث يمكنها أن تفعل ما تعرف أن تفعله -أن تتبجح بالنجاح الاقتصادي. وفي الواقع، لم يكن التعامل مع الوباء من نوع الأشياء المعروفة بأنها ترامبية.
ومع ذلك، في هذه الحالة: لماذا رفض ترامب ارتداء قناع الوجه أو تشجيع الآخرين على ارتدائه؟ بعد كل شيء، سيكون استخدام الأقنعة على نطاق واسع واحدة من الطرق المهمة للحد من العدوى من دون إغلاق الاقتصاد.
حسنًا، استكبار ترامب -اعتقاده بأن ارتداء القناع سيجعله يبدو سخيفًا، أو يفسد مكياجه، أو شيء من هذا القبيل- لعب دورًا بالتأكيد. لكن من الصحيح أيضًا أن الأقنعة تذكّر الناس بأننا لم نسيطر على فيروس كورونا -ويريد ترامب أن ينسى الناس هذه الحقيقة المحرجة.
المفارقة هي أن رغبة ترامب في مقايضة الوفيات بالوظائف والمكاسب السياسية أتت بنتائج عكسية. فقد أدت إعادة الافتتاح إلى زيادات كبيرة في الوظائف في أيار (مايو) وحزيران (يونيو)؛ حيث جرت إعادة توظيف حوالي ثلث العمال الذين كانوا قد سُرِّحوا نتيجة للوباء. لكن الموافقة على وظيفة ترامب نفسه وآفاقه الانتخابية استمرت في التراجع.
وحتى من الناحية الاقتصادية البحتة، من المحتمل أن يكون الاندفاع إلى إعادة الفتح قد فشل هو الآخر. وكان آخر رقم رسمي عن معدلات التوظيف هو لقطة من الأسبوع الثاني من حزيران (يونيو). وتشير مجموعة متنوعة من المؤشرات قصيرة المدى إلى أن النمو تباطأ، أو حتى تراجع وذهب في الاتجاه المعاكس بعد ذلك بوقت قصير، خاصة في الولايات التي تشهد ارتفاعاً في الإصابات بـ”كوفيد- 19″.
على أي حال، الفكرة هي أن هزيمة أميركا أمام فيروس كورونا لم تحدث لأن النصر كان مستحيلاً. ولم تحدث أيضاً لأننا لم نكن قادرين -كأمة- على الاستجابة. كلا، لقد خسرنا لأن ترامب وأولئك الذين حوله قرروا أنه كان من مصلحتهم السياسية السماح للفيروس بالانتشار.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How America Lost the War on Covid-19
*كاتب عمود رأي منذ العام 2000، وأستاذ متميز في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك. فاز بجائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية للعام 2008 لعمله على التجارة الدولية والجغرافيا الاقتصاديةعن مساهماته في النظرية التجارية الجديدة والجغرافيا الاقتصادية الجديدة. واستشهدت لجنة الجائزة بعمل كروغمان الذي يشرح أنماط التجارة الدولية والتوزيع الجغرافي للنشاط الاقتصادي، من خلال دراسة آثار وفورات الحجم وتفضيلات المستهلكين على مختلف السلع والخدمات.